ما هو الهدف “الاستراتيجي الأعلى” في الحرب الروسية – الأوكرانية من منظور إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن؟
متى تنتهي الحرب بنجاح عند الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ ومتى تنتهي بنجاح عند بايدن؟
متى توقف المدافع نيرانها؟ ومتى تستمرّ؟
في الحلقة الماضية حاولنا أن نعرف العناصر الحاكمة لصناعة القرار في واشنطن.
نحاول اليوم أن نعرف الإجابة على 3 أسئلة:
1- ما هي العناصر غير الموضوعية التي تُخفيها إدارة بايدن في تسخين الصراع الروسي – الأوكراني؟
2- ما الذي يريده بوتين من هذه الحرب؟ وماذا تعني له؟
3- ما هو معيار الانتصار عند بوتين، وما هو عند بايدن؟
تشعر الإدارة الأميركية بموضوعية أنّ سبب قوّة الوجود الصيني – الروسي في العالم يرجع إلى أسباب تتعلّق بالدرجة الأولى بسوء إدارة واشنطن لملفّ الصراع التنافسي معهما.
يقول مصدر مقرّب من جو بايدن لموقع “بوليتيكو” الشهير إنّ “بايدن يؤمن بأنّه قد جيء بدونالد ترامب كي يقوم بتدمير إنجازات إدارتَي بيل كلينتون وباراك أوباما اللتين استمرّتا 16 عاماً
في 9 شباط الماضي، عقدت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي جلسة استماع ومناقشة لتقويم “استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية تجاه الصين”. وبرزت في هذه الجلسة عدّة عناصر ومواقف تدعو إلى التوقّف عندها:
1– التقويم الاستراتيجي الأميركي للصين أنّها المنافس الأخطر على “المصالح” و”المبادئ” الأميركية.
باختصار، التقويم الاستراتيجي الأميركي هو أنّ الصين أصبحت في آخر هذا العقد، حسب الوصف الأميركي “أكثر استبداداً في الداخل وأكثر شراسة في الخارج”.
ترى واشنطن أنّ علاقة بكين الحديدية بموسكو تمثّل ملفّاً لا بدّ من التعامل معه بقوّة من أجل اختراقه وضرب هذه العلاقة التي أصبحت تأخذ أشكال تحالف قويّ في مجال التجارة والطاقة والاقتصاد، كما ظهرت في “مجموعتَيْ البريكس وشنغهاي”.
من هنا يصبح استمرار الحليف القوي فلاديمير بوتين في الكرملين هو مطلب استراتيجي صيني، ومن هنا أيضاً يصبح خروج بوتين من الكرملين وإسقاط نظامه ومجموعة المتنفّذين من رجال الأعمال والصناعة وتجارة السلاح ومنظمة فاغنر للأعمال العسكرية من أولويات النشاط الأميركي المضادّ الآن ومستقبلاً.
2– الصين تملك حالياً من أدوات القوّة المؤثّرة على المصالح الأميركية ما يعطيها “اليد العليا في هذا الصراع”.
3– إنّ الصين تدير هذه العلاقة بشكل تنافسي مصلحيّ يعود عليها بالنفع الشديد.
يوجد مثلاً 219 طالباً مبتعثاً صينياً في أهمّ الجامعات الأميركية مقابل وجود 209 أميركيين فقط في نظيراتها الصينية.
4– محور علاقات الصين مع خصوم وأعداء الولايات المتحدة “يدعو إلى القلق الشديد”.
تدعم الصين الصناعات العسكرية في كوريا الشمالية، ولا سيّما في مجال الصواريخ الباليستية.
تستورد الصين يومياً مليون برميل نفط إيراني في مخالفة صريحة للعقوبات الدولية.
على الرغم من العقوبات تتعاون الصين مع روسيا في مجال استيراد الغاز الروسي، وتعقد معها صفقات تجارية كبرى باليوان الصيني والروبل الروسي المقوّم بسعر البنك المركزي في موسكو.
تجرؤ الصين على إجراء مناورات بحريّة قرب السواحل التايوانية واختراق المجال الجوّي لتايوان.
أخيراً جاء تصنيف “بالون الأبحاث الصيني” على حدّ وصف بكين، (أي المنطاد الذي أسقطه الجيش الأميركي فوق الأجواء الأميركية)، ضمن أعمال التجسّس وانتهاك السيادة.
