أزمة المراسيم: باسيل يتمسّك بـ”الفيتو”

مدة القراءة 7 د

ثلاثة من الوزراء الأربعة بسام المولوي، محمد مرتضى، عباس الحلبي، وهنري خوري الذين يشكّلون نواة “لجنة القضاة” المكلّفة تحديد جدول أعمال الضرورة لجلسات الحكومة لا مشكلة دستورية أو سياسية لديهم في انعقاد الحكومة بالشكل الذي رست عليه جلسة 5 كانون الأول في ظلّ الشغور الرئاسي وبجدول أعمال تجاوز عتبة “الطوارئ”.

مع ذلك، كرّس تشكيل اللجنة تراجع ميقاتي مع داعميه خطوة إلى الوراء لاستيعاب “التسونامي” العوني-الباسيليّ الرافض لِما وَصَفه بـ”الأمر الكبير الذي لن نسكت عليه” مع مؤازرة واضحة من بكركي التي ذكّرت بإمكان اللجوء إلى “وسائل دستورية شتّى” بدلاً عن انعقاد الحكومة في ظلّ غياب رئيس الجمهورية.

لكن بعد وقت قصير من انتهاء اجتماع السراي التشاوري يوم الجمعة كانت محطة “إن بي إن” تؤكّد أنّ الاجتماع “أقرّ إمكان عقد جلسات لمجلس الوزراء من أجل التصدّي للملفّات التي لا تحتمل التأخير”، في مقابل معلومة مضادّة من جانب “أو تي في” تؤكّد أنّ “اللقاء لم يتوصّل لأي نتيجة”.

فعليّاً، تراجع الفريق الباسيلي المُعارض أيضاً خطوة إلى الوراء حين خفّض سقفه من استحالة انعقاد حكومة تصريف الأعمال إلى ضرورة توقيع 24 وزيراً على المراسيم التي تكتسب طابع الضرورة القصوى فقط.

 تفيد المعطيات أنّ وزير العدل كان اقترح همساً في الاجتماع التشاوري الاستعاضة عن توقيع الـ 24 وزيراً بصدور المراسيم بالأكثرية شرط أن يكون من ضمنها وزير يمثّل فريق الثمانية المقاطِع لجلسات مجلس الوزراء

لا نتيجة

مع ذلك، لم تُفضِ لغة التراجع إلّا إلى مزيد من التأزّم. فالجلسة الأولى التي انعقدت أمس أفضت إلى تثبيت “مشهد المتاريس” مع طرح الوزير خوري، نيابة عن باسيل، عدم إمكان انعقاد الحكومة إلا في حالات الضرورة القصوى وحالة الحرب، وتأكيده حتمية توقيع الـ 24 وزيراً على المراسيم الجوّالة، إضافة إلى المشاركة في وضع جدول الأعمال.

في هذا السياق، يقول مصدر وزاري مطّلع لـ”أساس” إنّ “اجتماع أمس شكّل امتداداً لنقاش سابق لن يوصل إلى مكان بوجود سلبيّتين:

– الأولى رفض باسيل القاطع لتكرار جلسة 5 كانون الأول، وفرض صدور المراسيم بآليّة تأخذ بالاعتبار أنّ مجلس الوزراء بما هو وحدة متكاملة يوقّع عن رئيس الجمهورية لا جزء من وزرائه لا يعكس الإجماع المطلوب ولا يحفظ الميثاقية.

– الثانية قناعة فريق ميقاتي ومعه الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط وحتى حزب الله بأنّ هدف باسيل هو السعي إلى امتلاك قدرة التعطيل إمّا من خلال المشاركة في وضع جدول الأعمال أو التصويت داخل مجلس الوزراء أو آليّة إصدار المراسيم.

في هذا السياق تفيد المعطيات أنّ وزير العدل كان اقترح همساً في الاجتماع التشاوري الاستعاضة عن توقيع الـ 24 وزيراً بصدور المراسيم بالأكثرية شرط أن يكون من ضمنها وزير يمثّل فريق الثمانية المقاطِع لجلسات مجلس الوزراء، لكنّ واقع الحال أنّ مداولات يوم أمس عكست تصلّباً لدى فريق باسيل في التمسّك بتوقيع الـ 24.

نقاط عالقة

هكذا تبقى نقاط عالقة أساسية: من يوقّع عن رئيس الجمهورية؟ وبأيّ صيغة ستصدر المراسيم؟ وما مصير مراسيم الجلسة الأولى؟ وما معيار البنود الطارئة؟

في الوقائع، لم يجد كلام نائب التيار الوطني الحر جورج عطالله صدى في السراي الحكومي مع تسليم فريقه السياسي بأنّ “مراسيم 5 كانون الأول بتروح للكبّ”.

تردّ مصادر الرئيس نجيب ميقاتي بالقول: “هل يتحمّل الفريق السياسي لجبران باسيل مسؤولية رمي المراسيم المرتبطة بالعسكر وبوزارة الشؤون الاجتماعية والمستشفيات في ظلّ عدم وجود توافق على صيغة توقيع الـ 24 وزيراً على المراسيم؟”.

