يلحظ بوضوح المراقب لخطاب مسؤولي حزب الله ومن يلتقيهم في لقاءات خاصة أنّ الحزب يعتمد هذه الأيام سياسة واقعيّة جدّاً تجاه التطوّرات الداخلية، ويحرص على دعم الاستقرار الداخلي والاهتمام بشؤون الناس، ويرفض الانجرار إلى السجالات الداخلية أو الردّ على بعض الأصوات الداعية إلى مواجهة الحزب والتصدّي له.
لقد حرص الحزب على دعم انعقاد جلسات مجلس الوزراء لاتخاذ قرارات تهمّ الناس على الرغم من أنّ ذلك أدّى إلى خلاف جذري مع حليفه التيار الوطني الحر. وفي المعركة الرئاسية يطرح الحزب شروطاً واقعية لانتخاب الرئيس المقبل، ويبدي الاستعداد للحوار والنقاش في كلّ الخيارات، ولا يلتزم بمرشّح نهائي وحاسم.
من جهة أخرى، يرفض المسؤولون في الحزب كلّ الدعوات إلى تغيير النظام السياسي الحالي، ويؤكّدون الالتزام باتفاق الطائف طريقاً للإصلاح، والاستعداد للحوار في كلّ الملفّات بما فيها الاستراتيجية الدفاعية. وفي الشأن الخارجي كان لافتاً في خطابات الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الأخيرة غياب الهجومات القاسية على الدول العربية التي هو على خلاف معها، وبروز الدعم الواضح للتسوية في اليمن وأيّ حوار عربي – إيراني.
يرفض المسؤولون في الحزب كلّ الدعوات إلى تغيير النظام السياسي الحالي، ويؤكّدون الالتزام باتفاق الطائف طريقاً للإصلاح، والاستعداد للحوار في كلّ الملفّات بما فيها الاستراتيجية الدفاعية
أسباب “واقعية” الحزب
فما هي الأسباب التي تقف وراء واقعية الحزب وتواضعه في هذه المرحلة؟ وهل يستمرّ ذلك إلى فترة طويلة؟
يشير المطّلعون على أجواء الحزب الداخلية إلى عدّة أسباب وراء هذه الواقعية والتواضع في خطاب الحزب وأدائه اليوم، ومنها:
أوّلاً: حجم التحدّيات الداخلية التي يواجهها الحزب في لبنان، وحرص المسؤولين فيه على إيلاء القضايا الداخلية والمعيشية والاقتصادية الأولويّة، والاستعداد للتعاون في هذا المجال، لأنّ الحزب لا يستطيع معالجة هذه التحدّيات لوحده مهما بلغت قوّته وقدراته.
ثانياً: قناعة المسؤولين في الحزب بأنّ الانقسام الداخلي اليوم وتوازن القوى يفرضان على الجميع التواضع والواقعية، لأنّه لا خيار أمام الجميع سوى الحوار والتعاون للوصول إلى تسوية داخلية ترضي الجميع.
ثالثاً: على الرغم من استمرار الأزمات في المنطقة والمخاوف من تصعيد إسرائيلي، تتّجه العلاقات بين الدول العربية والإسلامية نحو الحوار والتسويات، وهذا ما يجري بين سوريا وتركيا وبعض الدول العربية، وبين إيران والدول العربية، إضافة إلى استمرار الهدنة في اليمن واحتمال الوصول إلى تسوية هناك، واستقرار الوضع في العراق. يجعل كلّ ذلك أولويّة الحزب التركيز على الوضع اللبناني من دون التخلّي عن دوره الإقليمي.
رابعاً: قناعة المسؤولين في الحزب أنّه مهما بلغ التصعيد في لبنان فلا خيار إلا التسويات التي ستأتي عاجلاً أو آجلاً، سواء بترتيب داخلي أو خارجي، وأنّ لبنان محكوم بنظرية “لا غالب ولا مغلوب”.
خامساً: بعد نقاشات مطوّلة داخل مؤسّسات الحزب تبيّن أن لا مجال للتغيير إلا من داخل المؤسّسات، وأنّ اتفاق الطائف هو الطريق الأفضل إلى ذلك. ومن هنا التمسّك به ورفض كلّ الدعوات إلى تغيير النظام أو الانقلاب عليه.
في ضوء هذه الأجواء يؤكّد المسؤولون في الحزب استعدادهم للحوار والنقاش في كلّ القضايا والوصول إلى تسوية رئاسية تسمح بوصول رئيس قادر على إنقاذ لبنان والدفاع عنه في وجه الضغوط. وهم يؤكّدون استعداد الحزب للصمود والصبر مهما بلغت الضغوط الخارجية والداخلية، وسيظلّون يمدّون الأيدي إلى حين الوصول إلى تسوية داخلية أو توافق خارجي على حلّ الأزمة اللبنانية.
إقرأ أيضاً: الحزب يتموضع: استراتيجية دفاعية وتطبيق الطائف
لكن إلى متى سيبقى هذا الهدوء والتواضع في خطاب الحزب وأدائه؟
من يعرف أسلوب عمل الحزب واستراتيجيّاته يدرك أنّ ذلك لا يمكن أن يستمرّ لفترة طويلة، وأنّ الحزب سيكون قادراً على مواجهة أيّة تغييرات قد لا تكون لصالحه. وفي حال عدم التجاوب مع دعوات الحوار والتسوية فهو قادر على الصمود والمواجهة، وسيبقى ينتظر اللحظة المناسبة لاعتماد سياسات جديدة تنقذ البلد من أزماته ولن يبقى مكتوف اليدين.
لمتابعة الكاتب على تويتر: kassirKassem@