“أساس” مع قائد “الأسطول الخامس”: صواريخ إيران أخطر من النوويّ؟

مدة القراءة 5 د

لم يتأكّد لقائي الأدميرال براد كوبر قائد الأسطول الأميركي الخامس إلا في اللحظة الأخيرة، قبيل توجّهي بيومين فقط إلى المنامة لزيارة القاعدة الأميركية هناك. 

وصل الأدميرال قبل الموعد. أصرّ على أن تكون المقابلة داخل “غرفة الحرب” أو ما يسمّى War Room. ببذلة رسميّة تزيّنها الأوسمة، وبوجه مبتسم ونظرات ثاقبة سار داخل القاعة. رحّب بالحاضرين من فريق التصوير، واستدعاني للسير قربه. تغلّب لطفه على توقّعاتي.

هو رجل جدّي ومبتسم في آن، صارم وأفكاره متسلسلة، ولا يمانع التركيز على مساعيه “الجدّية” للتصدّي للتهديدات الإيرانية. إنّه يخطّط ويسعى إلى أن يكون فاعلاً دورُ قوّات بلاده في تأمين البحار.

الأسطول الخامس في استطاعته رصد الاعتداءات الإيرانية على الدول العربية، ومنع إيران وحلفائها من الحصول على الصواريخ وقطعها التي تهدّد بها أمن الرياض وأبو ظبي

تبيّن سيرته الذاتية أيّ نوع من الأدميرالات هو. يبلغ من العمر 55 عاماً، بخبرة عسكرية طويلة. يشغل حاليّاً منصب قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية وقائد الأسطول الخامس للولايات المتحدة وقائد القوات البحرية المشتركة. مناصب كثيرة، كلّها تعنى بمنطقتنا، في الشرق الأوسط، ومهمّات قوّاته تشارك في صياغة جزء كبير من استقرار بلادنا العربية، والأنظمة السياسية فيها.

شغل سابقاً منصب قائد القوات البحرية السطحية الأطلسية، وقبل ذلك منصب رئيس الشؤون التشريعية في البحرية الأميركية. ولذا هو على اطّلاع كامل على كلّ شاردة وواردة في شؤون الحرب، كما في شؤون السياسة.

كانت لديّ حشريّة مزدوجة للتعرّف على هؤلاء العسكريين عن كثب ولقائهم وجهاً لوجه. فغالباً ما تكون هذه القوات في الوسط، وتواجه التحدّيات والتهديدات، وتدفع ثمن السياسات العامّة والدبلوماسية الظرفية، فيما تكون “غير راضية” عنها في أغلب الأحيان. 

في الآونة الأخيرة برز اسم الأسطول الخامس أكثر من أيّ وقت مضى. مردّ ذلك التهديدات البحرية المتكرّرة الصادرة عن الجانب الإيراني، في إطار التجاذب بين إيران وأميركا، والتي توزّعت بين قرصنة واختطاف سفن تجارية وتهريب أسلحة ومخدّرات وتهديدات للأمن البحري والملاحة الدولية في مياه الخليج العربي والبحر الأحمر.

كان لا بدّ من الاقتراب من تلك السفن للوقوف على ما يواجهه الأسطول الأميركي لإتمام مهامّه على وقع سياسة “الدبلوماسيين” في واشنطن في مواجهة إيران، المتغيّرة وفق مزاج المحادثات النووية.

شدّد الأدميرال كوبر على أهميّة “التعاون مع الأفرقاء في المنطقة لضمان أمن الملاحة البحريّة والأمن البحري الإقليمي في خليج العرب والبحر الأحمر”. هذا كلام “دبلوماسي” تقريباً. لكنّه كشف عمّا حقّقه الأسطول الخامس في مجال “مواجهة القرصنة والاتّجار بالبشر ومكافحة تهريب السلاح والمخدّرات”. وأعلن إحباط تهريب “مخدّرات بقيمة مليار دولار خلال عامين و9 آلاف قطعة سلاح”. وتابع أنّ “إحدى العمليات ضُبطت فيها قطع غيار وقطع صواريخ تبيّن أنّ مثيلتها نُفّذت بها الهجمات على الرياض وأبو ظبي”.