حكاية بوتين وفساد ابن بايدن
لكنّ قصة بوتين وبايدن الشخصيّة لها تاريخ طويل ومعقّد ومتشعّب.
تبدأ القصة بين بوتين وبايدن حينما فتح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2015 ملفّ ما سُمّي فساد “هنتر بايدن” ابن المرشّح الرئاسي جو بايدن، واستمرّ في إثارته لسنوات.
وجاء في الاتّهام أو الادّعاء التالي:
تقول القصّة إنّ المرشّح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن انخرط عبر ابنه “هنتر” في أنشطة فاسدة من خلال توظيف ابنه في شركة الغاز الأوكرانية المسمّاة “بورسيما”. واتُّهِم بايدن أنّه حينما كان نائباً للرئيس ضغط على أوكرانيا من أجل تجنّب التحقيق الحكومي في فساد منسوب إلى شركة “بورسيما”.
و”هنتر” هو الابن الوحيد لجو بايدن بعدما فقد ابنه المفضّل “بو” قبل سنوات.
و”هنتر” عضو في الحزب الديمقراطي، وأُعلن في 2022 خضوعه للتدقيق الضريبي لاتّهامه بالفساد أثناء عمله في شركة الغاز الأوكرانية.
يقول مصدر مقرّب من جو بايدن لموقع “بوليتيكو” الشهير إنّ “بايدن يؤمن بأنّه قد جيء بدونالد ترامب كي يقوم بتدمير إنجازات إدارتَي بيل كلينتون وباراك أوباما اللتين استمرّتا 16 عاماً، ولينسف القواعد التي أقرّتاها في الرعاية الاجتماعية والصحية ورفع الضرائب على الأغنياء وإضعاف الشركات الكبرى المتوحّشة، وأيضاً ليهدم الدور الأميركي في العالم وينسف الاتفاق النووي مع إيران الذي عمل عليه فريقا كلينتون وأوباما لسنوات”.
يُذكر أنّ فريق أوباما في هذه المفاوضات كان يضمّ أنتوني بلينكن (وزير الخارجية الحالي) وويليام بيرنز (مدير الاستخبارات الحالي) وويندي شرمان (وكيلة الخارجية الحالية) وجيك سوليفان (مستشار الأمن القومي الحالي).
كلّ هؤلاء يشعرون بأنّ ترامب بإلغائه للاتفاق قد دمّر عن عمد وبدم بارد جهد سنوات من المفاوضات التي اعتبروها من “أعظم إنجازاتهم”.
يعتبر هذا الفريق بأنّ المعلومات التي قدّمها جهاز الأمن القومي الأميركي عن الدور الفعّال للمخابرات الروسية في اختراق نظام المعلومات الإلكتروني للمرشّحة الديمقراطية المفضّلة وقتها هيلاري كلينتون تظهر تدخّلاً خطيراً وسافراً، وأنّه ما كان ليحدث لولا موافقة لا غنى عنها من فلاديمير بوتين.
إذاً في مفهوم بايدن الشخصي فإنّ بوتين هو الذي تعاون في تسريب معلومات خطرة ومشينة ضدّ ابنه “هنتر” للنيل منه في انتخابات الرئاسة، وهو الذي أمر باختراق نظام معلومات هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، وهو أيضاً الذي يمارس دور قيصر الكرملين معتمداً على أنّه يملك ثاني قوة عسكرية في العالم وأكبر احتياطي غاز و6,500 طن من مخزون الذهب وأكبر عدد من الرؤوس النووية.
بهذا المفهوم يواجه بايدن ثلاثية خطرة:
1- خطر العداء البوتيني الشخصي لأسرة بايدن.
2- خطر العداء البوتيني الفكري لمرشّحي الحزب الديمقراطي (هيلاري كلينتون ثمّ جو بايدن).
3- خطر طموح الدور الاستراتيجي الروسي المهدِّد للمكانة الأميركية والمتعاون بقوّة مع العملاق الصيني الصاعد.
