قمة بغداد “الأردنية”: نفخ الروح في حوار السعودية وإيران

مدة القراءة 10 د

جاءت دول جوار العراق، وأصحاب النفوذ العسكري والسياسي فيه، إلى مؤتمر “بغداد للتّعاون والشّراكة” بالأردن، وكلّ منهم يحمل “همّه” العراقيّ، الذي باحت به كلمات رؤساء الوفود. لكنّ “المشترك” بينها كلّها ظهر في “جملة مفتاحية” بالبيان الختامي الخجول، الذي كاد “يغرق” في الحديث عن التنمية ومشاريع الربط الكهربائي والحَوكَمة: “أكّد المشاركون أنّ تحقيق التنمية الاقتصادية ونجاح مشاريع التعاون الإقليمي يتطلّبان علاقات إقليمية بنّاءة قائمة على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية واحترام القانون الدولي واعتماد الحوار سبيلاً لحلّ الخلافات، وعلى التعاون في تكريس الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب وتحقيق الرخاء”.

المملكة العربية السعودية وتركيا والأردن والكويت ومصر وفرنسا ودولة الإمارات والبحريْن وقطر وسلطنةُ عُمان وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبيّ، إلى جانب العراق بالتأكيد، وبالطبع إيران، كلّ دولة وضعت “أجندتها” على طاولة المؤتمر.

جاءت دول جوار العراق، وأصحاب النفوذ العسكري والسياسي فيه، إلى مؤتمر “بغداد للتّعاون والشّراكة” بالأردن، وكلّ منهم يحمل “همّه” العراقيّ، الذي باحت به كلمات رؤساء الوفود

لكنّ هذا المقطع من البيان هو “دُرّتُهُ”. وقد ورد على ألسنة المتحدّثين الرئيسيّين، وأبرزهم:

– الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “العراق أصبح مسرحاً لانتهاكات وتدخّلات تزعزع استقرار المنطقة كلّها”.

الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي: “مصر ترفض أيّ تدخّلات خارجية في شؤون العراق”. وبلاده ستستضيف الدورة الثالثة للمؤتمر في العام المقبل.

– وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان: “ترفض المملكة بشكل تامّ أيّ اعتداء على أيّ شبر من أراضي العراق، وتقف صفّاً واحداً مع الأشقّاء في العراق في محاربة الإرهاب والتطرّف وكلّ من يسعى للدمار والخراب وإثارة الانقسامات، وترحّب باستعادة العراق لدوره الإيجابي البنّاء لتعميق الثقة والشراكة والسلم إقليمياً ودوليّاً”.

– مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل: “يجب احترام وحدة أراضي العراق من جميع الأطراف”.

– الأمين العامّ لمجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف: “يجب التشديد على أهميّة العراق وهويّته العربية”.

– أمّا رئيس رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني فقال: “لا نسمح باستخدام أراضينا لانطلاق أيّ تهديد لدول الجوار… العراق ينأى بنفسه عن سياسات المحاور ودعوات التصعيد”.

نفخ الرّوح في حوار الرياض وطهران

نُفِخت الرّوح مجدّداً في الحوار بين المملكة العربية السعودية وإيران. على هامش القمة، كان لقاء جانبيّ مقتضب جمع وزيريْ الخارجيّة الأمير فيصل بن فرحان وحسين أمير عبداللهيان، بحسب ما كشف الأخير بتغريدة عبر حسابه على تويتر: وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أكّد لي خلال حديث ودي على هامش مؤتمر ‎بغداد استعداد بلاده مواصلة الحوار مع ‎إيران.”

بحسب معلومات “أساس” فإن اللقاء حصل بعد جهود من فرنسا وقطر وسلطنة وعمان والعراق. كما عرضت قطر وعُمان إمكانية استضافت إحداهما المحادثات بين الرياض وطهران في حال لم تكن الرياض راغبة في استكمالها في العراق بعد الانقلاب الإيراني هناك.

لم يتفق الجانبان على موعد لاستكمال الحوار الذي بدأ في نيسان 2021 وانقطع في أيلول الماضي بعد الانقلاب على مصطفى الكاظمي في العراق. لكنّ المحركات القطريّة والعراقيّة والعُمانيّة بدأت تعمل بشكل فوريّ لعقد لقاء بأسرع وقت ممكن بين الجانبيْن.

إيران: الاتّفاق النوويّ أوّلاً

توجّهت الأنظار إلى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي استبق وصوله بالقول إنّ القمّة “قد تشكّل فرصة لتحريك المباحثات بشأن إحياء الاتفاق النووي، المتعثّرة منذ أشهر… ونحن مستعدّون للعودة إلى العلاقات الطبيعية وإعادة فتح السفارات عندما يكون الجانب السعودي جاهزاً”.

أمّا في المؤتمر فأعلن عبد اللهيان أنّ “استقرار وأمن إيران من استقرار وأمن المنطقة بأسرها. فنحن بحاجة إلى تحقيق الأمن المستدام بمشاركة جميع دول المنطقة”. وأضاف: “أبلغتُ مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ?جوزيب بوريل? اليوم أنّنا مستعدّون لإتمام ?الاتفاق النووي? مع مراعاة خطوطنا الحمراء”.

