جاء القرار الأممي بقبول طلب دولة فلسطين التوجّه إلى محكمة العدل العليا في لاهاي لإصدار فتوى عاجلة تصوغ “الماهية القانونية للاحتلال الإسرائيلي، واستمراره في الضفّة الغربية والقدس الشرقية”، رسالة واضحة إلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة المزمع تشكيلها في تل أبيب، والتي ستضمّ أحزاباً يمينية دينية متطرّفة مثل “عوتسما يهوديت”.
شكّل القرار صدمةً هائلةً لإسرائيل، ولا سيّما أنّه يتزامن مع قرب تشكيل حكومة المتطرّفة بقيادة بنيامين نتانياهو، لتضمّ في عضويّتها تلميذَيْ منظّمة “كاخ” العنصرية الإرهابية المحظورة: إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. وتخشى إسرائيل أن يمثل تشكيل الحكومة الجديدة اليمينية وصدور هذا القرار، دفعةً كبيرةً لجهود تصنيف إسرائيل دولة فصل عنصري (أبارتهايد).
احتلال دائم
مساء يوم الجمعة الماضي صوّتت 98 دولة في لجنة الأمم المتحدة الخاصّة بالمسائل السياسية وإنهاء الاستعمار، بأغلبية ساحقة، على اقتراح فلسطيني يدعو إلى إصدار فتوى قانونية عاجلة من محكمة العدل الدولية في لاهاي التابعة للأمم المتحدة لتحديد “الماهية القانونية للاحتلال الإسرائيلي المستمرّ” للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية. وعارضت القرار 17 دولة وامتنعت 52 عن التصويت. ومن بين المعارضين: الولايات المتحدة الأميركية، إيطاليا، ألمانيا، أستراليا، كندا، النمسا، وجمهورية التشيك. وطبقاً لصيغة القرار، يطلب الفلسطينيون من محكمة العدل أن تقرّر أنّ الاحتلال الإسرائيلي ليس مؤقّتاً على النحو المنصوص عليه في القرار 242 لمجلس الأمن، بل حالة دائمة تقوم على الضمّ بحكم الأمر الواقع، أي أنّه ينبغي أن ينتهي من خلال مفاوضات تقوم على صيغة الأرض مقابل السلام.
يوضح الخبير الإسرائيلي أنّ “القانون الدولي هو عمليّة إجرائية، ولن يؤدّي مثل هذا الرأي إلى وجود قوة تدخّل لتحرير الشعب الفلسطيني حاليّاً
كان لافتاً تأييد أوكرانيا القرار الأممي بالتوجّه إلى محكمة العدل الدولية. وهذا ما دفع السفير الإسرائيلي لدى أوكرانيا ميخائيل برودسكي إلى أن ينتقد تأييد كييف إقرار الأمم المتحدة اقتراحاً فلسطينياً بإصدار محكمة العدل الدولية في لاهاي فتوى قانونية عاجلة بشأن “احتلال الضفة الغربية”، ويعتبره مخيّباً للآمال.
كذلك الحال مع إسرائيل الرسمية، التي أبدت انزعاجها الشديد من القرار، وسعت إلى عرقلة مساعي السلطة الفلسطينية إلى إلزام المحكمة الدولية بإبداء رأيها القانوني بخصوص شرعية الاحتلال الإسرائيلي.
عباس وواشنطن
وكشف موقع “واي نت”، التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت، كواليس اتصال هاتفي بين الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ والرئيس محمود عباس بشأن التراجع عن الطلب الفلسطيني المقدّم للأمم المتحدة. ووفقاً للموقع فقد هاتف هرتسوغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وحاول إقناعه بتأجيل خطوة الطلب من الأمم المتحدة صياغة فتوى قانونية تتعلّق باحتلال الضفة الغربية، إلّا أنّ الأخير رفض ذلك.
