بعد مرور أكثر من 72 ساعة على اختتام الاجتماع الخماسيّ في باريس. خرجت وزارة الخارجية الفرنسية عن صمتها ليس ببيان، بل ردّاً على سؤال عبر الناطقة باسمها آن كلير ليجندر على قاعدة “وفسّرت الماء بعد الجهد بالماء”، مبرّرة دون إقناع عدم صدور بيان رسميّ عن الاجتماع قائلة: “كان اجتماع خبراء بطابع تقنيّ كالاجتماعات التي نعقدها مع شركائنا دائماً بشأن جميع المواضيع الدوليّة الرئيسية، ولم يكن مقرّراً اتخاذ قرار فيه، ولهذا لم يكن لدينا أيّ إعلان نصدره”، مضيفة: “موقفنا من لبنان معروف. وقد عبّرت وزيرة الخارجية كاترين كولونا بقولها إن على السياسيين اللبنانيين أن يتحمّلوا مسؤولياتهم فوراً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الشغور، بالاضافة إلى تشكيل حكومة فعاّلة تكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان في مواجهة الأزمة الخطيرة التي يمرّ بها. وفرنسا تقف إلى جانب الشعب اللبناني”.
بالمقابل، وسط كلّ ما رشح عن الاجتماع الخماسيّ في باريس من نتائج ومداولات، ما لا يمكن تأكيده أو نفيه بأيّ شكل من الأشكال، بخاصة مع تضارب الروايات التي تطغى عليها الرغبات والعواطف أكثر من الوقائع والحقائق، هناك ثلاث ثوابت صلبة دمغت الاجتماع لا يمكن لأحد نفيها أو تجاوزها:
1- عدم تحديد موعد جديد لاجتماع الدول الخمس، وترك تحديد الموعد الجديد لتطوّرات الأمور في لبنان وهو ما أكّدته الناطقة باسم الخارجية الفرنسية بالقول: “إذا كانت هناك اجتماعات أخرى فسيتم الاعلان عنها في الوقت المناسب”. أو كما نقلت مصادر أنه في أحسن الأحوال “تمنّي” عقد اجتماع لوزراء الخارجية في أيار المقبل!!!
2- عدم صدور البيان الختامي عن اللقاء.
3- تأخّر المبعوث السعودي المستشار نزار العلولا عن الحضور إلى باريس لساعات.
قصّة البيان المشترك المُغيّب
أشار مصدر دبلوماسي في بيروت لـ”أساس” إلى أنّ البيان المشترك بعد اختتام الاجتماع لم يصدر لسببين:
أ- تأخّر الوفد السعودي عن الموافقة على الصيغة المقترحة للبيان حتى صباح يوم الثلاثاء، وعند إبلاغ الجانب السعودي موافقته على البيان تبيّن أنّ الوفد الفرنسي لم يُطلع وزارة الخارجية الفرنسية على مسوّدة البيان معلّلاً ذلك بأنّه ينتظر الردّ السعودي قبل إرسال المسوّدة.
ب- عندما أبلغ السعوديون ردّهم كانت وزيرة الخارجية الفرنسية في زيارة خارج البلاد، فلزم عن هذا الأمر أن تنتظر الملاحظات الفرنسية على البيان عودة الوزيرة إلى باريس.
أضاف المصدر الدبلوماسي أنّ مسوّدة البيان الختامي تتضمّن بنود البيان الثلاثي الذي صدر عن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا إثر اللقاء الذي عقدوه في نيويورك على هامش الجمعية العامّة للأمم المتحدة في أيلول 2022، والذي يقدّم المواصفات المطلوبة لرئيس الجمهورية المقبل من دون الدخول بالأسماء، ومواصفات رئيس الحكومة والحكومة التي ستُشكّل بعد انتخاب رئيس للجمهورية.
لفتت مصادر خاصة بـ”أساس” إلى أنّ تبايناً سعوديّاً فرنسيّاً في مقاربة الأزمة اللبنانية سبق الاجتماع الخماسي، وظهر جليّاً خلال المداولات التي حصلت يوم الإثنين الفائت
هل من أزمة سعوديّة – فرنسيّة؟
لفتت مصادر خاصة بـ”أساس” إلى أنّ تبايناً سعوديّاً فرنسيّاً في مقاربة الأزمة اللبنانية سبق الاجتماع الخماسي، وظهر جليّاً خلال المداولات التي حصلت يوم الإثنين الفائت وبدا فيها أنّ فرنسا تسعى إلى إعادة تدوير البيان الثلاثي عبر ثلاث مراحل:
– المرحلة الأولى: تمييع البنود الواردة في البيان الثلاثي بحجّة هول ما يحصل في لبنان ومخاطر ذلك على الاستقرار.
– المرحلة الثانية: قلب ورقة البيان الثلاثي واعتمادها من الأسفل إلى الأعلى، فيكون قد تمّ الحفاظ على ما ورد فيها بالشكل، لكن بالمضمون تكون الخلاصة أكْلَ العنب وترك الناطور لمصيره.
– المرحلة الثالثة: اعتماد تجربة قوات الردع العربية سياسياً في لبنان، بحيث تكون فرنسا عرّابة التسوية بغطاء ومشاركة غربيَّين وعربيَّين شاملين، ثمّ رويداً رويداً عبر الممارسات الموتورة تستفرد فرنسا بالهيمنة والسيطرة على مفاصل القرار في لبنان. تتمثّل بداية هذا المسار في دور شركة “توتال” في التنقيب والبحث عن النفط وضبط ملفّ ترسيم الحدود البحرية مع المحتلّ الإسرائيلي.
وتابع المصدر أنّ المقاربة الفرنسية جوبهت بردّ سعوديّ حاسم عبر ثلاث لاءات:
1- لا قراءة للبيان الثلاثي “بالمقلوب”، بل تكون البداية عبر قرار اللبنانيين ومدى جدّيّتهم في بناء الثقة مع العالمين العربي والغربي.
2- لا دعم ماليّاً تحت أيّ عنوان قبل الإصلاح ومحاربة الفساد واستعادة الدولة لدورها على الحدود وإخراج المخدّرات من أنواع الصادرات اللبنانية إلى الخارج.
3- لا للدخول في لعبة الأسماء إن في الانتخابات الرئاسية أو في تسمية رئيس للحكومة أو في تشكيل حكومة بعد الانتخاب. التسوية على الأفعال لا على الأسماء.
إقرأ أيضاً: “اجتماع باريس”: مظلّة الورقة السعوديّة لحماية لبنان
انتهى اجتماع باريس الخماسيّ إلى ما يشبه الاتفاق على ربط النزاع ما بين المقاربة السعودية التي تحظى بدعم أميركي، والمقاربة الفرنسية التي تحظى “برضى” مصري.
بالمقابل، تنفي مصادر لبنانية هذا التباين مع محاولة منها لترويج أنّ الوزير العلولا وضع فيتو على اسم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وأكّد عدم اعتراضه على أيّ اسم آخر شرط أن يكون مرشّحاً توافقياً سيادياً. لكنّ مصادر عربية نفت ذلك مؤكّدة أنّ المملكة العربية السعودية لن تدخل في لعبة الأسماء المرشّحة لرئاسة الجمهورية، وأنّ وضع فيتو على أيّ اسم يشكّل انتهاكاً لهذه القاعدة، وهو ما لم يحصل.
لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@