شروط بكركي للمبادرة الرئاسيّة

مدة القراءة 6 د

ما زالت بكركي “قُبلة” اللبنانيين في الأزمات. والأزمة اليوم عدم انتخاب رئيس. لذلك يكثر “الحجّ” إليها. خلال الأسبوع الماضي زارها ميشال عون وجبران باسيل. وزارها أيضاً نجيب ميقاتي، رئيس الحكومة المستقيلة. وحزب الله يُحاول تسويق مرشّحه، مواربة، من خلال صديق مسيحي مقرّب من بكركي. والسبب أنّ كلّ الأطراف مأزومة:

1- أزمة المسيحيين تتجسّد في صراعاتهم وانقساماتهم في خياراتهم السياسيّة، والتواصل مقطوع بينهم، وأيّ منهم غير قادر على إيصال مرشّحه إلى سدّة الرئاسة.

2- الثنائي الشيعي، على خلاف ما يُظهِر، مأزوم أيضاً في ما خصّ الاستحقاق الرئاسيّ. فهو غير قادر على إيصال مرشّحه “المفضّل” سليمان فرنجية. وهو يريد استقرار الوضع في لبنان، من خلال انتخاب رئيس “لا يطعن المقاومة بالظهر” كما أعلن السيّد حسن نصرالله، في ظلّ عدم الاستقرار الذي يواجهه “محور المقاومة” في الإقليم. فإيران مأزومة داخليّاً بسبب الاحتجاجات الشعبيّة المستمرّة منذ أكثر من شهرين، ومأزومة خارجياً بسبب تراجع فرص التوصّل إلى اتّفاق نوويّ. وسوريا مأزومة بحروبها المشتعلة شمالاً وشرقاً، وبالأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتفاقمة. وتمتدّ أزمات هذا المحور إلى العراق حيث يتراجع دور حلفاء إيران وشعبيّتهم، وإلى اليمن حيث أُجبِر الحوثيون على القبول بوقف إطلاق النار بعد سلسلة انتكاسات عسكريّة أُصيبوا بها قبل أشهر.

ما زالت بكركي “قُبلة” اللبنانيين في الأزمات. والأزمة اليوم عدم انتخاب رئيس. لذلك يكثر “الحجّ” إليها

3- أزمة السُّنّة ربّما تفوق أزمات باقي المكوّنات منذ “اعتكاف” سعد الحريري وتعليق العمل السياسيّ لـ”تيار المستقبل”: شرذمة سياسيّة غير مسبوقة، وضعف في موقع رئاسة الحكومة وارتهان شاغله بتوجّهات الثنائي الشيعي.

4- الدروز أيضاً في أزمة. صحيح أنّ وليد جنبلاط نجح في تثبيت زعامته السياسيّة من جديد في الجبل، ونجح جزئياً في تحصين الواقع الاجتماعي لجماعته في الجبل، لكنّه يدرك أنّه لا يمكن الاستمرار طويلاً ولا يمكنه أن يحلّ مكان الدولة ومؤسّساتها المنهارة.

 

واقع مأزوم.. والراعي لا يريد تكرار الماضي

أمام هذا الواقع المأزوم لدى كلّ الأطراف بدأ البعض، همساً أو من خلال زيارة الصرح البطريركي، يطالب البطريرك بالقيام بمبادرة في موضوع الرئاسة، ليس من أجل اجتماع مسيحي – مسيحي يتطلّب معجزة إلهية، إنّما من أجل التواصل غير المباشر بين الأطراف المسيحيّة، أحزاباً وتيارات وشخصيّات سياسيّة، للاتّفاق على مرشّح أو على عدد من المرشّحين للرئاسة تكون لديهم مواصفات مقبولة من الأطراف الأخرى.

يعتبر المطالِبون بمبادرة بطريركيّة أنّ قسماً من الاستحقاق لا يزال لبنانياً. مصادر في التيار الوطنيّ الحرّ، الذي لجأ إلى بكركي قبل أشهر، تعتبر أنّ “اتّفاق المسيحيين على مرشّح، مقبول من الأطراف الأخرى، سيُحرِج هؤلاء” ويُخرج أزمة الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة.

بغضّ النظر عن حسن نيّة المطالب أو سوئها، تؤكّد مصادر جدّية في بكركي أنّها ليست مستعدّة للمبادرة إلى جمع القيادات المسيحيّة، سواء الصف الأوّل منها أو الثاني أو الثالث. فكلّهم سقطوا في “صفّ” الحفاظ على حدّ أدنى من الوحدة المسيحيّة.

