لبنان والعرب: الاستقبال الصعب للعام الجديد

مدة القراءة 7 د

يتنازعني في ما يتعلّق باجتماع حكومة تصريف الأعمال اعتباران:

الأوّل أنّ تصعيب الاجتماع ربّما كان مفيداً في الدفع باتّجاه التسريع بانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.

– الثاني أنّ اجتماع الضرورة هذا قد ينفع في تسيير بعض الأمور المتّصلة بحياة المواطنين، وبخاصّةٍ أنّها لم تعد محتملةً من سائر النواحي على الإطلاق.

والاجتماع على أيّ حال لن يؤثّر سلباً على معركة انتخاب الرئيس. ومن ناحيةٍ أخرى أو ثالثة هناك فريقان يعارضان الاجتماع بشدّة: فريق جبران باسيل، وفريق الدكتور سمير جعجع. من جهته، حدّد الدكتور جعجع مرشّحه للرئاسة فلا يمكن اتّهامه بالتعطيل. أمّا جبران باسيل فليس لديه مرشّح غير نفسه. وهذا لا يستطيع أحدٌ مساعدته فيه، حتى حليفه الحزب المسلَّح. لذلك يُسهم باسيل بتصرّفه هذا في تعطيل انتخاب الرئيس، فيصبح غير منطقيّ في معارضة اجتماع الحكومة التي له فيها حصّة وازنة، فلن يتقرّر شيءٌ بدون موافقته حضر أم لم يحضر. لكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟ ومتى كانت تصرّفات باسيل منطقية أو عقلانية؟

ما يزال العمل العربي المشترك من خلال الجامعة العربية ضرورةً قصوى. لكنّ مؤتمر القمّة العربي بالجزائر لم ينجح في ذلك

مع ذلك فإنّ الصهر المعجزة، الذي لا ينظر إلّا إلى مصالحه الشخصية، يستطيع القول لأنصاره وخصومه إنّه حقّق في زمن عمّه، بل وقبل ذلك، مئات العجائب والمعجزات، فلماذا لا تتحقّق له معجزة هي الواحدة بعد الألف على طريقة ألف ليلة وليلة؟!

الهول اللبنانيّ

لنخرج من هذه السخرية السوداء. في الطريق إلى جهنّم الرئيس ميشال عون، تراكمت على الوطن والدولة عشرات المشكلات التي لا يُفيد فيها اتّفاقٌ مثل “اتّفاق هوكستين”، كما سمّاه الياس بو صعب العظيم! وهذه المشكلات الكبرى لا تكفي لحلّها اجتماعات حكومة مثل الحكومة القائمة ولو كان رئيس الجمهورية حاضراً. يحتاج الأمر إلى حكومة ليس فيها باسيل ولا الحزب المسلَّح. إنّما ما لا يُدرَك كلُّه لا يُتركُ جُلُّه. وقد اشتهر الرئيس نجيب ميقاتي بتدوير الزوايا. لكنّه من كثرة ما دوَّر صار أسير لعبة التدوير أو الدوران حول نفسه وبدون مضمونٍ أو هدف، فلا حول ولا قوّة إلا بالله.

مشكلاتنا في منتهى الهول. وإذا كان أقصى همّنا اجتماع واحد للحكومة، فهذا عجزٌ وخزيٌ لا ينتهيان ولا علاج لهما لدينا. فلننصرف إذاً إلى بعض أحوال العرب الآخرين في عام 2023.

بلاء بالجملة 

نبدأ بالعراق الذي سُرِرنا لاستطاعته تشكيل حكومة، لكنّها حكومة مثل حكومات نوري المالكي العظيم. ما عدنا نجرؤ على التفاؤل لا في العراق ولا سورية ولا لبنان ولا ليبيا ولا اليمن، وحتى تونس، ولست أدري أين وأين أيضاً.

وبلاء العراق مثل بلاء سورية ولبنان. فهناك البلاء الداخلي الكبير. وهناك في سورية والعراق بلاء التدخّلين الإيراني والتركي. ولذلك أقصى ما يتمنّاه أحدنا لهذين البلدين العربيَّين العزيزين أن يحلَّ فيهما بعض الهدوء خلال العام المقبل. إنّما كيف يحدث ذلك أو سيحدث والرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتحدّث عن الغارات الأرضيّة والجوّية، والنظام الإيراني يريد إنهاء التظاهرات الداخلية بضرب المنطقة الكرديّة بالعراق بحجّة أنّ البلاء يأتي منها.

إنّما وبدلاً من المضيّ في سرد المصائب في ليبيا واليمن وتونس، دعونا نفتح صفحة أمل من طريق السودان.