انضمّ نواب التيار “البرتقالي” إلى القوات اللبنانية في الدعوة إلى اعتماد المراسيم الجوّالة، إضافة إلى توقيع المراسيم السابقة واللاحقة من قبل الـ 24 وزيراً ورفض صدور أيّ مرسوم بالنصف زائداً واحداً.

فعليّاً، تراجع الفريق الباسيلي المُعارض أيضاً خطوة إلى الوراء حين خفّض سقفه من استحالة انعقاد حكومة تصريف الأعمال إلى ضرورة توقيع 24 وزيراً على المراسيم التي تكتسب طابع الضرورة القصوى فقط

المراسيم الجوّالة

في جميع المحطّات التي اعتُمدت فيها المراسيم الجوّالة قبل الطائف وبعده، كان هناك رئيس جمهورية ورئيس حكومة يوقّعان المراسيم مع الوزراء المختصّين ووزير المال إذا كانت القرارات تحتاج إلى اتفاق ماليّ، فـ “يَبرم” المرسوم “بَرمته” لينال التواقيع اللازمة.

اعتُمدت المراسيم الجوّالة للمرّة الأولى منتصف الثمانينيات (1986-1988) حين انفجر الخلاف بين الرئيس الأسبق أمين الجميّل ورئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي وعدد من الوزراء بعـد رفض الجميّل للاتفاق الثلاثي واتّهامه بالتورّط بالانقلاب عليه. وقد استمرّت القطيعة بينهما حتى اغتيال كرامي وتولّي الرئيس سليم الحص مهامّ رئاسة الحكومة حتى نهاية عهد الجميّل.

طوال هذه الفترة كانت الأمانة العامّة لرئاسة الحكومة تُعدّ المراسيم بالتوافق بين الرئيسين ويتولّى درّاج في قوى الأمن الداخلي أخذ التواقيع اللازمة على المراسيم (يطّلع عليها كلّ الوزراء ويوقّعها فقط الوزراء المختصّون).

اعتُمدت أيضاً صيغة المراسـيم الجوّالة فـي عامَيْ 2013 و2014 فـي عهد الرئيس الأسبق ميشـال سليمان بسبب تعذّر تشكيل حكومة برئاسة تمام سلام بعد استقالة حكومة نجيب ميقاتي، وفي عهد حكومتَيْ سعد الحريري وحسان دياب. استغنت مجمل هذه المراسيم عن عبارة “بعد موافقة مجلس الوزراء” واستُعيض عنها “بسبب تعذّر انعقاد مجلس الوزراء” مع إشارة إلى “الظروف الاستثنائية”، ثمّ تسلك طريقها إلى الجريدة الرسمية.

صدرت مئات المراسيم الجوّالة منذ الثمانينيات حتى اليوم لكن بوجود رئيس جمهورية على عكس الحالة الشاذّة السائدة في المرحلة الراهنة: لا وجود لرئيس جمهورية، ولا وجود لحكومة أصيلة. هناك رئيس حكومة يصرّف الأعمال مع وزرائه في ظلّ حكومة هي دستورياً بحكم المستقيلة.

المنطق السائد في السراي أن “ليس من مرسوم جوّال ومرسوم “ثابت”. فكلّ المراسيم، حتى تلك التي تصدر في ظلّ انعقاد الحكومة على شكل قرارات، يوافق عليها مجلس الوزراء و”تجول” لاحقاً على الوزراء المعنيّين بها لأخذ التواقيع عليها وصولاً إلى رئيسَيْ الحكومة والجمهورية”.

إقرأ أيضاً: شروط بكركي للمبادرة الرئاسيّة

وفق المعطيات هناك تصلّب من جانب ميقاتي، مدعوماً من الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط، في رفض “الانقلاب” على صيغة جلسة 5 كانون الأول لناحية اعتماد المراسيم الجوّالة، من دون التئام الحكومة ولا توقيع الـ 24 وزيراً، خصوصاً البنود التي تحتاج دستورياً إلى انعقاد مجلس الوزراء. أمّا موقف حزب الله فلم يتبلور بشكل صريح بعد “انتفاضة” باسيل، مع تأكيد أوساطه أنّ “الحزب سيشارك في أيّ جلسة تكتسب منحى الضرورة وبالصيغة التي تمّ الاتفاق عليها سابقاً أو وفق أخرى معدّلة قد يجري التوافق عليها”.

كان لافتاً في هذا السياق إصرار أوساط رئيس حكومة تصريف الأعمال غداة الاجتماع التشاوري في السراي، ثمّ انعقاد الاجتماع الأول للّجنة الوزارية المكلّفة تحديد جدول أعمال الضرورة وآليّة إصدار المراسيم أمس، على أن “لا تراجع عن قرار انعقاد الحكومة عند الضرورة كما في جلسة 5 كانون الأول، ولا لتوقيع الـ 24 وزيراً، وقرار الدعوة والموافقة على جدول الأعمال يبقى بيد رئيس الحكومة على أن يخضع لإمكانية التعديل في الجلسة إذا جرى التصويت بالأكثرية على ترحيل بعض البنود”.

لمتابعة الكاتب على تويتر:  MalakAkil@

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…