خلال فترة توليه منصب سفير الولايات المتحدة في روسيا ، كان جون سوليفان في طليعة من أدروا باكراً أنّ روسيا قررت خوض الحرب في أوكرانيا، وتداعيات هذا القرار الدبلوماسية. كان رأيه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطط طويلاً لهذه الحرب وأنه، باعتباره يحمل شهادة في القانون، أعدّ كل المبررات القانونية لكل ما سيفعله، سواء كان ذلك تجاوزاً لتفويض الدستور الروسي، أو إذا قرّر اعتقال من يعارضه، أو لجهة أنّه سيغزو دولة أخرى. وقد استبعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن المشاركة في تحضير في هذه الخطط، رغم اهميته بالنسبة لبوتين، وورّط معه الأجهزة الأمنية، وخاصة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وليس فقط المخابرات العسكرية.
كان يعتبر ان الحكومة الأميركية تسيء تشخيص القادة الأجانب ولها تاريخ قديم في ذلك. على سبيل المثال لم يصدّق أنّ بوتين يعاني مشاكل صحية خطيرة، كما أشي. واستعاد قول رئيس وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز أن “مشكلة بوتين الصحية هي أنه يتمتع بصحة جيدة”.
خلال فترة توليه منصب سفير الولايات المتحدة في روسيا ، كان جون سوليفان في طليعة من أدروا باكراً أنّ روسيا قررت خوض الحرب في أوكرانيا، وتداعيات هذا القرار الدبلوماسية
سوليفان ينظّف الحمامات في السفارة
شارك سوليفان خلال المرحلة التي سبقت هذه الحرب، في جهود الولايات المتحدة الدبلوماسية لمحاولة ثني بوتين عن طموحاته الحربية. وحاول إدارة العلاقات مع موسكو خلال أصعب الفترات في العلاقات الأميركية الروسية منذ نهاية الحرب الباردة والتي تخللتها عدة جولات من عمليات الطرد الدبلوماسي المتبادل. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، تقلص حجم موظفي السفارة الأميركية من 1200 إلى 150 فقط. مع تخفيض عدد الموظفين، اضطر سوليفان لأن يعد نفسه لتنظيف الحمامات والأرضيات في سفارة بلاده في موسكو.
قبل إرساله إلى موسكو كسفير في أوائل عام 2020، شغل سوليفان منصب نائب وزير الخارجية في السنوات الأولى من إدارة الرئيس دونالد ترامب، وكان أحد الشخصيات السياسية القليلة من عهد ترامب الذين أبقاهم الرئيس الجديد جو بايدن بعد استلامه الرئاسة. لكن وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من هذا المنصب، تقاعد سوليفان من الخدمة العامة في ايلول الماضي بعد وفاة زوجته، وعاد مؤخراً للعمل في مكتب المحاماة “ماير براون”.
تحدث سوليفان، الذي غادر موسكو العام الماضي، في مقابلة مع مجلة “فورين بوليسي”، عن اللحظات التي أدرك خلالها أنّ روسيا قررت شن حرب واسعة النطاق ضد اوكرانيا وعن جهود إدارة بايدن لإعادة موسكو إلى رشدها في الأشهر التي سبقت الغزو، وعن محادثاته مع المسؤولين الروس بشأن الشائعات حول صحة بوتين ولماذا تمسك المسؤولون الروس بالبروتوكول وليس الأخلاق.
فهم شخصية بوتين
ادرك سوليفان ان روسيا ستشن حرباً واسعة النطاق ضد اوكرانيا منذ أن حشدت قواتها العسكرية على الحدود معها ونقلت قواتها الى بيلاروسيا، الامر الذي لم يحدث من قبل حتى في التدريبات السابقة. وشبه الوضع بما حدث في الاول من ايلول 1939 (عندما اجتاحت ألمانيا بولندا، ومن ثم بدأت الحرب العالمية الثانية في أوروبا). وكان رأيه ان هذا النوع من الغزو سيكون على نطاق واسع وشديد التدمير. وذكر انه عندما سلمه نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف مسودتي المعاهدتين بشأن الضمانات الأمنية، ادرك أن الروس يتظاهرون.
كان ذلك بمثابة مسرحية، تلك الدبلوماسية التي انخرطوا فيها، قال سوليفان لمراسلي “فورين بوليسي” المختصين بمتابعة قضايا الأمن القومي والاستخبارات: إيمي ماكينون وروبي غرامر: “لم يكن لدي اي شك أن هذا الغزو سيحدث. كان كل هذا مخططا له. لأن بوتين حاصل على شهادة في القانون – أشعر بالحرج لأن أقول ذلك كمحامي – كان يريد أن يكون لديه سند قانوني لكل خطوة يقوم بها، سواء تجاوز تفويض الدستور الروسي، أو اعتقل معارضيه، أو غزا دولة أخرى. كان يمهد الطريق ليقول: انظروا. لقد تعرضنا للتهديد. هذا دفاع عن النفس. اخبرناهم أننا تعرضنا للتهديد. كنا نعرف ما سيفعلونه بنا. لقد استبقناهم بخطوة. وإلا كانوا سيهاجموننا ويقضون علينا”.
