فرض التطوّر العلمي مفهوماً جديداً للحرب. لم يعد إطلاق النار مؤشّراً إلى البداية. إطلاق النار قد يكون النهاية.. والخطوة الأخيرة.
تكون البداية في التسلّل إلى أجهزة ومؤسّسات الحياة لدى “العدوّ” لتعطيلها: شبكة الكهرباء، شبكة الاتّصالات والمواصلات، شبكة توزيع المياه.. إلخ.
يؤدّي هذا التعطيل إلى إصابة الحياة العامّة بالشلل، وإلى انهيار الاقتصاد وانكشاف الأمن الداخليّ.
واشنطن الأولى في اختراق المنظومات الإلكترونيّة
من أجل ذلك تخصّص الولايات المتحدة ميزانية للأمن الإلكتروني تبلغ 27 مليار دولار، منها 10 مليارات لوكالة الأمن القومي وحدها. ومع ذلك تمكّن القراصنة من اختراق الشبكة الأميركية المغلقة. واعترفت الولايات المتحدة بذلك أكثر من مرّة. وتقوم بعمليات القرصنة قوى تعمل لحسابها العقائدي أو لحساب دولة أخرى (روسيا أو كوريا الشمالية مثلاً).
فرض التطوّر العلمي مفهوماً جديداً للحرب. لم يعد إطلاق النار مؤشّراً إلى البداية. إطلاق النار قد يكون النهاية.. والخطوة الأخيرة
تحلّ الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بين دول العالم التي تملك قدرات تستطيع اختراق جدار الأجهزة الإلكترونية للدول الأخرى. تليها الصين، ثمّ الاتّحاد الروسي الذي اتُّهم باختراق شبكة الاتصالات الإلكترونية لمرشّحي الرئاسة الأميركية في عام 2016، وهي التهمة التي تردّدت أيضاً خلال انتخابات عام 2020. وتشغل بريطانيا المركز الثالث، وقد تمكّنت بالفعل من اكتشاف وتعطيل 1,800 محاولة اختراق حتى الآن.
المفاجئ أنّ هولندا تتبوّأً المرتبة الرابعة، وهي في ذلك تتقدّم على ألمانيا وفرنسا وكندا. وقد تمكّن جهاز المراقبة الإلكتروني الهولندي مثلاً من اكتشاف محاولة اختراق كانت تقوم بها شبكة روسيّة، وذلك فيما تمكّنت هذه الشبكة الروسية من اختراق جدار وزارة الخارجية الأميركية.
إسرائيل خارج التصنيف
وحدها إسرائيل من بين الدول التي يُعرف أنّها متقدّمة في هذه التقنيّات الإلكترونية، تبقى خارج التصنيف، ذلك أنّها تحرص على الإبقاء على معلوماتها سرّية، وخاصة في الأمرين الأساسيّين: الإلكترونيّ والنوويّ.
خلال موجة التطرّف الإرهابي التي اجتاحت سوريا والعراق تحت عنوان “داعش”، كانت العمليّات العسكرية المرحلة الأخيرة في الحرب على هذا التنظيم الإرهابي. فقد تمكّنت أجهزة المخابرات الدولية بإمكاناتها الإلكترونية المتطوّرة من دخول الشبكة الداخلية للتنظيم وتعطيلها، فسادَ الارتباك في صفوفه، وتناقضت التعليمات، فأصبحت سهلةً عملياتُ اصطياد كبار القادة وتصفيتهم. وقد تمّت هذه العمليّات عبر معلومات جُمعت إلكترونياً، وليس عبر عملاء أو مخبرين من البشر.
انقلابات على المسرح الدوليّ
يشهد المسرح الدولي اليوم دوراً انقلابيّاً للمعارف الإلكترونية. صحيح أنّ الولايات المتحدة تملك أكبر قوّة عسكرية في العالم، لكنّ قوّتها الآن تكمن في أنّها تملك أحدث التقنيّات الإلكترونية التي تحملها أقمار صناعية وتدور بها حول الكرة الأرضية لتسجّل كلّ شاردة وواردة على سطح الكرة الأرضيّة، وفي فضائها أيضاً.
إقرأ أيضاً: أندونيسيا: “المشايخ الخضر” يواجهون “الاحتباس الحراري”
العرب خارج التطوير
صحيح أنّ الصين تملك أكبر جيش في العالم، لكنّ قوّتها الحقيقية لم تعُد في عدد الجنود، بل في قدرات أجهزة الاتصال والمراقبة الإلكترونية المنتشرة في الأرض وفي الفضاء.
بسبب هذه المتغيّرات، أنشأت جامعة هارفرد في الولايات المتحدة مركزاً لدراسة تطوّر القدرات الإلكترونية لدول العالم في الشرق والغرب على حدّ سواء. ويبلغ عدد الدول التي تشملها الدراسة المستمرّة ثلاثين دولة ليست بينها دولة عربية واحدة.