إيران المضطربة.. والهدوء السعوديّ المستفِزّ

مدة القراءة 6 د

ماذا يعني الهجوم الكلامي الذي شنّه قائد قوة القدس الجنرال إسماعيل قاآني على السعودية مستخدماً تعبيرات نابية بعيدة عن الأخلاق الإسلامية والأدبيّات الدبلوماسية والسياسية التي تحكم العلاقة بين أيّ بلدين متجاورين أو حتى عدوّين؟

في ظلّ هذه “الشتائم”… هل يمكن تصديق المواقف التي تصدر عن وزارة الخارجية وكبار مسؤولي الدولة الإيرانية التي تتحدّث عن رغبتهم الجدّية في الحوار الإيجابي مع القيادة السعودية لإنهاء القطيعة القائمة بين البلدين، والتأسيس لمرحلة جديدة من التعاون في المسائل الإقليمية المختلفة؟

 

مواقف متناقضة

كشفت المواقف المتناقضة الصادرة عن مسؤولين كبار في السلطة الإيرانية عن وجود صراع واضح بين توجّهين وتيّارين داخل النظام يعمل كلّ واحد منهما عكس الآخر:

يؤكّد التريّث السعودي في ملاقاة الرغبة الشديدة للدبلوماسية الإيرانية ومعها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي بإعادة تفعيل مسار الحوار بينهما في العاصمة العراقية، أنّ الرياض لا ترغب في حوار يقوم على معادلة غير متوازنة

– أحدهما لا يأخذ في الاعتبار حجم التحدّيات التي تواجه إيران ونظامها، ولا يرى سوى مصالحه وسلطته ويتصرّف بناءً على سعيه إلى الحفاظ على نفوذه الداخلي والإقليمي والدفاع عنه.

– الآخر يرى حجم الآثار السلبية على استقرار النظام والدولة: من تداعيات الأحداث الداخلية وموجة الاعتراضات التي خرجت بعد مقتل الفتاة مهسا أميني بسبب ارتدائها الحجاب بطريقة “غير مناسبة”، إلى التحدّيات الخارجية المتمثّلة في التصعيد الدولي من خلال فرض الإدارة الأميركية والدول الأوروبية عقوبات على إيران، إضافة إلى تزايد الضغوط على إيران التي تنتهك حقوق الإنسان بوضوح من دون مراعاة مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، وانعدام الرغبة الدولية في إعادة تفعيل مفاوضات فيينا المعطَّلة، لإحياء الاتفاق النووي.

 

نجاح سعوديّ

يأتي ذلك في ظلّ نجاح السعوديّة، حيث فشلت إيران، في بناء سياسة متوازنة بين الأقطاب الدولية من دون الدخول في لعبة المحاور. وبرز هذا الأمر في الزيارة التاريخية التي استمرّت ثلاثة أيام للرئيس الصيني شي جينبينغ للمملكة العربية السعودية، والقمم الثلاث التي عقدها مع السعودية والدول الخليجية والدول العربية، والتفاهمات والاتفاقيات التي تمّ التوصّل إليها والتوقيع عليها، إضافة إلى التفاهم على استراتيجيات سياسية في التعامل مع الأزمات الدولية والإقليمية.

شكّل النجاح السعودي صدمة لقيادات المنظومة الإيرانية، التي اكتشفت أنّ رهاناتها على التحالف مع الصين وتوظيفه في مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية نسفتها بكلّ بساطة المواقف التي تضمّنتها البيانات الصادرة عن القمم الثلاث في السعودية، والتي لم تراعِ فيها الصينُ الموقفَ الإيراني، سواء في الأنشطة النووية أو الدور الإقليمي أو أزمة الجزر الثلاث مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

قمّة بغداد 2

في قمّة بغداد 2 التي استضافتها المملكة الأردنية يوم الثلاثاء الماضي (20 كانون الأول 2022)، حيث تحاور المجتمعون في محوريّة الآليّات المطلوبة لمساعدة العراق على الحفاظ على استقراره والنهوض بواقعه السياسي والاقتصادي والأمني، لم يخرج الموقف السعودي، الذي مثّله وزير الخارجية الأمير فرحان بن صالح، عن الثوابت التي تتمسّك بها الرياض والتي تضمّنتها بيانات القمم الثلاث مع الصين:

– عدم استقرار المنطقة والأزمات التي تعانيها مرتبطة بالدور الإيراني وطموحاته النووية أو النفوذ الذي يمارسه في المنطقة والذي يشكّل تدخّلاً في الشؤون الداخلية لدولها.