بالنسبة إلى سوليفان “كل هذا خططت له موسكو لتدفاع عن نفسها في الأمم المتحدة، حيث تم ادانتها حيث صوّتت الدول الأعضاء على قرار يدين الهجوم ويطالب موسكو بسحب قواتها العسكرية باغلبية 141 صوتاً مقابل أربعة (رفع تصويت روسيا ضد القرار العدد الإجمالي إلى خمسة)، مع امتناع عدد من الأعضاء عن التصويت.
ردا على التقارير التي ادّعت أن بوتين فقد إحساسه بالواقع أو أنه مصاب بمرض عضال، أجاب سوليفان: “لم أرَ بوتين في عام 2022، شخصيًا، عن قرب
أين تم التخطيط لقرار الذهاب إلى الحرب؟ وهل كانت وزارة الخارجية الروسية بالفعل بعيدة عن الامر حتى الأيام الأخيرة؟
لم يرد السفير سوليفان التقليل من شأن دور لافروف. فهو “مهم بالنسبة لبوتين، ولهذا السبب يحتفظ به كوزير للخارجية ويعرف مدى فعاليته وذكائه وخبرته. لكن قد لا يستشيره بشأن دور جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في إعداد ساحة المعركة في أوكرانيا أو دور الجيش في كيفية تنفيذ هذا الغزو المتعدد الاتجاهات، لكنه يجب ان يعرف مسبقاً وعلى الأقل في وقت متقدم، لأنه سيضطر إلى التحدث علنا منذ اليوم الأول وسيضطر لتبرير الغزو”.
ويتابع حديثه: “لا أعتقد أنه متورط – أو أنه شارك في التخطيط – هذا رأيي الشخصي. وتخميني أن الدائرة صغيرة نسبياً. أعتقد أن الشيء الوحيد الذي نغفل عنه في التركيز على الجيش الروسي، لأن هذه حرب وحملة عسكرية، هو دور الأجهزة الأمنية، وليس فقط المخابرات العسكرية، بل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ايضاً ودوره في التخطيط للحرب وفشله في أوكرانيا.
بوتين لا يشكو من مرض
وردا على التقارير التي ادّعت أن بوتين فقد إحساسه بالواقع أو أنه مصاب بمرض عضال، أجاب سوليفان: “لم أرَ بوتين في عام 2022، شخصيًا، عن قرب. رأيته عدة مرات في عام 2021. في كل مرة رأيته، وبالنسبة لشخص سيبلغ من العمر 70 عامًا قريبًا، كان يبدو رائعًا. كانت عيناه صافيتان، بالمقارنة مع الأشخاص الذين كانوا معه. لكن ما لاحظته هو أنه في عام 2022، انتفخ وجهه، وتغير مظهره قليلاً. لكن انا ايضا تغير مظهري بسبب التوتر في موسكو. لذلك أعتقد أنه كان تحت ضغط كبير وهذا ليس بمستغرب. وليس لدي سبب للاعتقاد أن هناك مشكلة صحية خطيرة تضعه على باب الموت. أعتقد أن ما قاله بيل بيرنز يختصر الحقيقة: المشكلة مع صحة بوتين هي أنه يتمتع بصحة جيدة”.
في رأي سوليفان أنّ الحكومة الأميركية لديها تاريخ طويل من سوء تشخيص القادة الأجانب. فقد شاركت في إدارة بوش في آب 2006، عندما اعتقدت دوائر الاستخبارات أن فيدل كاسترو (الزعيم الكوبي السابق) أمامه ثلاثة أشهر فقط ليعيشها. حدث خطأ مماثل مع آية الله الخميني في إيران. لكن لا، ليس لدي سبب للاعتقاد بأنه أي شيء آخر غير رجل روسي يبلغ من العمر 70 عامًا يتمتع برعاية صحية عالمية المستوى ولكنه تحت ضغط عالمي المستوى في الوقت الحالي”.
إقرأ أيضاً: هوف ودروس لبنان… لو قرأت إسرائيل تقريري ما كان حزب الله! (2)
وختم سوليفان حديثه كاشفاً عن الوضع السيء لسفارة اميركا في موسكو خلال فترة ولايته وعمله مع فريق اميركي صغير بدون موظفين محليين: “كانت ضربة كبيرة لنا في نيسان 2021 عندما وقع بوتين على أمر يحظر توظيف ليس فقط الروس، بل أيضاً أي من رعايا دول أخرى في روسيا، فاضطررنا إلى تسريح أكثر من 180 من موظفينا، كثير منهم عملوا معنا لعقود. وكان علينا إنشاء نموذجنا الخاص لكيفية إدارة سفارة مع الأميركيين فقط. عندها بدأنا في التحضير لما يسمى بالخدمة متعددة الأغراض. تم تكليفنا جميعاً بمسؤولية أخرى على الأقل… سواء كان ذلك إصلاح المصعد أو الغسيل أو تنظيف الأرضيات وما إلى ذلك. اعتقدت، كقائد، أنه يجب علي اختيار الجزء الأكثر صعوبة وقسوة، لذلك كنت جزءاً من مجموعة تم تشكيلها لتنظيف الحمامات والأرضيات. اتضح خلال جائحة كورونا أنّ تجنّب دخول المواطنين الروس الذين عملوا لدينا، كان تدريباً على ما حدث لاحقاً، عندما جعل بوتين استخدامهم غير قانوني”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا