هل تغيّرت إيران؟

مدة القراءة 6 د

بعيداً عن الأوهام اللبنانية المتعلّقة بالاتفاق السعودي – الإيراني، الذي رعته الصين والذي تحدّث عن “احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية”، يظلّ السؤال الأساسي مرتبطاً برؤية “الجمهورية الإسلاميّة” للدول الأخرى في المنطقة ووجود حدود معترف بها دولياً لهذه الدول.

باختصار شديد، ما موقف طهران من إزالة الحدود بين العراق وإيران وبين العراق وسوريا وبين سوريا ولبنان؟ ما الموقف من طموح “الحرس الثوري” إلى إزالة الحدود بين جنوب سوريا والأردن كي يسهل تهريب الكبتاغون والمخدّرات بأنواعه المختلفة والأسلحة إلى دول الخليج العربي عبر المملكة الهاشمية؟

أسئلة كثيرة تطرح نفسها، من بينها الموقف الإيراني من مملكة البحرين، قبل الدخول في تفاصيل الوضع اللبناني وما إذا كان “حزب الله” سيسمح بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة.

بعيداً عن الأوهام اللبنانية المتعلّقة بالاتفاق السعودي – الإيراني، الذي رعته الصين والذي تحدّث عن “احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية”، يظلّ السؤال الأساسي مرتبطاً برؤية “الجمهورية الإسلاميّة” للدول الأخرى في المنطقة

تعتقد “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران أنّ من حقّها تغيير خريطة المنطقة والتوازنات السياسية فيها والتركيبة الديمغرافية في دول معيّنة، هي العراق وسوريا ولبنان واليمن حيث بات “الحرس الثوري”، عبر الحوثيين، يسيطر على جزء كبير من اليمن الشمالي. يشمل ذلك صنعاء وميناء الحديدة، الذي يعتبر الميناء اليمني الأكبر على البحر الأحمر.

الخميني والشاه.. طموحات أكبر

منذ اللحظة الأولى للتحوّل الكبير الذي حدث في إيران في عام 1979 مع سقوط نظام الشاه، بحسناته وسيّئاته، كان لدى آية الله الخميني طموحات تتجاوز حدود بلده. كانت طموحاته أكبر بكثير من طموحات الشاه الذي سعى إلى السيطرة على البحرين واحتلّ الجزر الإماراتية الثلاث، أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، في عام 1971. لم يختلف نظام “الجمهوريّة الإسلاميّة” عن نظام الشاه في شيء باستثناء أنّ طموحاته كانت أكبر وأكثر اتساعاً.

ليس صدفة أن يترافق سعي المتطرّفين السنّة الذين حاولوا في خريف 1979، بقيادة “جهيمان”، السيطرة على الحرم المكّي الشريف، مع نشوب اضطرابات في المنطقة الشرقيّة للمملكة العربيّة السعوديّة. سعت “الجمهوريّة الإسلاميّة”، منذ الأشهر الأولى لقيامها، إلى التحرّش بالمملكة العربية السعوديّة عن طريق إثارة الأقلّية الشيعية فيها ضد الحكم. حدث ذلك في وقت كان التركيز على إنهاء تمرّد “جهيمان” الذي ترك لاحقاً آثاره، نحو مزيد من التزمّت، في الداخل السعودي. جاء التزمّت السعودي ردّاً على المزايدات الإيرانيّة في مجال من هو الأكثر تمسّكاً بمظاهر الإسلام؟

صمدت المملكة العربيّة السعوديّة في وجه العاصفة الإيرانيّة وفي وجه حملة تستهدف “تصدير الثورة الإسلاميّة”، وهي “ثورة خمينية” قبل أيّ شيء. لم تقتصر العاصفة على المملكة العربيّة السعودية. شملت في طبيعة الحال العراق الذي كان الهدف الأوّل للخميني من منطلق وجود أكثريّة شيعية فيه. مهّدت التحرّشات الإيرانية بالعراق لحرب استمرّت ثماني سنوات لعب فيها صدّام حسين، بسبب شخصيته الصدامية ذات الطبيعة الانفعاليّة، دوراً في إثارة الروح القوميّة لدى الفرس. استخدم الخميني الحرب مع العراق لإبعاد الجيش، الذي لم يكن يثق به، عن المدن، وإرساله إلى الجبهات المفتوحة مع العراق.