كأنّ إيران تريد القول: “الاتفاق النووي أوّلاً.. وبعده العراق وغيره”.

أعلن عبد اللهيان أنّ “استقرار وأمن إيران من استقرار وأمن المنطقة بأسرها. فنحن بحاجة إلى تحقيق الأمن المستدام بمشاركة جميع دول المنطقة”

ولفهم رسالة عبد اللهيان، كان يجب أن نستمع إلى العميد إسماعيل قاآني يشتم السّعوديّة بعباراتٍ “ثقيلة” من على منبرٍ داخل إيران، بالتزامن مع كلمة عبد اللهيان في الأردن. وكان مسؤول يرافق الوزير الإيراني يصرّح لقناة “المملكة” الأردنية أنّ بلاده “مستعدّة لإعادة التواصل مع السعودية وتبادل السفارات”. وهذا ليسَ تضارباً ولا صراع أجنحة في إيران، بل سياسة الازدواجيّة التي تعتمدها الجمهوريّة الإسلاميّة في سياستها الخارجيّة منذ عقود. وهي دليلٌ آخر على عُمقِ الفجوة في العلاقة بين البلديْن اللذيْن تفصل بينهما مسافةٌ قصيرة في الجغرافيا، وطويلة في السّياسة والرّؤية والمصالح، والتّاريخ.

لم يأتِ عبد اللهيان بجديد. أعادَ استحضار قاسم سُليْمانيّ، وقادة الميليشيات الإيرانيّة في استفزازٍ واضحٍ للدّول العربيّة، وربّما كانت معالم وجه العاهل الأردنيّ عبد الله الثّاني، أثناء إلقاء قائد “فيلق الدّبلوماسيّة” في الحرس الثّوريّ كلمته، خير دليلٍ على “المفارقة” في المشهد.

لم يمتعِض العاهل الأردنيّ من كلام عبد اللهيان وحسب، بل ويُقلقه الوجود الإيرانيّ على بُعد 100 كلم شمال قاعة المؤتمر على الحدود مع سوريا. وهو قلق عبّر عنه عبد الله الثّاني في أيّار الماضي في لقاء مع برنامج “Battlegrounds” العسكري التابع لمعهد هوفر في جامعة ستانفورد: “إنّ ملء إيران ووكلائها الفراغ الذي تخلّفه روسيا في سوريا قد يؤدّي إلى مشاكل على طول الحدود الأردنية. الوجود الروسي في جنوب سوريا كان مصدر تهدئة، لكن مع انشغال موسكو في أوكرانيا، نتوقّع تصعيد المشاكل على الحدود”.

السوداني.. وظلال الكاظمي

تختلِفُ النّسخة الثّانية من المؤتمر، التي أُقِيمت أمس في مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات على ساحل البحر الميّت، عن نسختها الأولى التي عُقِدَت في بغداد أواخر آب 2021.

في الأولى كان النجم هو رئيس الوزراء العراقيّ السّابق مُصطفى الكاظميّ، الذي كانَ يرعى حواراً بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران، عُلِّقَ بعد “الانقلاب السّياسيّ” الذي نفّذته إيران في وجه التّيّار الصّدريّ والكاظميّ، وتعيينها محمّد شيّاع السّوداني رئيساً للوزراء.

انتشرَت أمس الملّالات والمُدرّعات على الطّريق إلى المؤتمر من مطار الملكة علياء في العاصمة الأردنيّة عمّان على إثر موجة الاحتجاجات التي انطلقَت الأسبوع الماضي في المملكة الهاشميّة، وذلك في مشهد لا يختلِف في توتّره عن توتّر الأجواء بين الدّول العربيّة وإيران.

بدورها، خفّضت دولة الإمارات مستوى تمثيلها، إذ مثّلها حاكم إمارة رأس الخيمة سعود بن صقر القاسميّ، بعدما مثّلها نائب رئيس الدّولة حاكم دبي الشّيخ محمّد بن راشد في النّسخة الماضية.

كانَ جليّاً أيضاً الامتعاض العربيّ من إيران في الاستقبال الأردنيّ لوزير خارجيّة إيران حسين أمير عبد اللهيان، الذي استقبله مديرون إقليميّون في وزارة الخارجيّة وبعض المسؤولين العسكريين، على عكس باقي الضّيوف الذين استقبلهم وليّ العهد الأردنيّ الأمير حسين بن عبدالله على أرض مطار الملكة علياء.

