هل يكون عبّاس الرئيس الأخير؟

مدة القراءة 5 د

الموضوع الذي يفرض على كلّ المستويات في فلسطين أن يكون محلّ اهتمامها ومثار نقاشها، هو خلافة الرئيس محمود عباس. حتى مباريات المونديال، الذي كان في حينه مركز الاهتمام الشعبي العامّ، وجد الفلسطينيون مساحات بينها للحديث في أمر الخلافة. خصوصاً أنّ الإعلام الإسرائيلي لا يكفّ عن بثّ أخبار وتسريبات عن هذا الأمر تكاد تكون يومية. ونظراً إلى تجاهل الإعلام الفلسطيني الرسمي وغير الرسمي، إلا بعض كتابات متناثرة ومحدودة، لهذه الحكاية من أساسها، فإنّ ما يأتي من إسرائيل هو مصدر المعلومات الأساسي للنقاش.

البرغوثي أوّلاً يليه هنيّة ثمّ عبّاس

في هذا السياق فُرضت أسماء كلّها من مراتب عليا في حركة فتح. وبين حين وآخر تُنشر نتائج استطلاعات رأي يجري التركيز فيها غالباً على ثلاثة أسماء: محمود عباس رئيس فتح، ومروان البرغوثي الذي أعلن مبكراً تنافسه على الموقع من داخل سجنه المؤبّد، وإسماعيل هنيّة رئيس حركة حماس.

لهذه الاستطلاعات المتكرّرة نتيجة واحدة تُظهر تفوّق هنيّة على عباس، وتُظهر أيضاً تفوّق البرغوثي على هنيّة، وتبدو النسب المئوية لحظوظ الثلاثة ثابتة في كلّ الاستطلاعات، وكأنّها استنساخ عن الاستطلاع الأوّل وحسب.

على الرغم من أنّ الانتخابات الرئاسية مستبعَدة الحدوث على الأقلّ في عهد الرئيس عباس وعهد حركة حماس وحالة البرغوثي، إلا أنّ الخلافة ما تزال مركز نقاش بين النخب والناس العاديّين

فوضى المعلومات تضرب الفلسطينيّين

على الرغم من أنّ الانتخابات الرئاسية مستبعَدة الحدوث على الأقلّ في عهد الرئيس عباس وعهد حركة حماس وحالة البرغوثي، إلا أنّ الخلافة ما تزال مركز نقاش بين النخب والناس العاديّين، بل يُنسب إليها، عن حقّ أو بدونه، كلّ حدث داخلي وكلّ تسريب يجد سبيله إلى وسائل التواصل الاجتماعي. وبفعل طغيان وهيمنة هذه الوسائل، تضرّر الرأي العام الفلسطيني كثيراً، واستبدّت به حالة من فوضى المعلومات والخلاصات. وحالة كهذه تجد دائماً مَن يوظّفها لمصلحة أجندته، وذلك في أخطر عمليّة استثمار للعفويّة والفضول الشعبيَّين التلقائيَّين. والناس عادة لا يدقّقون كثيراً في ما يقرأون ويشاهدون ويسمعون.

النقاش في موضوع الخلافة، ومركزه على الأغلب بورصة الأسماء المتداولة، يقود إلى تساؤل عن الفرص لا إجابة دقيقة ولا حتى تقريبيّة عنه. هنا يظهر دور المعنيّين الخارجيّين باللعبة، فكلّ منهم يرجّح فرصة واحد على الآخرين، وفق مبدأ كرة الثلج، فكلّما تكرّر اسم أكثر من غيره أصبح مرشّحاً تلقائياً، وقد يُقدَّم في مرحلة معيّنة على أنّه الوحيد المؤهّل للفوز.

