منذ فترة يَنشط رجل الأعمال جيلبير الشاغوري على خطّ تقريب المسافات وفتح أقنية التواصل “المُنتجة” بين رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية ومفاتيح القرار في المملكة العربية السعودية.
يتزامن هذا التفصيل الرئاسي مع موقف متقدّم في سلبيّته حيال الرياض عَكَسه قبل أيام عضو مجلس شورى حزب الله الشيخ نبيل قاووق، لكن من دون رصد أمر عمليّات حزبيّ من جانب حارة حريك بمهاجمة المملكة أو سفيرها في لبنان وليد البخاري. إذ اتّهم المملكة بـ”أبشع تدخّل خارجي في شؤون لبنان الداخلية”، وأنّ “المسؤول الأوّل عن منع الحوار والتوافق بين اللبنانيين هو السفارة السعوديّة”.
يجزم مطّلعون أنّ دور الشاغوري، على محدوديّته، ليس بعيداً عن المظلّة الفرنسية المتحرّكة لإرساء تسوية مقبولة، ليس بالنيابة عن الأميركي ولا السعودي، لكن من باب تكريس دور بدأته باريس بُعَيد انفجار مرفأ بيروت عام 2019 واستكملته بمحاولات متكرّرة لكسر حالات الاستعصاء السياسي منذ استقالة حكومة حسان دياب وانكفاء سعد الحريري، ثمّ إعادة تسويق نفسه “مرشّحاً طبيعياً” لرئاسة الحكومة، ثمّ انكفاؤه مجدّداً تحت عنوان “الاعتزال المؤقّت للسياسة”، وصولاً إلى حكومة نجيب ميقاتي الثالثة والمستمرّة، ولائحة الشروط الإصلاحية التي كانت وما زالت مطلوبة “دوليّاً” من الحكومة اللبنانية لوضع قطار الحلّ الاقتصاي والماليّ على السكّة.
رجل الأعمال الأكثر قُرباً ودعماً لفرنجية، وكذلك للرئيس نبيه برّي، يدخل مجدّداً على خطّ التسويات المحتملة مذكِّراً بالدور الذي لَعِبه بالتنسيق مع الفرنسيين في مرحلة تبنّي الرئيس سعد الحريري لترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في 2015، قبل أن تأتي “الضربة القاضية” من سمير جعجع برفع كوؤس شمبانيا “اتّفاق معراب” الذي عبّد الطريق لانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية برعاية مباشرة من حزب الله.
الشاغوري، ابن مزيارة في زغرتا، هو من أقدم أصدقاء ميشال عون وأحد أقدم مموّليه السابقين قبل أن تسوء العلاقة عشيّة انتخاب عون رئيساً
سلّة حلّ كاملة؟
كثر يستذكرون اليوم لقاء باريس الشهير في تشرين الثاني 2015 حين لم تكن الطائرة الخاصّة للشاغوري، التي أقلّت فرنجية إلى باريس، قد وصلت بعد إلى مطار شارل ديغول، حتّى تلقّى رئيس تكتّل التغيير والإصلاح آنذاك ميشال عون اتصالاً هاتفياً من شخصيّة مقرّبة جدّاً منه تُعلِمه بمغادرة “الشيخ” الزغرتاوي مطار رفيق الحريري الدولي باتجاه العاصمة الباريسية للقاء الحريري في منزل الشاغوري. يومذاك حصل نفيٌ مشتركٌ من بيت الوسط وبنشعي للقاء حصل فعلاً، مذكّراً بـ”لقاء روما” بين عون والحريري في كانون الثاني 2014 من دون علم فرنجية.
الشاغوري، ابن مزيارة في زغرتا، هو من أقدم أصدقاء ميشال عون وأحد أقدم مموّليه السابقين قبل أن تسوء العلاقة عشيّة انتخاب عون رئيساً. تربطه علاقة وثيقة جدّاً بالرئيس برّي، وقد لعب أدواراً في السابق في تقريب وجهات النظر بين عون وبرّي، وبين عون وقوى أخرى. وحتّى الآن لم يُعرف إذا كان المسعى الفرنسي قد تطرّق إلى حلّ على شكل “سلّة” تشمل رئاستَيْ الجمهورية والحكومة، أو أنّ العمل يجري على خطّ الرئاسة الأولى فقط.
هدنة… ولكن
في المرحلتين، بين 2016 واليوم، لم يغيّر ميشال عون وجبران باسيل رأيهما في احتمال وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية. الفيتو هو نفسه، وقد ازداد تشدّداً بعد الولاية “العونيّة” الرئاسية، وبعدما تموضع فرنجية في المقلب المضادّ لسياسات العهد.