ما تشهده المنطقة حالياً يتجاوز لبنان حيث صار كلّ مواطن، تقريباً، خبيراً في السياسات العالمية وفي اليمن وسوريا والعراق والخليج وفي ما يدور في أروقة واشنطن وموسكو وبيجينغ

بوش يعطي العراق لإيران

ركّزت إيران منذ البداية على لعبة إسقاط الحدود. سقطت الحدود مع العراق في 2003، بفضل الأميركي. ليس معروفاً إلى اليوم ما الذي دفع إدارة بوش الابن إلى شنّ حرب على العراق خرج منها رابح واحد هو “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.

مع سقوط الحدود الإيرانيّة – العراقية، الذي حذّر منه الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران في عام 1981 مشيراً إلى أنّه “سقوط للتوازن في المنطقة كلّها”، بات سهلاً أن تسقط إيران الحدود بين العراق وسوريا وبين سوريا ولبنان. صار من السهل على “الجمهوريّة الإسلاميّة” إرسال أسلحة إيرانيّة إلى الداخل السوري عن طريق العراق. صار سهلاً أيضاً الاستعانة بـ”حزب الله” لينتقل مقاتلوه من لبنان إلى سوريا بغية حماية النظام الأقلّويّ فيها.

إزالة الحدود بين العراق وسوريا وبين لبنان وسوريا، حقّق “للجمهوريّة الإسلاميّة” الهدف الأهمّ، بالنسبة إليها، على الصعيد الإقليمي: لم تعد من حدود لهذه الجمهوريّة. صدق المسؤول الأمني الكبير السابق في سلطنة عُمان الذي أبلغ مسؤولاً أميركياً، استناداً إلى تسريبات “ويكيليكس”، أنّ أكثر ما يقلقه هو سماع الإذاعة الإيرانية. أشار هذا المسؤول العُماني، قبل سنوات عدّة، إلى أنّ سماعه الإذاعة الإيرانية لدى افتتاح برامجها بعبارة “صوت الجمهوريّة الإسلاميّة من طهران” يجعله يتساءل: أين حدود هذه الجمهوريّة التي ينطلق صوتها من طهران؟

لبنان: تفصيل صغير

ليس لبنان سوى تفصيل صغير في لعبة كبيرة تدور حالياً في المنطقة برعاية صينيّة. ليس تراجع إيران عن رفضها الاعتراف بالحدود بين الدول وسيادة الدول سوى بداية تراجع عن مشروع بدأ في عام 1979 باقتحام “جهيمان” وأفراد مجموعته المسلّحة الحرم المكّي في وقت تحرّك فيه شيعة المناطق الشرقيّة في السعوديّة. هناك كتاب في غاية الأهمّية عن تلك المرحلة عنوانه “حصار مكّة” لياروسلاف تروفيموف (عمل وكتب في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية). يشرح الكتاب بالتفاصيل المملّة الظروف التي واجهت السعوديّة مباشرة بعد نجاح “الثورة الخمينيّة”. حدث ذلك قبل الحرب العراقيّة – الإيرانيّة التي انتهت بشبه انتصار عراقي وتجميد مؤقّت للاندفاعة الإيرانية في المنطقة.

ما تشهده المنطقة حالياً يتجاوز لبنان حيث صار كلّ مواطن، تقريباً، خبيراً في السياسات العالمية وفي اليمن وسوريا والعراق والخليج وفي ما يدور في أروقة واشنطن وموسكو وبيجينغ.

إقرأ أيضاً: ماذا لو كانت إيران صادقة؟

ما تشهده المنطقة يمكن اختزاله بسؤال في غاية البساطة:. هل وقع، بفضل الجهود الصينية، الانقلاب الكبير؟ يعني هذا الانقلاب حصول تغيّر في “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. يعني ذلك أيضاً أنّ “الجمهورية الإسلاميّة” صارت تعترف بأنّ للبنان حدوداً دولية وأنّه ليس مجرّد “ساحة” بوجود رئيس للجمهورية أو غياب وجود مثل هذا الرئيس؟

لا يتعلّق الأمر بمصير لبنان بمقدار ما يتعلّق بتغيّر في إيران يبدو أقرب إلى أن يكون مستحيلاً.

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…