سيطر عليّ الضحك المجلجل عندما سمعتُ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية يعلن أنّه لا يمانع ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، ويسأل: “لكنْ ما هو برنامجه؟”.
كأنّ سليمان بك لديه برنامجٌ مفصَّلٌ ومعلن، والمواطنون جميعاً يعرفونه. حتى إنّنا لا نعرف أنّه مرشّح أو ينوي الترشّح، وما عرفنا ذلك إلّا بعد لقائه البطريرك بشارة الراعي، بعدما تأخّر في إعلان نيّته ستّة أشهرٍ على الأقلّ.
لكنّ سليمان بك لا ينفرد بعدم الاستعجال. فهو يتساوى في ذلك مع سائر الجهات السياسية، وبخاصّة المسيحية. بيد أنّ هؤلاء “المستعجلين” والمهوِّلين، وفي طليعتهم غبطة البطريرك، ليسوا مستعدّين للاجتماع والاتّفاق على مرشّح أو مرشّحين. وحتّى القلّة من النواب الذين اعتصموا بالبرلمان من أجل انتخاب رئيس، فهم غير متّفقين على شخصٍ يرشّحونه! فالكلّ مستعجلون، ومن بينهم جبران باسيل. أمّا في الحقيقة فإنّ استعجالهم المزعوم لا يدفعهم إلى الالتقاء ومحاولة الاتّفاق، لذلك يتساوون في عدم الاستعجال، بسبب التناقض بين أقوالهم وأفعالهم.
كأنّ سليمان بك لديه برنامجٌ مفصَّلٌ ومعلن، والمواطنون جميعاً يعرفونه، فيما العكس هو الصحيح. حتى إنّنا لا نعرف أنّه مرشّح أو ينوي الترشّح
يحتار كلٌّ منّا بماذا ينصح الدكتور سمير جعجع. فهو وحلفاؤه رشّحوا ميشال معوّض، ويسعون إلى إقناع آخرين من المسيحيين والسُّنّة بأن ينضمّوا إليهم. لكنّ المدعوّين من التغييريّين المزعومين فئتان: فئة لن تؤيّد، نكايةً بالدكتور سمير جعجع، وفئة تملك مطامع ومطامح وتبحث عمّن يساومها فلا تجد غير الأميركيين والفرنسيين الذين يقول سفيراهم لأصدقائهم التغييريين، مرّةً أن يندفعوا باتّجاه المرشّح ميشال معوّض، ومرّةً أخرى أن يندفعوا باتّجاه قائد الجيش.
لا أحد مستعجل
رئيس حكومة تصريف الأعمال قال إنّه يؤيّد سليمان بك، لكنّه ليس نائباً، ولا يمون على كثيرين من النواب. والواقع أنّ هذه ليست مهمّته بل هي مهمّة مجلس النواب ورئيسه، لكنّ الرئيس نجيب ميقاتي ليس مستعجلاً، حتّى في القيام بمهمّاته الضروريّة: إيقاف تسارع الدولار في الارتفاع، والتصدّي للملفّات المستعجلة مثل الكهرباء والتربية والتعليم، وحتى الاهتمام بملفّ التنقيب عن الغاز والبترول، باستثناء الاتفاق مع قطر الذي جرى توقيعه بضغوطٍ من قطر نفسها. هي التي تساوم الحزب وباسيلاً ولا أحد غيرهما>
أين يا دولة الرئيس صارت الإصلاحات التي يتدخّل بعدها أو خلالها صندوق النقد الدولي للمساعدة؟! ما دمت قادراً على جمع أكثرية مجلس الوزراء من أجل ذلك فلماذا لا تقوم به؟ بدلاً من المهاترات بينك وبين باسيل العظيم.
ورئيس مجلس النواب أيضاً لم يعد مستعجلاً. كان يعقد جلسة كلّ يوم خميس، ثمّ توقّف انزعاجاً من نائبين أو ثلاثة اعتصموا بمجلس النواب، وهو يعرف أنّهم منافقون، وبخاصّة كبيرهم الذي هو من أنصار دولة رئيس المجلس. كان الأستاذنبيه برّي يقول علناً: “تعالوا للحوار والتوافق، وإلّا فلا فائدة من دوريّات اجتماعات المجلس”. فهل صحيح أنّه تعب أو يئس أو انزعج؟! على كلٍّ ما عاد الرجل متحمّساً ولا مستعجلاً للقيام بالدعوة العبثية إلى الاجتماع.
لا أحد ممّن ذكرناهم مستعجل في الحقيقة. وفي الوقت نفسه يقول هؤلاء إنّ الأزمة تستفحل ولا ينفع فيها المثل العربي: ومُدْمِن القرع للأبواب أن يلجا أو يُفتح له الباب.