لم يأتِ عبد اللهيان بجديد. أعادَ استحضار قاسم سُليْمانيّ، وقادة الميليشيات الإيرانيّة في استفزازٍ واضحٍ للدّول العربيّة

لقاءات جانبيّة “حسّاسة”

أشارت معلومات “أساس” إلى أنّ لقاءً عُقد بين عبداللهيان، عشيّة سفره إلى الأردن، ومُساعد وزير الخارجيّة القطريّ للشؤون الإقليميّة الدّكتور محمّد بن عبد العزيز الخليفي، وآخر بين عبد اللهيان ونظيره العُماني بدر البوسعيديّ على هامش القمّة، وذلك في إطار جهود قطر وسلطنة عُمان لإعادة إحياء المُفاوضات النّوويّة بين إيران والدّول الغربيّة.

من جهة أخرى، قالت معلومات “أساس” إنّ الوزير الإيرانيّ حمّل المسؤول الفرنسي بوريل رسالةً إلى واشنطن ودول الاتحاد الأوروبيّ يحذّر فيها من مصير الاتفاق النّوويّ في حال استمرّت هذه الدّول بدعم التظاهرات التي تشهدها إيران. فردّ بوريل على الوزير الإيرانيّ بالتطرّق إلى موضوع انخراط طهران في الحرب الأوكرانيّة عبر تزويد روسيا بالمُسيّرات والصّواريخ الباليستيّة، فأكّد الوزير الإيرانيّ أنّ هذه المسألة “مُنفصلة عن الملفّ النّوويّ وينبغي ألّا تؤثّر على أيّ إعادة مُحتملة للمفاوضات”.

وحسب معلومات “أساس” من مصدر عراقيّ رفيع، فقد أكّد رئيس الوزراء العراقي للرّئيس المصريّ والعاهل الأردنيّ أنّه مُلتزمٌ بالشّراكة والتّحالف القائم بين الدّول الثّلاث تحت اسم “الشّام الجديد”، ولفَتَ إلى ضرورة تفعيل هذا الحِلف وتوسعته ليضمّ “سوريا ولبنان وتركيا والسّلطة الفلسطينيّة”، إلّا أنّ عبد الله الثّاني قال للضّيف العراقيّ إنّ الوقت ما يزال مُبكراً لتوسعة الحِلف، فتطبيق الالتزامات والتفاهمات السّابقة يتقدّم على أيّ توسعة له، فأكّد السّوداني التزام بغداد الكامل بالتّفاهمات الاقتصاديّة والسّياسيّة المُنبثقة عن اللقاءات السّابقة.

العراق والكويت: أزمةٌ جديدة؟

أرخَت مسألة ترسيم الحدود البحريّة بين العراق والكويت بظلالها على كلمة رئيس الوزراء الكُويتيّ الشّيخ أحمد النّوّاف الأحمد الصّباح، الذي أكّد ضرورة “إغلاق الملفّات العالقة بين الكويت والعراق، ولا سيّما استكمال ترسيم الحدود البحريّة بعد العلامة 162”.

وفي هذا السياق قال مصدر عراقيّ مسؤول لـ”أساس” إنّ هذه المسألة “حسّاسة” بالنّسبة إلى بغداد، فموقف حكومة السّوداني هو نفسه موقف الكاظميّ: السّعي إلى إيجاد حلولٍ تُرضي الطّرفيْن من دون الانتقاص من سيادة العراق أو الكويت، والعراق باتَ في الخطوات الأخيرة لتشغيل ميناء الفاو الكبير، الذي يُعوّل عليه العراقيّون لزيادة حركة التجارة في المنطقة بأسرها.

الجدير بالذّكر أنّ دول مجلس التّعاون الخليجيّ كانت قد دعَت قبل أسبوعيْن العراق إلى ترسيم حدوده البحريّة مع الكويت بعد العلامة 162، وإلى احترام سيادة جارته الجنوبيّة، وذلك بعدما خرقَت سفن حربيّة عراقيّة المياه الإقليميّة الكويتيّة بُعيد زيارة السّوداني للعاصمة الكويتية.

إقرأ أيضاً: بايدن يغدق الوعود على إفريقيا و”النويس” و”أبونيان” يولّدان الكهرباء..

فشل جديد لماكرون؟

أمّا ماكرون ففشل في محاولاته لتضمين البيان الخِتاميّ بنداً عن لبنان يدعو إلى انتخاب رئيسٍ جديد للجمهوريّة وتشكيل حكومةٍ إنقاذيّة والالتزام باتفاق الطّائف وتطبيقه.

إلى ذلك فشل الجانبان الفرنسيّ في الاستفادة من رفع مستوى التمثيل السّعوديّ والإيرانيّ لعقد اجتماعٍ جانبيّ شامل بينهما يُساهم في إيجاد حلّ للملفّ اللبنانيّ. وكانت حظوظ ماكرون أشبه بحظوظ مُنتخب بلاده في كأس العالم، إذ تجاوزَ المنتخب جميع العقبات لكن خسرَ في المُباراة النّهائيّة التي دائماً ما تكون مليئة بالمُفاجآت.

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…

“الفرصة الأخيرة” وسط الألغام

قبل ساعات من وصول الموفد الأميركي آموس هوكستين تقصّد العدوّ الإسرائيلي كما الحزب رفع مستوى الضغط الميداني إلى حدّه الأقصى: إسرائيل تكرّر قصف عمق العاصمة…