اللبنانيون يدفعون رواتب القطاع العام مرّتين، وربّما سيستمرّون في ذلك حتى بعد رفع الدولار الجمركي إلى 45 ألفاً، و”صيرفة” إلى 70 ألفاً.
فقد كشفت “الدولية للمعلومات” قبل أيام عن حجم الإيرادات التي تُحقّقها الدولة اللبنانية ومصادرها ونسبها المئوية. هذه الإيرادات قيمتها كاملة 15.5 تريليون ليرة وفق أرقام موازنة عام 2021، أي قبل رفع سعر الصرف الرسمي إلى 15 ألفاً بداية شهر كانون الأول الفائت، ثمّ إلى 45 ألفاً يوم الثلاثاء الفائت.
قبل نحو 3 أشهر، أطلّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في برنامج “المشهد اللبناني” على قناة “الحرّة”، وكشف أنّ حجم رواتب القطاع العامّ ارتفع من 1.3 تريليون ليرة قبل الأزمة، إلى قرابة 3.3 تريليونات شهرياً بعد رفع الرواتب ومنحهم ما اصطُلح على تسميته “المساعدات الاجتماعية”.
بمعنى آخر، رفعت هذه الزيادة حجم رواتب القطاع العامّ إلى قرابة 40 تريليوناً سنوياً، أي ما يعادل 495 مليون دولار على سعر صرف 80 ألفاً، بعدما كانت قرابة 8 مليارات دولار على السعر الرسمي السابق 1,500 ليرة قبل الأزمة (انخفضت قيمتها نحو 93.9%).
كشفت “الدولية للمعلومات” قبل أيام عن حجم الإيرادات التي تُحقّقها الدولة اللبنانية ومصادرها ونسبها المئوية
في عملية حسابية بسيطة، يمكن الاستدراك سريعاً أنّ إيرادات الدولة الـ15.5 تريليون ما كانت تغطّي سوى أقلّ من 5 أشهر بقليل من رواتب موظّفي الدولة (15.5 تريليون مقسّمة على 3.3 تريليونات تساوي 4.6 رواتب فقط). وحتى بعد رفع الدولار الجمركي إلى 45 ألفاً، وإذا حصّلت الدولة 14 ترليوناً جديداً كما تأمل، فستغطّي رواتب 9 أشهر في أحسن الأحوال… وهذا مستبعد جدّاً.
أمّا الأشهر الباقية، فكان مصرف لبنان وما زال يقوم بتغطيتها بالنيابة عن الحكومة، فيُسجّل قيمتها على شكل دين على الدولة لصالح “المركزي”. هذا بمعزل عن الخسارة التي يتكبّدها هو نفسه في عملية شراء الدولارات على سعر السوق (80 ألفاً)، ثمّ ضخّها عبر “صيرفة” لصالح الموظّفين، إذ يدفع مصرف لبنان الرواتب بالدولار عبر “صيرفة” كي يستفيد موظّفو القطاع العام من هامش سعرَيْ صرف الدولار بين “صيرفة” و”السوق السوداء”.
فكيف تأتي الدولة بالأموال؟
يطبع “المركزي” الليرات ثمّ يشتري الدولارات من السوق، أي من الصرّافين والمضاربين، فيغريهم بأرقام أعلى من السعر الرائج من أجل ضمان رفده المتواصل بتلك الدولارات، فيرتفع بذلك سعر الصرف في “السوق السوداء” بشكل مطّرد.
وقد قفز بالفعل منذ بداية السنة من نحو 45 ألف ليرة للدولار الواحد إلى 90 ألفاً، ثم تراجع نتيجة تدخّل المركزي إلى نحو 80 ألفاً. لكنّ “الحبل على الجرّار”. إذ يُتوقّع أن يقترب من عتبة 100 ألف ليرة بعد انتهاء مفاعيل “همروجة صيرفة” قريباً… وكلّ ذلك بسبب رواتب القطاع العامّ ونفقات الإدارة!
هذا يعني أنّنا نحن المواطنين المكلّفين بدفع الضرائب والرسوم، مضطرّون إلى دفع رواتب القطاع العامّ مرّتين وربّما سنستمرّ بذلك… فكيف ذلك؟
إقرأ أيضاً: “حقنة” صيرفة لن تدوم طويلاً: الدولار سيجنّ مجدّداً
– في المرّة الأولى: ندفعها من خلال الرسوم والضرائب التي تتقاضاها الدولة من مواطنيها بموجب الموازنة، لكنّ هذه الإيرادات ما كانت تغطّي إلا نحو 5 رواتب من أصل 12 (4.6 رواتب فقط).
– في المرّة الثانية: ندفعها من خلال الآليّة التي ابتكرها مصرف لبنان من أجل لمّ الدولارات لتغطية فرق الأشهر السبعة. ندفعها من قدرة الليرة الشرائية التي تتآكل شيئاً فشيئاً مع ارتفاع سعر الصرف المصطنع نتيجة الطلب على الدولار الذي يفتعله مصرف لبنان. ثمّ ندفعها أيضاً من قيمة الودائع المحتجزة في المصارف التي يُقدّر ما بقي منها بنحو 100 مليار دولار، وهي ما عادت تساوي اليوم أكثر من 18.5 مليار دولار.
*غداً: لماذا يصمت صندوق النقد؟
لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@