أمّا الوحيد الذي هو غير مستعجل سرّاً وعلانية فهو زعيم الحزب. وقد نصحنا من قبل بالحلّ الجذري: الاقتصاد المنتج، والعناية بالزراعة، والاتّجاه شرقاً. وهو ينصحنا الآن بانتخاب سليمان بك، وإن لم نقبل فلا مانع لديه من الاتفاق مع برّي على عدم دعوة المجلس إلى الاجتماع انتقاماً لعدم طاعته. ولدينا سلوكه في المرّتين السابقتين: بعد نهاية ولاية الرئيس إميل لحّود أقفلوا مجلس النواب واحتلّوا بيروت، وبعد نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان حالوا عمليّاً لسنتين ونيّف دون اجتماع المجلس حتى حصل “الإجماع” على مرشّحهم الجنرال عون!
شتهرت إيران في العالم بمسيّراتها، فحتى روسيا احتاجت إليها. والآن يتبيّن أنّ إسرائيل تستطيع القيام بالشيء نفسه، أي الهجوم بالمسيّرات
فهل نتّجه من جديد إلى هذا المسار المُهلك؟ وهو مُهلكٌ لأنّه لا يعني فصل أزمة انتخاب الرئيس عن أوضاع البلاد، والسير باتّجاه حلولٍ للأوضاع بغضّ النظر عن الرئاسة، بل الإرغام على المزيد من التأزّم القاتل حتى نسلّم بفرنجية كما سلّمنا من قبل بعون.
نكتة المتفائلين.. وصراع الدول
المتفائلون وهم قلّة يزعمون أنّ الحلّ هذه المرّة هو خليطٌ إيراني – أميركي – فرنسي. بحسب هذا التخمين يكون الرئيس بنصيحةٍ أميركية، فيتدخّل الأميركيون بعدها للمساعدة على عدّة صُعُد، ويظلُّ الحزب على سيطرته دونما خوفٍ أن ينقلب عليه الرئيس العديم الحيلة. وهذه فكرةٌ أو نكتةٌ تتجاهل الوضع الدولي والتوتّر المتزايد بين أميركا وإيران، بل وبين أوروبا وإيران. فالحلُّ المخلوط هذا يفترض إمكان عقد الصفقات بين إيران والدوليّين، وهذا غير ممكن الآن. والغرب الأطلسي الآن عنده سخطٌ على السياسات الإيرانية بالداخل، وعلى التحالف الإيراني مع روسيا والصين، وحتى إنّه اكتشف فجأةً (أو بعد تمهّل!) أنّ النظام السوري حليف إيران استخدم السلاح الكيمياوي ضدّ مدينة دوما المتهدّمة عام 2018!
إيران تتّخذ من لبنان، وضمناً رئاسته، رهينة. وتبيع بالتقسيط لمن تعتبره مفيداً وبسعرٍ باهظٍ، فيما العلاقات الدولية المتردّية الآن لا تسمح بشيء من ذلك. وبعد فترةٍ قصيرةٍ أو حتى الآن يعتبر الحزب ترشيح قائد الجيش تحدّياً له. ولذلك لا أمل لهذا الأخير في عام 2023 على الأقلّ. وإذا نظرنا باتجاه الجنوب، وباتجاه القصف الذي حصل على مصنع عسكري بأصفهان يوم الأحد، نجد أنّ الحزب قد لا يكتفي بعدم الاستعجال بل وقد يجد من واجبه “الجهادي” أن يثير حرباً، أو أن يهاجم بالمسيّرات كما هوجم المصنع بأصفهان، وذلك ما هدّد به الحرس الثوري.
لقد اشتهرت إيران في العالم بمسيّراتها، فحتى روسيا احتاجت إليها. والآن يتبيّن أنّ إسرائيل تستطيع القيام بالشيء نفسه، أي الهجوم بالمسيّرات.
إقرأ أيضاً: المشروع اللبنانيّ الفاشل ومشروع الحزب الضائع!
وهكذا إذا كان الجميع غير مستعجل بسبب الانقسام المسيحي والاسترهان الإيراني، فإنّ الحزب سيكون شديد الإصرار على مرشّحه من جهة، وشديد التأهّب لمساعدة إيران من جهة أخرى. يهاجم الإسرائيليون إيران في سورية وفي إيران، ويهدّدون بمهاجمة الطائرات الإيرانية في مطار بيروت، أفتريد من الحزب أن لا يكون متأهّباً؟! وعلى هذا فليست الصفقة هي البعيدة فقط، بل والرئاسة أيضاً.