يستمرّ التيار الوطني الحر في رفع سقف خطابه بوجه حزب الله، وتصويره “حاضنةً” ترعى ولادة ترويكا جديدة قوامها نجيب ميقاتي وسليمان فرنجية ونبيه برّي. ويشبّه دور الحزب بالدور الذي لعبه النظام السوري، حين حضن ترويكا ما بعد التسعين. وفي أدبيّات التيار الجديدة أنّ الحاضنة السورية استُبدلت بحاضنة الحزب، لرعاية المنظومة التي يقول التيار إنّه يحاربها على الرغم من مشاركته في السلطة معها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً.
على الرغم من رفع سقف المواجهة في الكلام المنقول عن باسيل أخيراً: “معركتي مع حزب الله مش مع ميقاتي…”، لا يعني ذلك تمزيق ورقة التفاهم. ليس بعد على الأقلّ. وحده ذهاب حزب الله إلى انتخاب سليمان فرنجية قد يمزّق ورقة تفاهم مار مخايل. إلى هذا الحدّ يتصلّب جبران باسيل في موقفه رافضاً فرنجية رئيساً.
لم يُقنع بيان الحزب حليفه المسيحي كثيراً. بالنسبة إليه كان على الحزب أن يستدرك الموقف قبل الجلسة لأنّ التيار الوطني الحرّ كان واضحاً تماماً قبلها وأعدّ بياناً أعلن فيه مقاطعة وزرائه التسعة الجلسة
على طريق المواجهات المقبلة تظهر معادلة “فرنجية مقابل مار مخايل”، بكلّ ما يعنيه اتفاق شباط 2006 من أبعاد استراتيجية لحزب الله وبكلّ ما يعنيه من تداعيات داخلية على باسيل الذي يعلم أن لا حليف بقي له سوى الحزب.
لكن “ما الحاجة إلى حليف كهذا إذا غدر؟”، تقول الأدبيّات العونيّة. وإذا ذهب الفريقان بهدوء إلى الحوار في ورقة التفاهم فعلى أيّ أساس؟ لا مكان بعد اليوم لانتظار هدوء العواصف، وسئم التيار من حلّ المشكلات بطريقة الترقيع.
فماذا في أفق العلاقة الثنائية التي حكمتها المصالح فنجحت سابقاً ثمّ سرعان ما اهتزّت عند اختلاف مصلحة كلّ من فريقَيْ مار مخايل؟
التيّار: الحزب نكث بالوعد
“إذا كان الحزب يعتقد أنّه بدعوته إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء من دون المكوّن المسيحي يهدّدنا لدفعنا إلى الذهاب إلى انتخاب سليمان فرنجية فهو مخطئ”. هكذا يجيب مباشرة النواب المقرّبون من باسيل عند تعليقهم على الجلسة. ويذكّرون بعدد المحطّات السابقة حين لم يخضع التيار للضغوط بدءاً من حرب تموز وصولاً إلى فرض العقوبات على جبران باسيل. بل يذهب نوّاب التيار إلى حدّ القول إنّ تداعيات الجلسة انقلبت على فرنجية وعزلته مسيحيّاً أكثر. فهو كان الحزب المسيحي الوحيد المشارك مقابل اعتراض باقي الكتل الكبرى. وبالتالي “بدا فرنجية طاعناً في الميثاق، وهو ما يبعده أكثر عن الحصول على أصوات مسيحية في جلسة الانتخاب”.
ردّ حزب الله في بيان صادر عن علاقاته الإعلامية بالقول إنّ هدف اجتماع الحكومة ليس الضغط على باسيل لانتخاب فرنجية، وإنّه لا رسائل سياسية من انعقاد الجلسة التي جاءت فقط لتسيير الأعمال والملفّات الطارئة، وإنّ الحزب لم يقدّم أيّ وعد للتيار بعدم عقد أيّ جلسة من دون مشاركة كلّ مكوّناتها. لكن على الرغم من حرص الحزب على الهدوء في الخطاب السياسي واستيعاب الحليف الغاضب والرغبة في تنفيس الأزمة، يسمح ما يختبئ بين السطور بقراءة حجم الاحتقان بين الفريقين.
لم يُقنع بيان الحزب حليفه المسيحي كثيراً. بالنسبة إليه كان على الحزب أن يستدرك الموقف قبل الجلسة لأنّ التيار الوطني الحرّ كان واضحاً تماماً قبلها وأعدّ بياناً أعلن فيه مقاطعة وزرائه التسعة الجلسة. وكان فحوى خطابه أنّ عقد الجلسة خطوة غير دستورية في ظلّ غياب الرئيس. فلماذا التحدّي والإصرار على عقدها إذا كانت النيّات سليمة؟ لماذا لم يصدر أيّ موقف علنيّ من حزب الله يعلن أنّ انعقادها من أجل تسيير الملفّات الطارئة؟
وعليه، أرسل نواب التيار من خلال التصويت في جلسة الانتخاب التاسعة في مجلس النواب رسالةً واضحةً مفادها :
أوّلاً: لم يصوّت بكلّ أصواته لميشال معوّض فيقطع الحبل نهائياً مع الحزب، لكنّه دوزن بين ميشال وحده (1) ومعوّض وحده (1)، ومعوّض بدري ضاهر (1) وبدري ضاهر (3)، بالإضافة إلى الأوراق البيضاء.