حرب أوكرانيا بالنسبة إلى بوتين الآن هي مستقبل حكمه الشخصي قبل أن تكون مستقبل روسيا الاتحادية وأمنها القوي
خطورة بوتين على أميركا
إذاً بوتين خطر بشخصه وأفكاره ورجاله ونظام الأوليغارشية المحيطة به وبامتداداته في الداخل والخارج، ويصبح بوتين الشخص، لا روسيا النظام، هو الخطر الأوّل. وتصبح الأولوية عند إدارة بايدن هي إقصاء بوتين من أجل إضعاف الدور الروسي المتحالف مع الصين، وتصبح “روسيا المقيّدة” أميركياً هي روسيا بلا بوتين القريبة من أسلوب حكم أوكرانيا وبولندا وسلوفينيا.
بالنسبة إلى بوتين فإنّ الحرب في أوكرانيا كانت تعني هزيمة الإدارة الأميركية، وهو ما سيلحق الأذى بإدارة بايدن قبيل التجديد الثاني للرئاسة.
فوز بوتين يعني استمراره وإضعاف بايدن.
هزيمة بوتين تعني دعم بايدن وإدارته وزيادة إمكانية استمراره في الحكم.
حتى الآن لم يتحقّق هدف بايدن في كسر بوتين عسكرياً.
حتى الآن لم يحقّق بوتين هدفه في كسر الجيش الأوكراني المدعوم بمساعدات وأسلحة تجاوزت قيمتها 110 مليارات دولار.
لم تسقط “كييف” ولم يسقط قيصر الكرملين.
ولم يسقط الجيش الأوكراني ولم يسقط الجيش الروسي.
لكن كانت هناك أخطاء روسية أفصحت عنها هذه الحرب.
على عهدة التقويم الاستراتيجي لجريدة “نيويورك تايمز” الأميركية فإنّه يمكن اختصار أخطاء بوتين في هذه الحرب على النحو التالي:
1- ضعف تدريب القوات الروسية المشاركة.
2- سيطرة وشايات فريق بوتين المعادي للغرب المحذّرة من النوايا الغربية على قرار الرئيس الروسي.
3- التقدير الخاطئ للجيش الروسي حول كفاءة وتسلّح الجيش الأوكراني.
4- عدم اتّخاذ التدابير اللازمة لتجنّب تدخّل أنظمة الاتصالات المعادية.
5- القبول بالتضحية بمزيد من الجنود لتحقيق الفوز بالحرب.
أوكرانيا ومستقبل بوتين
حرب أوكرانيا بالنسبة إلى بوتين الآن هي مستقبل حكمه الشخصي قبل أن تكون مستقبل روسيا الاتحادية وأمنها القوي.
من الغباء السياسي تصوّر أنّ بوتين سوف يسقط غداً. لكن يمكن وضع عدّة افتراضات لمستقبله السياسي.
بالطبع هناك 3 احتمالات تنطبق عليه وعلى أيّ حاكم أو مسؤول في العالم، وهي: الوفاة الطبيعية، الموت في حادث عرضي أو الاغتيال المدبَّر.
لكن إن رحل بوتين شخصياً فستظلّ مفاصل نظامه موجودة لفترة طويلة.
ويتردّد أنّ الرجل أعدّ بنفسه عدّة سيناريوهات لخلافته بطريقة خروج آمنة:
الأول: تزكية بوتين لرئيس مجلس الأمن القومي “ماتروشيف” ليخلفه في الحكم.
الثاني: اختيار حاكم منطقة تولا “دومين”، السياسي المفضّل والمقرّب من بوتين.
الثالث: اختيار رئيس الوزراء الحالي “ميشوستين” رئيساً مؤقّتاً وفق الدستور الحالي.
الرابع: عودة سيناريو تبادل المناصب كما سبق ان فعل في السابق مع “مدفيديف”.
إقرأ أيضاً: معركة “بايدن” مع “بوتين”؟ (1)
الخامس: يحتمل فيه إجراء تغييرات مضادّة، مثل تشكيل قيادة ثلاثية أو حدوث انقلاب عسكري أو ثورة برتقالية تؤدّي إلى بروز شخصيات مثل رئيس بلديّة موسكو.
خلاصة القول أنّه إذا كان الهدف النهائي هو بوتين شخصيّاً فإنّه ورجاله ما زالوا حتى الآن أقوياء.
يا له من ثمن عظيم من التدمير الاقتصادي دفعه الضحايا الروس والأوكران وندفعه نحن من أجل ثأر من رجل واحد!
لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@