ولفت الموقع إلى أنّ الولايات المتحدة لم تكن متحمّسة كثيراً للمساعدة في وقف القرار، لأنّها لا ترتاح للحكومة الإسرائيلية المزمع تشكيلها. ونقل الموقع عينه عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إنّ إسرائيل تواجه مشكلة كبيرة لأنّ الجميع أدركوا أنّ ردّ الفعل على تشكيل الحكومة الجديدة والرأي العامّ السائد مفادهما أنّه جرى انتخاب حكومة متطرّفة ولا جدوى من التعاون معها أو الاستماع إليها. واعتبر أنّ “هذه المشكلة ستزداد سوءاً، وهذا ما حدث في الأمم المتحدة”.
القانون لا يحرر فلسطين
وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس قال إنّ تحرّك الفلسطينيين إلى محكمة العدل العليا في لاهاي لن يؤدّي إلا إلى الإضرار بالاستقرار في المنطقة والقدرة على التوصّل إلى تفاهمات في المستقبل. وأضاف: “سير الفلسطينيين إلى المحكمة في لاهاي هدف خاص يبعدهم عن أيّ إنجاز سياسي”. بينما قال البروفسور إلياف ليبليخ، الخبير في القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة تل أبيب، أنّ من “المهمّ أن تفهم تل أبيب أنّ الفلسطينيين بتوجّههم إلى محكمة العدل الدولية يطرحون على المحكمة سؤالين: أوّلهما يتعلّق بالتداعيات القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمرّ لحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والاحتلال المستمرّ، والمستوطنات والاستيطان في الأراضي المحتلّة منذ عام 1967، وتغيير الوضع الديمغرافي ومكانة القدس، واعتماد تشريعات وإجراءات تمييزية أخرى. وثانيهما: كيف تؤثّر جميع الأفعال المنسوبة إلى إسرائيل في السؤال الأول على الوضع القانوني للاحتلال نفسه، وما الأهميّة القانونية لدول في الأمم المتحدة في ما يتعلّق بهذا الوضع القانوني”.
على الرغم من صدور عشرات القرارات الأممية بشأن فلسطين، التي ضربت بها تل أبيب عرض الحائط، يتخوف المسؤولون الإسرائيليون من رأي المحكمة الدولية
ويوضح الخبير الإسرائيلي أنّ “القانون الدولي هو عمليّة إجرائية، ولن يؤدّي مثل هذا الرأي إلى وجود قوة تدخّل لتحرير الشعب الفلسطيني حاليّاً. فالقانون لا يعمل بهذه الطريقة، يخلق نوعاً من الرواية التاريخية التي ستظلّ موجودة إلى الأبد”.
تخوف إسرائيلي
على الرغم من صدور عشرات القرارات الأممية بشأن فلسطين، التي ضربت بها تل أبيب عرض الحائط، يتخوف المسؤولون الإسرائيليون من رأي المحكمة الدولية. ويرون أنّ لهذه الخطوة تبعات دبلوماسية ودولية “ذات أهميّة خاصة” قد تكون ضارّة لإسرائيل، ومن شأنها أن تعرّض قادة قوات الأمن الإسرائيلية لخطر الملاحقة القانونية. ويمكن أن يحمل القرار تبعات ليست جيّدة على الدولة العبرية، لأنّه يمكن ببساطة أن تستخدمه الجهات والجمعيات المناهضة لإسرائيل، ومن بينها حركة “بي دي إس” الناشطة في مقاطعة إسرائيل، من أجل تبنّي قرارات وممارسة الضغط على شركات تجارية لمقاطعة شركات في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وكلّ المناطق الواقعة خارج الخط الأخضر ووسم منتجاتها.
إقرأ أيضاً: في ذكرى رحيل أبي الفلسطينيّين: ياسر عرفات صانع الأمل
هذه المخاطر ظهرت في تصريح السفير الإسرائيلي جلعاد أردان في الأمم المتحدة قائلاً: “قراراً في لاهاي ضدّنا قد يؤدّي أيضاً إلى دعاوى قضائية تطالب بحقّ عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين وتقسيم القدس”. وهدّد أردان الفلسطينيين بقوله: “الخطوات الأحاديّة الجانب من قبل الفلسطينيين ستقابَل بخطوات أحاديّة الجانب. لا تقولوا إنّكم لا تعرفون”.
*كاتبة فلسطينية