بيان مصرف لبنان الذي قضى برفع سعر “صيرفة” إلى 70 ألفاً، وبيع الدولارات للمواطنين والمؤسّسات على السواء، هو “حقنة مخدّر” لا يبدو أنّها ستدوم أكثر من نهاية الأسبوع، ثمّ يعاود سعر صرف الدولار إلى التحليق مجدّداً في أقرب وقت.
ولدت ميتةً مبادرةُ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولن تستطيع لجم الدولار كما هو مأمول لعدّة اعتبارات، أو “هموم” يحملها الحاكم فوق ظهره ولا يمكن التوفيق بينها:
1- يطمح الحاكم إلى أن يرحل عن منصبه نهاية شهر تموز، تاركاً خلفه في خزائن “المركزي” 10 مليارات دولار، حسبما يتردّد. ولذلك بيع الدولارات لمدّة طويلة لا يصبّ ضمن هذا الهدف، لأنّ هدفه الرئيس ينصبّ على شراء الدولارات وليس العكس.
2- يحاول سلامة الاستجابة لطلبات السلطة السياسية، خصوصاً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي يلحّ على لجم سعر الصرف. وقد ظهر هذا في “الاجتماعات المفتوحة” التي عقدها ميقاتي مع الحاكم ووزير المالية يوسف خليل منذ أيام، وكانت تخرج بين الحين والآخر بوعود تفيد بقرب التدخّل، الذي كانت تؤجّله بعد كلّ اجتماع، إلى أن خرج الدخان الأبيض مساء أمس الأول بعد طول انتظار.
ولدت ميتةً مبادرةُ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولن تستطيع لجم الدولار كما هو مأمول لعدّة اعتبارات، أو “هموم” يحملها الحاكم فوق ظهره ولا يمكن التوفيق بينها
3- معلومات مصدرها مصرف لبنان تؤكّد أنّ أعضاء المجلس المركزي ما عادوا راضين على نهج بيع الدولارات في السوق عبر المصارف، إذ يعتبرون أنّ هذه الخطوة “غير مجدية”، خصوصاً أنّ المستفيدين منها هم عدد محدّد من أصحاب “السطوة” وبعض المضاربين وليس المواطنون. تفيد المعلومات بأنّ نواب الحاكم وأعضاء المجلس يتخوّفون من المساءلة على هذه البيانات، بعد رحيل سلامة، ولهذا ليسوا متحمّسين لها.
أسباب فشل صيرفة
أمّا الأسباب التي ستُؤدّي إلى فشل خطوة سلامة، أو في أفضل الاحتمالات عدم استمرارها أكثر من بداية الأسبوع المقبل، فهي بدورها كالتالي:
– يقول المثل الشعبي “من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب”. الكثير من المواطنين الذين يطمحون إلى الاستفادة من ذاك البيان، لن يغيب عن بالهم البيان السابق الذي كبّدهم صرف الدولارات ثمّ حجز قيمتها بالليرة اللبنانية من دون قدرتهم على تحصيلها مجدّداً لا بالليرة ولا بالدولار. إذ تفيد المعلومات أنّه حتى بعض الموظفين احتُجزت لهم أموال في خزائن المصارف التي يعملون فيها من دون الوصول إلى نتيجة… وهذا كلّه كفيل بدفع الكثير من المتحمّسين إلى التردّد.
– عدم حماسة المصارف للتجاوب مع بيان الحاكم. فالمصارف تعتبر أنّها بغنى عن افتعال المشكلات مع عملائها والمواطنين، خصوصاً أنّ التزام مصرف لبنان بمضمون بيانه ليس أكيداً، وبالتالي فإنّ إتمام عمليات “صيرفة” قد لا يكون بدوره أمراً مضموناً.
– الضبابية في مسألة إضراب المصارف، واحتمال عودته بعد انتهاء مهلة الأسبوع التي منحتها جمعية المصارف للسلطتين السياسية والقضائية، قد تؤدّي إلى احتجاز أموال المواطنين داخل المصارف مجدّداً وربّما إلى أجل غير معروف، وهذا سبب إضافي للتردّد.
يمكن القول في الخلاصة إنّ وظيفة “شراء الوقت” التي احترفها سلامة منذ بداية الأزمة إلى اليوم، قد تبخّرت… ولعلّ هذا يكون سبباً إضافياً لدى السلطة من أجل البحث بجدّية أكبر في حتمية رحيله
– رفع سعر صيرفة إلى 70 ألفاً جعل هامش الاستفادة من الفرق بين السعرين (سعر صيرفة وسعر السوق الموازي) ضيّقاً جداً، وبالتالي فإنّ أغلب من يفكّر في الاستفادة من البيان سيقوم بعملية حسابية بسيطة ويكتشف أنّ المخاطر قد تكون أعلى ممّا يمكن تحقيقه، خصوصاً إذا أُخذ في الحسبان النسبة التي تقتطعها المصارف من المبلغ وتراوح بين 4% و5% من أصل المبلغ المسحوب بالدولار.
لكن ماذا استفاد سلامة من هذا البيان؟
عمليّاً ستكون استفادة سلامة مزدوجة:
1- فهو استطاع أوّلاً أن يخفّف من انطلاقة الدولار إلى ما فوق 90 ألفاً، وخفضه نحو 8 آلاف ليرة في غضون ساعات. هذه التقليعة الجديدة من عتبة 81 أو 82 ألفاً قادرة على التخفيف من غضب المواطنين وإلحاح السلطة السياسية على تدخّله، ولو لأيّام، لكن سنعود مجدّداً إلى المربّع الأوّل.
2- سلامة والحكومة استفادا من “حقنة” البيان المخدّرة، من أجل خلق حجّة لرفع سعر منصة “صيرفة” من 45,400 ليرة إلى 70 ألفاً (بزيادة بلغت 54%)، وهو ما سيزيد من إيرادات الدولة عبر فواتير الكهرباء والاتصالات وبعض الرسوم المحتسبة بالدولار على سعر المنصة… وهو المكسب الأكبر.
إقرأ أيضاً: “ميني دوحة اقتصاديّ”… و”عفو عامّ” ماليّ؟
لكن بمعزل عن هذا كلّه، يمكن القول في الخلاصة إنّ وظيفة “شراء الوقت” التي احترفها سلامة منذ بداية الأزمة إلى اليوم، قد تبخّرت… ولعلّ هذا يكون سبباً إضافياً لدى السلطة من أجل البحث بجدّية أكبر عن البديل..