– أزمة الثقة العميقة القائمة بين طهران والعواصم الخليجية على خلفيّة أزمة الجزر مع دولة الإمارات.

– واستعادة العراق إلى الحضن العربي وإخراجه من الانحياز ونقله إلى نقطة التوازن في علاقاته بين العمق العربي والجوار الإيراني.

كشفت المواقف المتناقضة الصادرة عن مسؤولين كبار في السلطة الإيرانية عن وجود صراع واضح بين توجّهين وتيّارين داخل النظام يعمل كلّ واحد منهما عكس الآخر

لماذا تتريّث السعوديّة؟

قد يكمن هذا كلّه في خلفيّة اللغة غير المؤدّبة التي استخدمها الجنرال قاآني الذي يواجه تحدّياً حقيقياً في دائرة نفوذه العراقية التي قد تخرج عن الرؤية التي اعتمدها في إدارة هذه الساحة. ويكمن في الحساسيّات المتصارعة داخلها التي لم تعد مقتصرة على التنافس والصراع بين المكوّنات العرقية والمذهبية على مصالحها الضيّقة، بل باتت تعصف بالبيت الداخلي للمكوّن الشيعي المحسوب على إيران والمفترض أن يلعب دور الرافعة للمشروع الإيراني الإقليمي انطلاقاً من العراق. خاصة بعدما اتّسعت الخلافات داخل هذا المكوّن إثر انفجارها بين الموالين لإيران بحيث بات الخلاف يشكّل تهديداً للنفوذ الإيراني.

يؤكّد التريّث السعودي في ملاقاة الرغبة الشديدة للدبلوماسية الإيرانية ومعها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي بإعادة تفعيل مسار الحوار بينهما في العاصمة العراقية، أنّ الرياض لا ترغب في حوار يقوم على معادلة غير متوازنة تحاول طهران لعب دور المقرّر فيها. أمّا الوصول إلى نقطة إعادة العلاقات وفتح السفارات والتبادل الدبلوماسي – الذي لن يكون من دون مقابل أو ثمن مؤجّل اعتاده النظام الإيراني في التعامل مع الدول الإقليمية – فلا بدّ أن يكون نتيجة مسار حقيقي لإعادة بناء الثقة بين إيران ومحيطها العربي. وعليه أن يكون تتويجاً لسلوك إيراني مختلف في التعامل مع هواجس ومخاوف هذه الدول من الطموحات الايرانية النووية والباليستية والأمنيّة.

كانت واضحةً الرسالة السعوديّة لإيران في قمم الرياض وقبلها في قمّة البحر الميت: ليست في وارد تقديم أيّ تنازل مجّاني أو غير مجّاني في الملفّات التي تعتبرها شأناً عربياً، بدءاً من اليمن مروراً بسورية وصولاً إلى لبنان.

إقرأ أيضاً: قمة بغداد “الأردنية”: نفخ الروح في حوار السعودية وإيران

قد يكون التأكيد على استمرار التعاون والسعي إلى استكمال المشاريع الاقتصادية الثنائية مع بغداد مؤشّراً واضحاً إلى حجم التحدّي السعودي للدور الإيراني في العراق، ويبدو أنّه يسير نحو المزيد من التعزيز من خلال قيادة موقف عربي موحّد يعيد ترميم الغياب الذي أصاب الدور العربي في العراق بعد التغيير. هذا الذي سمح للدور الإيراني بملء الفراغ والسيطرة على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي والأمني.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…