ثانياً: أنزل “سكور” الأوراق البيضاء، للمرّة الأولى، إلى أن تعادلت مع أصوات ميشال معوّض. وبالتالي قال للحزب إنّ الخيارات مفتوحة في الرئاسة من دون أن يحسم الطلاق.
عاد البطريرك الماروني إلى لبنان وفي نيّته البحث جدّيّاً في الأزمة المستجدّة. فهل ترعى بكركي لقاء مسيحياً تحت عنوان مواجهة “الجلسة غير الدستورية” و”السطو على صلاحيّات الموارنة”
هل يستبدل الحزب باسيل بجعجع؟
بينما “يعزّ” على حزب الله اتّهامه بـ”نكث الوعد”، يقول نواب التيار إنّها ليست المرّة الأولى التي يعد فيها الحزب بأمر ولا يلتزم به تحت مسمّيات داخلية يعطيها الأولوية على التزاماته مع التيار في “بناء الدولة”، وأولى أولويّاته هي العلاقة مع الرئيس برّي.
بالعودة إلى الرئاسة، يقفل باسيل الباب على انتخاب فرنجية فيبقى الباب المسيحي الوحيد لرئيس تيار المردة هو باب معراب. تتوقّف مصادر مقرّبة من باسيل عند عدم إصدار القوات اللبنانية أيّ بيان أو موقف رسمي يرفض انعقاد جلسة مجلس الوزراء، واكتفائها ببعض مواقف نواب كتلة الجمهورية القوية: “لنرى ما الذي يحصل على خطّ معراب – عين التينة”. هل يذهب حزب الله إلى سمير جعجع للحصول على غطاء مسيحي لانتخاب فرنجية؟ هذا سيكون خاتمة الأعوام الستّة عشر بعد مار مخايل، تقول هذه المصادر.
في المقابل لا يزال التيار الوطني الحر يراهن على التقاء القوى المسيحية تحت سقف بكركي، ولا سيّما في هذا التوقيت. يدرك أنّه لم يعد يستطيع أن يفرض رؤيته ومرشّحه فرضاً، لكنّه جاهز للحوار مع القوات اللبنانية، ويتمنّى على معراب أن تعيد النظر في موقفها الرافض لعقد أيّ حوار تحت سقف بكركي.
تعويل على بكركي؟
في النهاية، الجميع اليوم محشور في الزاوية ويبحث عن مخرج. باسيل وجعجع يستطيعان طرح رئيس بشكل جدّي ومناقشته مع “المسلمين” من دون أن يسمحا بانتخاب رئيس بـ65 صوتاً بلا غطاء مسيحي نيابي وازن.
يقول التيار إنّه حتماً لن يكون استفزازياً في أيّ اسم سيطرحه، لكنّ حزب الله لا يستطيع أن يقرّر وحده من هو رئيس الجمهورية في لبنان. نُقل عن الرئيس برّي قوله إنّ الأزمة الرئاسية ليست لدى المسلمين، بل تمنّى على “إخواننا المسيحيين” أن يعالجوا هذه الأزمة. يقول مصدر مقرّب من باسيل إنّ المسلمين “يريدون رئيساً هم يسمّونه لا المسيحيون، وهذا هو لبّ المشكل”.
عاد البطريرك الماروني إلى لبنان وفي نيّته البحث جدّيّاً في الأزمة المستجدّة. فهل ترعى بكركي لقاء مسيحياً تحت عنوان مواجهة “الجلسة غير الدستورية” و”السطو على صلاحيّات الموارنة”. وللتعبير عن هذا الموقف، يزور باسيل بكركي اليوم ليناقش مع البطريرك الراعي الخطوات المقبلة وتداعيات هذه الأزمة الدستورية. على أن يوضح أن لا مشكلة شخصية بينه وبين فرنجية، إلا أنّ وصوله إلى الرئاسة لا يعكس تطلعات التيار، وعلى أن يطرح معه إمكانية رعاية حوار مسيحي، لطرح مرشحين رئاسيين من رحم الإجماع المسيحي.
عود على بدء، يتروّى التيار الوطني الحر في إعلان الحداد على تفاهم مار مخايل مدركاً تداعيات ذلك على باسيل المطوَّق من كلّ جهة والذي لا يزال يتقبّل العروض للسير في التسوية الرئاسية. وهذا ما عبّر عنه نائب تكتّل لبنان القوي ألان عون عندما قال ردّاً على سؤال عن إمكانية الطلاق مع الحزب: “أول شي بنام كلّ واحد بغرفة وبعدين بطلقوا”.
إقرأ أيضاً: باسيل ربح على ميقاتي بأمين سلام
كذلك يتروّى الحزب ويحرص على استيعاب الأزمة على قاعدة تهدئة النفوس وعدم المسّ بالميثاق مدركاً الأهمية الاستراتيجية لتحالفه مع الفريق العوني.
الحليف المسيحي لحزب الله لا يكفيه بيان لتبسيط ما حصل، فهو ينتظر خطوةً يمكن أن يقوم بها الحزب ليبني على الشيء مقتضاه. كثُر الكلام سابقاً عن مطبّات في العلاقة بينهما، لكنّ الأكيد أنّ تكريس الحزب لانعقاد جلسات حكومية في فراغ رئاسي أوّلاً، من دون حضور المكوّن المسيحي الأكثر تمثيلاً ثانياً، وسط إجماع مسيحي على عدم ميثاقية الجلسة ثالثاً، لن يكون عابراً بالنسبة إلى التيار الوطني الحر.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@