ليس هذا الإعلان تفصيلاً. إذاً الأسطول الخامس في استطاعته رصد الاعتداءات الإيرانية على الدول العربية، ومنع إيران وحلفائها من الحصول على الصواريخ وقطعها التي تهدّد بها أمن الرياض وأبو ظبي.

واشنطن نفسها، باختلاف الإدارات، لا تجرؤ على التضحية بعسكريّيها في سبيل المصالح السياسية الآنيّة مع نظام طهران أو غيره

إيران المخدِّرات والسلاح

لا أقنعة أو دبلوماسية في كلام الأدميرال. كان واضحاً خلال اللقاء. إذ أكّد كوبر أنّ كلّ عملية اعترضوها أو أحبطوها كانت “إيران وراءها”. فالمخدّرات والسلاح “كانت أغلبها منطلقة من إيران وفي طريقها إلى اليمن”. شدّد في كلّ جواب على ذلك. وكشف الأدميرال أيضاً عن “أسطول المسيّرات في البحر الأحمر والخليج العربي الذي يزيد من مراقبة البحار ويضع أعيناً على مدار اليوم والأسبوع والعام”.

في ملفّات المنطقة والتهديدات التي تقف وراءها إيران، ذكر القائد الأميركي نقطة لافتة تختلف عن التصريحات الكلاسيكية الصادرة عن واشنطن بعطاء الولوية للنووي الإيراني. لم يكتفِ بالإدانة والاستنكار والاتّهام، بل تحدّث عن انتهاكات إيرانية وتهديدات. لم يفرّق الأدميرال كوبر بين المشروع النووي والبرامج الأخرى. وذلك بخلاف معظم الأجواء في واشنطن. كان واضحاً: “تهديد إيران متعدّد الجوانب ومتكامل، إنّه المشروع الصاروخي وتهديد الوكلاء والمشروع النووي”. يصرّ الأدميرال على أنّ التهديدات الثلاثة لا تتجزّأ ويجب التصدّي لها معاً.

كان الأدميرال كوبر هجوميّاً في مواجهة التهديدات الإيرانية. إنّهم العسكر! يختلفون عن الساسة والدبلوماسيين. يواجهون التحدّيات والتهديدات يوميّاً. إنّهم في فوهة المدفع. ما يقولونه أقلّ بكثير ممّا يشعرون به. وما قاله الجنرال كان أكبر ممّا قاله أيّ دبلوماسي.

العسكر الأميركيون في المنطقة جادّون في التعامل مع التهديدات مهما أتت أوامر من واشنطن بخفض التصعيد. إلا أنّ واشنطن نفسها، باختلاف الإدارات، لا تجرؤ على التضحية بعسكريّيها في سبيل المصالح السياسية الآنيّة مع نظام طهران أو غيره. التعليمات واضحة: عدم “المحاباة” مع أيّ تهديد. فكيف لو كان التهديد إيرانيّاً والأدميرال كوبر نفسه جدّيّاً جدّاً في مجابهة استفزازات إيران الهادفة إلى منع استقرار المنطقة؟

إقرأ أيضاً: الترسيم مع سوريا: “الشقيقة” غير السهلة أبداً

خلاصة القول أنّ كلام الجنرال فاق التوقّعات، وحزمه مع التهديدات الإيرانية بدّد المخاوف من أنّ القوات الأميركية متساهلة. شرح بإسهاب المشاريع والمهمّات الموضوعة للتصدّي لإيران. وهذا يختلف تماماً عن “تساهل” الإدارة الديمقراطية بواشنطن مع نظام الملالي، الذي غالباً ما تلمسه في اللقاءات الدبلوماسية في عهد الإدارة الحالية. 

عسكر واشنطن مختلفون عن دبلوماسيّيها! فالعسكر ينظرون من زوايا أخرى. يعرفون حقيقة التهديد العسكري وخطورته، أكثر من الساسة المقيمين في البيوت والمقرّات الآمنة.

*كاتب لبناني مقيم في دبي

لمتابعة الكاتب على تويتر: BadihYounes@

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…