منطق ساسة لبنان: How can I fuck your projects

مدة القراءة 5 د

يخطئ ساسة لبنان حينما يسألون لماذا يبتعد عنّا حكّام الخليج أو حينما يظنّون أنّ لدى هؤلاء التزاماً تاريخياً تجاه لبنان وساسته وعائلاته التقليدية.

حكّام الخليج جيل مختلف، فمصالحهم الأولى هي تجاه شعوبهم، ولا يقدِمون على أيّ قرار مالي أو سياسي أو أمنيّ من دون أن تكون لديهم إجابة واضحة صريحة مسبقة عن هذين السؤالين: إذا فعلت كذا فما هي مصلحتي؟ وإذا دفعت كذا فما هو العائد؟

لم يعد لبنان يحتوي الفلسطينيين، ولم يعد الوجود السوري مهمّاً، ولم تعد سوريا الكبرى محطة تأثير، ولم تعد ولاءات حكّام لبنان تتّجه نحو عواصم الخليج، لكن تجاه طهران وقُم ودمشق.

لم يعد يهتمّ العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، بالشرق الأوسط ولا البحر المتوسط ولا نفط الخليج، إذ نقل مركز اهتمامه الاستراتيجي إلى جنوب بحر الصين والمحيط الهادئ، وبات مركز الطاقة لديه في تكساس وإقليم “فالديز”. لم يعد لبنان ولا الخليج ولا المنطقة ولا العالم الآن كما كانوا سابقاً.

أصبحت معركة ساسة لبنان مع أنفسهم حالة ميئوس منها لدرجة أنّ باريس وواشنطن والرياض والدوحة فقدت الاهتمام بإيجاد صيغة توافقية تصالحية

على الرغم من ذلك يعيش ساسة لبنان ذلك الوهم الافتراضي عن أنّ الرئيس الأميركي يجلس كلّ يوم، عقب تناول الإفطار، في غرفة الاجتماعات في المكتب البيضاوي، كي يعرف آخر مستجدّات الشوف والضاحية والمتن وآخر أخبار مشاورات تعيين رئيس وصعوبات عقد جلسة مجلس وزراء لحكومة تصريف الأعمال!

إنّه خلل عظيم في الإدراك يعكس قراءة مشوّهة لحقائق وتحرّكات العصر.

ضاقت المسألة جدّاً ولم يعد للّاعب اللبناني المحلّي أيّ دور مع احترامنا للحكيم ولسماحة السيد وللبيك وللصهر والجنرال.    

كلّ هؤلاء تتضاءل قدرتهم على صناعة قرار سيادي أو التفاهم على تسمية رئيس جمهورية أو تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط ما دام كلّ من الإيراني والسعودي والفرنسي والأميركي لم يضغطوا على أنفسهم ويضعوا لبنان في جدول أعمالهم المزدحم جدّاً ويتّفقوا على الملفّ اللبناني.

لبنان الحالي لا يترنّح سياسياً فحسب، إذ لا تتوقّف الآثار السلبية على أنّه بلا رئيس وبلا حكومة مستقرّة، بل تتعدّى ذلك إلى أنّه بلا كهرباء وبلا اتفاق مع الدائنين في الخارج، وبلا اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبلا أجندة واضحة لاجتماع المهتمّين به في باريس.

لبنان الحالي وصلت فيه الهجرة في 30 شهراً إلى 400 ألف مهاجر.

لبنان الحالي انخفض فيه معدّل الزواج بنسبة 12 في المئة، وزاد فيه معدّل الطلاق بنسبة 18 في المئة.

لبنان الحالي تضاعف فيه الطلب على المهدّئات وأدوية النوم، وزادت فيه حالات الشكوى النفسية وحالات الانهيار العصبي.

لبنان الحالي أصبح بحاجة إلى لجنة تحقيقات أوروبية من ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ من أجل التدقيق المالي في اتّهامات بالفساد وتحويل أموال مشبوهة في ظلّ قرار إيقاف التحويلات.

لبنان الحالي يتّهم حاكم مصرف لبنان بقسوة وشركة ليبان بوست التي هي جزء من استثمارات رئيس الحكومة.

لبنان الحالي خاض أكثر من 12 جلسة فاشلة لاختيار رئيس جمهورية، ويدخل معركة حياة أو موت لعقد جلسة للحكومة لبحث ملفّ الكهرباء.

يتوقّف مصير ومستقبل لبنان الحالي على مستقبل العلاقة المتنامية بين روسيا وإيران التي تدعمها بسلاح المسيّرات، والعلاقة المقابلة لها التي تجمع أوكرانيا وإسرائيل التي تدعمها بخبراء القتال الإسرائيليين.

يستيقظ ساسة لبنان كلّ صباح كي يطمئنّوا إلى 3 أمور:

1- أخبار تحصيل أيّ عمولات أو سمسرة جديدة.

2- نجاح أيّ من “صبيانهم” الأذكياء في تهريب دولارات إلى حسابات آمنة في الخارج يصعب أن تكشفها هيئات متابعة الفساد.

3- خططهم اليومية في تلويث وإرهاق الخصوم السياسيين وإنجاح مشروعات تؤدّي إلى إفشال أيّ جهود لاختيار رئيس لا يحظى برضائهم.

آخر هموم قادة الخليج الآن هو الرصيد الشخصي السرّي لزعماء الطوائف في لبنان.

آخر هموم قادة الخليج الآن إعلان لبنان إفلاسه أو توقّفه عن سداد ديونه الخارجية.

قادة الخليج الآن التزامهم الأوّل هو تحقيق “جودة الحياة” لمواطنيهم ودعم مشروعات الإعمار والتنمية والالتزام بجداول إنجاز خطط 2030 و2040، والحفاظ على ارتفاع مداخيل وعوائد صناديقهم السيادية والاستثمارية.

الحكمة البليغة التي يجب أن يتعلّمها ساسة لبنان الآن أنّه لن يتقدّم أحد كي ينقذك من نفسك كما حدث في الطائف لإنهاء الحرب الأهلية، ولن يقدّم أحد يد المساعدة لك إلا إذا شعر أنّك تسعى إلى مساعدة نفسك بنفسك من خلال تصحيح نفسك والعودة إلى ولائك الوطني ومحيطك العربي.

أصبحت معركة ساسة لبنان مع أنفسهم حالة ميئوس منها لدرجة أنّ باريس وواشنطن والرياض والدوحة فقدت الاهتمام بإيجاد صيغة توافقية تصالحية.

إقرأ أيضاً: هل فَقَد أصدقاء لبنان الاهتمام به؟

بالعربي الصريح الواضح لا أحد معه حقائب أموال فائضة لدفع ثمن مصالحة لبنانية، وذلك لسببين:

– الأوّل: المال إذا توافر فالأولويّة للمواطنين وليس للّبنانيين.

– الثاني: لا أحد في الخليج يريد أن يموّل مشروعاً لحساب قرار يُصنع في طهران ويخدمها.

قال سياسي ودبلوماسي غربي متخصّص في الملفّ اللبناني: “الساسة في لبنان شاغلهم الأول: How can I Fuck Your Projects?“.

إنّه منطق عدميّ تدميري، ولا يعود على أصحابه إلا بالدمار والهلاك والعياذ بالله.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…