اشتهر الرئيس نجيب ميقاتي بتدوير الزوايا. لكنّه من كثرة ما دوَّر صار أسير لعبة التدوير أو الدوران حول نفسه وبدون مضمونٍ أو هدف، فلا حول ولا قوّة إلا بالله

السودان وفلسطين

يكاد العسكريون والمدنيون السودانيون يتّفقون بعد طول خلاف على مسارٍ مدنيّ مدّته سنتان ينتهي بانتخاباتٍ عامّة. بعض التنظيمات المسلّحة، التي كانت قد هادنت، تعارض الاتّفاق. لكنّها لا تملك القدرة على إحداث اضطرابات كبيرة لأنّ السودان اتّفق مع إثيوبيا على الحدود وعلى حلّ بعض مشكلات سدّ النهضة، فما عادت هناك مصلحة في إعطاء السلاح للمتمرّدين من الطرفين في شمال السودان والتغرينيّين في إثيوبيا. ومن المعارضين أيضاً أنصار الرئيس السابق عمر البشير المسجون. لكنّهم بالفعل لا يستحون، فقد حكموا السودان ثلاثين عاماً وتركوه خراباً… لكنّ الغرض مرض.

هناك أمرٌ آخر قد يصبح واعداً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية. فقد اجتمع الملك الأردني عبد الله الثاني بالرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي بالقاهرة من أجل النظر في إمكان تحريك محادثات السلام. الوضع مقبضٌ جدّاً الآن، إذ يسقط شهيدان وأكثر كلّ يوم في الضفّة الغربية، وتُشنّ الحملات الكبرى على مخيّم جنين، فيما الأراضي المحتلّة متوتّرة جدّاً على مشارف تسلُّم حكومة متطرّفة جدّاً السلطة في إسرائيل. بالطبع، لا يعتمد الأردنيون والمصريون على اعتدال بنيامين نتانياهو، بل على انزعاج الأميركيين من انسداد الموقف. وقد يذهب الملك عبدالله إلى أميركا، إضافة إلى التحرّكات في المنظمة الدولية. وإذا عرفنا أنّ ستّ دول عربية لها علاقات بإسرائيل، بينها مصر والأردن، فلن يبدو غريباً أن تستطيع التأثير إن اجتمعت على توجُّهٍ واحد. الوضع خطير على الضفّة الغربية وعلى المسجد الأقصى وعلى غزّة، وهذا وقت التحرّك.

العرب والتنافس على الطاقة

بسبب الجوانب المختلفة لأزمة الطاقة، يُستحسن قول شيء ولو على سبيل الاستشراف: الإمارات استثمرت مع الولايات المتحدة 100 مليار دولار لاجتراح طاقةٍ نظيفة. وهناك رأي قرأته في “الإيكونومست” و”فورين أفيرز”: موارد البترول ستنفد على الرغم من الاكتشافات الجديدة. لذلك ليس الاستثمار في الطاقة النظيفة دافعه الخروج من التلوّث البيئي فقط، بل والحاجة إلى بدائل بعد ثلاثين أو أربعين عاماً. لكنّ هناك رأياً أو استشرافاً يقول إنّ الحاجة إلى موارد البترول ستبقى على الرغم من الاستثمارات الضخمة في الطاقة النظيفة. لذلك يتوقّعون أن يصل سعر البرميل عام 2030 إلى 150 دولاراً. وفي كلتا الحالتين أو التوقّعين، وسواء ظلّت للبترول الأولويّة أو صارت للطاقة النظيفة، فإنّ العرب يكادون يكونون في الصف الأوّل أو الثاني في المدى العالمي في المجالين.

وهذا أمر ممتاز. قبل شهور كما نعلم زار الرئيس جو بايدن المملكة العربية السعودية، والآن يزورها الرئيس الصيني. نعم، هناك تنافس على العرب، والعرب يستغلّون ذلك بذكاء.

العمل العربيّ المشترك      

إذا نظرنا إلى الناحية الأخرى نجد أنّ إردوغان أيضاً يريد علاقةً جيّدةً بمصر، والمصريون يستطيعون إعادة التواصل بين تركيا واليونان من أجل المديات الاستراتيجية، ويستطيعون من باب أَولى الوصول مع الأطراف المتدخّلة في ليبيا، ومنها تركيا، إلى موقفٍ يحفظ وحدة ليبيا واستقرارها. فكما يفيد التدخّل في فلسطين، يفيد التدخّل الهادئ في ليبيا.

ما يزال العمل العربي المشترك من خلال الجامعة العربية ضرورةً قصوى. لكنّ مؤتمر القمّة العربي بالجزائر لم ينجح في ذلك. فلا أقلّ من السعي من خلال المجموعات الصغيرة إلى التأثير في أزمة الطاقة، والأزمة الفلسطينية، والأزمة الليبية. وقد سبق القول إنّ المجموعة الثلاثيّة وعلى رأسها السعودية نجحت في الوصل بعد الفصل في السودان.

إقرأ أيضاً: الأفضل والأسوأ والأخطر في 2022؟

إذاً عام 2023 سيحفل بتوقّعات وانتظارات كثيرة وكبيرة للعرب بالتحديد.

لكنّ الواقع أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا توشك أن تصبح خطراً حقيقياً على النظام الدولي وعلى استقرار العالم. هذا وقد جرّب العالم أزمة الطاقة وأزمة الغذاء، فكيف إذا جرّب أزمة الأسلحة غير التقليدية؟

لمتابعة الكاتب على تويتر: RidwanAlsayyid@

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…