تعاظم مشكلة الوصول للرئاسة

إلى جانب الحديث عن الأسماء والفرص ينتشر حديثٌ موازٍ عن الآليّات، وهنا يجدر الانتباه إلى ظاهرة يختصّ بها من تُتَداول أسماؤهم من المرشّحين المتنافسين أو المتصارعين، فكلّهم يلتزم بجملة واحدة: “الرئيس يخرج من صندوق الاقتراع”، لكن في حال عدم ظهور صندوق في الأفق فتجري أحاديث عن الآليّات البديلة، كأن تحلّ صيغة التوافق محلّ صيغة الانتخاب، أو تُعتمَد الهياكل الباقية في منظمة التحرير بديلاً عن الهياكل المنتخَبة، أو تتّسع دائرة الآليّات حتى تشمل الدول والقوى المؤثّرة في الحالة الفلسطينية بحيث قد يُتوافق على شخص وعلى الآليّات التي تأتي به.

لكن بفعل كلّ ذلك نغادر مشكلة فنتوغّل في مجموعة مشاكل أكثر صعوبة أساسها انعدام الشرعية الدستورية والشعبية للصيغ البديلة عن الانتخابات العامة، وعدم تأهّل البدائل التي يجري الحديث عنها للنجاح. فالتوافق الذي لم يحدث طوال خمس عشرة سنة وأكثر على القضيّة الأهمّ، وهي الانقسام، لن يتمّ على مرشّح إن ضُمِن فوزه فلن يُضمَن تمكُّنه من القيادة ما دامت الصيغة والآليّة اللتان أتتا به محكومتين لقوى أكثر فاعلية منه.

إلى جانب الحديث عن الأسماء والفرص ينتشر حديثٌ موازٍ عن الآليّات، وهنا يجدر الانتباه إلى ظاهرة يختصّ بها من تُتَداول أسماؤهم من المرشّحين المتنافسين أو المتصارعين

في هذا الإطار لا بدّ من السؤال: مع مَن التوافق أساساً؟ وبين من ومن؟ بين “فتح” المنقسمة وبين “حماس” المتربّصة أو الأغلبية الشعبية الخارجة عن التبعية التلقائية للفصائل؟

أمّا اعتماد ما بقي من هياكل لمنظمة التحرير كي تنتج رئيساً، فهذه الهياكل أساساً محلّ نزاع ومقاطعة وتشكيك وحتى إدانة، فكيف تنجح والحالة هذه أن تكون بديلاً مقنعاً عن الانتخابات العامة؟

في هذا السياق يبرز التدخّل الخارجي من أجل تبنّي أو تفضيل مرشّح وإيصاله إلى سدّة الرئاسة. لو كان هذا مُجدياً لنفع في إنقاذ مشروع العالم السلميّ الذي انهار أمام أعين مؤسّسيه على الرغم من مليارات الدولارات التي أُنفقت عليه، ومئات الفعّاليات التي نُظّمت من أجله، فإذا بنا نرى بعد كلّ ذلك ليس انهيار مشروع فقط بل انهيار مرحلة بأسرها قامت عليه.

ما العمل؟؟

حتى الآن، أخفق كلّ المتدخّلين في إيجاد إجابة عن هذا السؤال. يبدأ جميعهم من نقطة بدأها غيرهم وينتهون إلى نقطة انتهى إليها غيرهم. والمعضلة في هذا الأمر أنّ المتدخّلين جميعاً، وما أكثرهم، اعتمدوا التكيّف مع الوضع القائم الذي هو السبب في المعضلة لاستخراج حلّ منه، وهذه هي الوصفة الأكيدة للفشل الحتميّ.

لو قيل لهم جرّبوا الانتخابات، فإنّ فيها المخرج، فسيوافقون لكنّهم سيقترحون تراتبية لا تجعلها صعبة وحسب، بل مستحيلة.

إقرأ أيضاً: حكومة نتنياهو السادسة

إذاً صار منطقياً التساؤل مع استحالة عمل الآليّات جميعاً التي يجري الحديث عنها: هل يكون عباس آخِر رئيس شرعي مُجمَعٍ عليه وخارجٍ من صندوق الاقتراع حتى إشعار آخر؟ أم تخبّئ الأقدار فرصاً وحلولاً لا نعرفها، ويلوح أمامنا طيف لبنان؟

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…