كان لافتاً في هذا السياق “الهدنة” التي تلت خطاب باسيل في فرنسا أمام مناصريه. إذ تُفيد المعطيات أنّ رئيس التيار الوطني الحرّ اتّصل بالرئيس برّي موضحاً خلفيّات حديثه الهجومي على فرنجيّة وبرّي من خلال نبش معادلة حكم الهراوي – برّي – الحريري، وهو الأمر الذي انعكس تهدئة للجبهات بين الطرفين شهدنا ترجمة لها في الإطلالة التلفزيونية للنائب علي حسن خليل على قناة “الجديد” ليل الأحد الفائت، وفي كلام باسيل الصريح لمناصريه بـ”أنّنا في مرحلة حوار وانفتاح”.
يجزم مطّلعون أنّ دور الشاغوري، على محدوديّته، ليس بعيداً عن المظلّة الفرنسية المتحرّكة لإرساء تسوية مقبولة، ليس بالنيابة عن الأميركي ولا السعودي، لكن من باب تكريس دور بدأته باريس
تجدر الإشارة إلى أنّ “توضيح” باسيل الأوّليّ لم يرضِ عين التينة، وهو ما دفع رئيس مجلس النواب إلى إصدار بيان تحدّث فيه عن معادلة عون – باسيل – جريصاتي قائلاً إنّ “ما كان الأمر عليه في عام 1990 نعتقد أنّه أفضل ممّا قُدّم لنا في السنوات الستّ الماضية”.
ولعل أهمّ ما أطلقه نائب حركة أمل من مواقف تلفزيونية هو التأكيد أن لا انفراج رئاسياً حتى مطلع العام المقبل. ولا يتوقّف الأمر على “وهج المونديال” كحدث عالمي تلتفت إليه معظم عواصم العالم ولا فترة الأعياد التي اعتادت الدولة اللبنانية أن “تعيشها” حتى في عزّ أزماتها وأخطرها، بل لأنّ المحرّكات الخارجية لأيّ تطوّر رئاسي وحكومي لا تزال شبه مطفأة، والفرنسيون تحديداً لم يسجّلوا أيّ خرق حتى الآن مع واشنطن أو الرياض بانتظار اللقاء المرتقب بين الرئيسين إيمانويل ماكرون وجو بايدن خلال القمّة الفرنسية – الأميركية المرتقبة بداية العام المقبل.
حصار باسيليّ
هي تفاصيل في “يوميّات الرئاسة” لا تحجب الأساس. فعلى الرغم من “الحصار الباسيليّ” وعدم إشهار حزب الله صراحةً ورقة فرنجيّة، لا يزال الأخير يتقدّم كلّ مرشّحي الرئاسة، وكلّما طالت جولات الأوراق البيضاء تكرّس الضغط أكثر لإزالة الألغام من أجل انتخابه رئيساً.
يبرز هنا معطى أساسيّ يفيد بأنّ لغم الداخل المتمثّل بموقف باسيل من انتخاب فرنجية هو سياسي أكثر منه مؤثّراً في عدّاد الأصوات لرئيس تيار المردة ما دامت المعطيات تؤكّد أنّ كتلة لبنان القوي المؤلّفة من 21 نائباً (مع الطاشناق) قد لا تصوّت بلوكاً واحداً بسبب تعارض الآراء داخلها الذي بات يتّخذ منحى انقسامياً. فهناك كتلة الأرمن (3) ومحمد يحيى الذين باتوا خارج حسابات باسيل نفسه في “بوانتاج” عدّاد التصويت لفرنجيّة.
يندرج ضمن “يوميّات الرئاسة” اللقاءُ الذي جمع يوم الأربعاء الماضي قائد الجيش مع مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، وقد اتّخذ أبعاداً رئاسية.
إقرأ أيضاً: الحزب يحاور فرنسا: همّها “مسيحيّ”.. وبكركي لا تمانع انتخاب فرنجيّة
في الشكل هي ليست الزيارة الأولى لمسؤول حزب الله لليرزة، لكنّ تسريب الخبر المقصود بدا كأنّ له دلالات رئاسية، ولا سيّما أنّ الزيارة أتت عقب خطاب الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله الذي فسّره البعض بأنّه شطب لاسم جوزف عون من لائحة المرشّحين للرئاسة. وفق معطيات “أساس”، لم يتطرّق اللقاء بحدّ ذاته إلى أيّ عرض رئاسي أو نقاش في حظوظ عون الرئاسية، لكنّه تناول خطاب السيّد وبعض المسائل الأمنيّة.
في هذا السياق، يُدرَج أيضاً التطرّف الباسيلي في التعامل مع احتمال انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية. ويعكس بعض نوّاب تكتّل باسيل حدّة هذا الرفض الذي لا يُقنعهم، لكنّهم ينقلون حرفيّاً رأي باسيل بجوزف عون: “مأجرم عليه”.