ليست بكركي مستعدّة أيضاً، أقلّه حتى الساعة، للتوسّط من أجل الوصول إلى مرشّح أو إلى لائحة مرشّحين، وذلك لسببين: الأول مبدئي يرتبط بالدستور اللبنانيّ الذي ينصّ على أن “يلتئم المجلس (النيابي) بناءً على دعوة رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد” من بين المرشّحين لرئاسة الجمهوريّة. والسبب الثاني عمليّ يتعلّق بتجربتَيْ البطريرك الراحل نصرالله صفير (1988 و2007) مع أطراف خارجيّة، ولا يبدو البطريرك بشارة الراعي متحمّساً لتكرار التجربة مع الأطراف الداخليّة، خاصّة أنّ العديد منها لا يملك حرّيّة قراره.

مصادر في التيار الوطنيّ الحرّ، الذي لجأ إلى بكركي قبل أشهر، تعتبر أنّ “اتّفاق المسيحيين على مرشّح، مقبول من الأطراف الأخرى، سيُحرِج هؤلاء” ويُخرج أزمة الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة

شروط بكركي للمبادرة

إنّ أيّ مبادرة إلى إجراء مشاورات ثنائية مع الأطراف المسيحيّة للاتّفاق على مرشّح أو مجموعة مرشّحين للرئاسة مقبولين من الأطراف الأخرى، لن تُقدِم عليها بكركي إن لم تتوافر شروطها. وهذه بعضها:

1- الالتزام جدّيّاً بالمبادرة وبإنجاحها.

2- عدم التنصّل منها تحت أيّ حجّة.

3- الالتزام بعدم تعطيل جلسات الانتخاب.

4- الالتزام بعدم التمسّك بالترشّح أو الترشيح.

5- الالتزام بعدم وضع العصيّ في دواليب العهد العتيد الذي ستكون مهمّته الأساسية وقف الانهيار وبدء انتشال البلاد منه.

6- الالتزام بمساعدة العهد العتيد على استعادة لبنان علاقاته العربيّة والدوليّة التي من دونها لا إمكانية لوقف الانهيار وبدء الخروج منه.

انطلاقاً من هذه الشروط وغيرها، وقبل مطالبة سيّد بكركي بمبادرة رئاسيّة، ستكون الأطراف السياسيّة، وبخاصّة المسيحيّة، مطالبَة بتوفير شروط نجاحها. هل هم قادرون على الوعد والالتزام؟ التجارب السابقة غير مشجّعة.

 

لهذا طالب الراعي بالتدويل

لذلك طرح البطريرك الراعي في عظته الأحد الماضي “تدويل الأزمة اللبنانيّة”. تؤكّد مصادر بكركي أنّ طرح البطريرك، كما قال غير مرّة، “يهدف إلى وضع الدول والأسرة الدوليّة أمام مسؤوليّاتها تُجاه لبنان الذي يواجه خطراً وجودياً”، ومطالبة البطريرك بـ “مؤتمر دوليّ” من أجل لبنان “ليس من أجل تغيير النظام اللبنانيّ، إنّما من أجل تطبيق القرارات الدوليّة ومساعدة لبنان على الخروج من أزماته”.

إقرأ أيضاً: باسيل يحصد سياسة “العداء” للسُنّة

توافق بكركي والفاتيكان

الفاتيكان متّفقة مع بكركي على توصيف الواقع اللبنانيّ. لذلك تتدخّل لدى الدول للدفع باتّجاه انتخاب رئيس، في ظلّ عجز الأطراف الداخليّة عن إنجاز الاستحقاق. وهي، كما بكركي، ترى أنّ لبنان أمام خطر وجوديّ، والطبقة السياسيّة في لبنان عاجزة عن إنقاذه وتُمعن في انهياره. وهنا الخطورة. فعلى الرغم من مطالبة المجتمعَيْن العربيّ والدوليّ وتحذيراتهما، لم تنجز أيّاً من الإصلاحات، ولم تحارب الفساد، ولم تمنع الانهيار، ولم تعالج الأزمات الناتجة عنه. عجزها هو الذي يستجلب تدخّل الدول في شؤوننا اللبنانيّة، وهذا أسوأ من التدويل. وبالمناسبة، أليست “أيرَنة” لبنان هي من تستجلب اليوم “تدويل” لبنان؟

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Fadi_ahmar@

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…