السعوديّة ردّاً على تهديدات إيران: عروبة العراق أوّلاً

مدة القراءة 6 د

الهجوم الذي شنّه قائد حرس الثورة الإيرانية الجنرال حسين سلامي على المملكة العربية السعودية، والتهديد بنقل المعركة إلى داخل السعودية واستهدافها في بنيتها التحتية، لم يكونا كما حاول أن يوحي به نتيجة تحميلها مسؤولية دعم الحراك الاعتراضي الذي تشهده محافظة سيستان وبلوشستان ذات الغالبية السنّيّة والمحافظات الكردية والعربية، علماً أنّ ما يجدر الإنتباه له في هذا السياق هو أنّ مواقف سلامي جاءت متعارضة مع موقف المرشد الأعلى السيد علي خامنئي الذي ذهب إلى توجيه الاتّهام إلى الإدارة الأميركية وجهاز الاستخبارات المركزية بالوقوف وراء الإضطرابات الحاصلة في بلاده.

إذن ما الذي دفع قائد الحرس إلى خيار مهاجمة السعودية واتّهامها بالتدخّل في الشؤون الداخلية للنظام الإيراني والتلويح بحرب مفتوحة معها؟ يكمن الجواب على هذا السؤال في مكان آخر وبعيد عن الحراك الشعبي والاحتجاجات الشبابية التي تشهدها المدن الإيرانية، ويبتعد أكثر عن أجواء تشييع ضحايا الاعتداء الإرهابي الذي وقع في أحد المزارات الدينية في مدينة شيراز جنوب إيران.

 

التهجّم على السعودية للتعمية عن الاضطرابات

وسواء كان لدى النظام الإيراني نيّة جدّية للقيام بعمل عسكري، أو رفع مستوى التهديد فقط، فإنّ القيادة العسكرية لحرس الثورة الإيرانية، أو رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان النائب وحيد جلال زاده، لم يجدا أمامهما سوى السعودية ليلقيا عليها مسؤولية ما تواجهه إيران من تحدّيات نتيجة الحراك الاعتراضي والتظاهرات التي تشهدها المدن الإيرانية بعد مقتل الفتاة مهسا أميني، وذلك من بوّابة الدور الذي لعبته قناة “إيران إنترناشيونال” التي تصنّفها الأجهزة الإيرانية قناةً سعوديّة تحصل على تمويل مباشر من الديوان الملكي.

الموقف السعودي من التطوّرات السياسية العراقية، وإن كان يصبّ في إطار وسياق الانفتاح على الأشقّاء العرب وتعزيز العلاقة معهم وترميم ما أصابها من خلل في السنوات الماضية

صلابة سعودية ـ مصرية ـ أردنية وخيبة إيرانية

القرار الذي اتّخذته القيادة السعودية، ومعها القيادتان الأردنية والمصرية، والذي قضى بتعليق مفاوضاتها مع الحكومة الإيرانية، كان المؤشّر الأبرز إلى خلفيّة موقف قائد الحرس الإيراني، وإن جاء قرار الثلاثية العربية في الظاهر نتيجة معلومات عن وجود نيّة إيرانية للقيام بعمل عسكري أو أمنيّ ضدّ المملكة العربية السعودية. وقد شكّل هذا القرار صدمة أو مفاجأة للقيادة الإيرانية التي كانت تتوقّع دفع هذه الدول إمّا إلى ردّات فعل غير مدروسة تصبّ في المصلحة الإيرانية، وإمّا إلى تنشيط الحوار مع طهران بالاتجاه الإيجابي وضمن الشروط الإيرانية تحت وطأة هذا التهديد.

لم تكن التوقّعات الإيرانية بعيدة عن إمكانية حصول توتّر في العلاقة مع المثلّث العربي (السعودي الأردني المصري) على خلفيّة الدور والنفوذ اللذين تمارسهما طهران في تركيب المشهد العراقي، خاصة الجهود التي بذلها ويبذلها قائد قوة القدس الجنرال إسماعيل قاآني لإعادة القوى والأحزاب والفصائل والميليشيات الموالية لإيران إلى موقع القرار، ومساعدتها على الإمساك بمفاصل تشكيل الحكومة الجديدة على حساب القوى العراقية المعتدلة أو المستقلّة التي تبتعد عن الخيار الإيراني وترفض التبعية التامّة لطهران من دون الدخول في عداء مفتوح ومجانيّ معها.

 

دعم العرب للعراق صدم إيران

يرجع سبب الصدمة الإيرانية من الموقف السعودي خاصة، والعربي عامة، إلى البراغماتية التي تعاملت بها الرياض مع تشكيل الحكومة العراقية وتولّي مرشّح “الإطار التنسيقي” وعضو حزب الدعوة – تنظيم الداخل محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة (وقد سبق للسوداني أن أعلن استقالته من الحزب)، فجاء موقف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الذي أكّد “ترحيب المملكة بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة ومواصلتها تقديم الدعم اللازم”، ليرسم أبعاد التوتّر الإيراني الذي ينظر بسلبيّة عالية إلى الدور السعودي بما يمثّله من عمق وحضن عربيَّين للعراق، ومن تحدٍّ طبيعي غير مفتعل لدور ونفوذ طهران وإمساكها بمفاصل القرار السياسي والأمني والاقتصادي في هذا البلد.

الموقف السعودي من التطوّرات السياسية العراقية، وإن كان يصبّ في إطار وسياق الانفتاح على الأشقّاء العرب وتعزيز العلاقة معهم وترميم ما أصابها من خلل في السنوات الماضية، فإنّه لم يأتِ منفرداً وحصرياً، بل اتّسع ليكون عربيّاً عامّاً من خلال البيان الختامي للقمّة العربية التي استضافتها الجزائر، الذي أكّد “دعم حكومة السوداني وتحقيق الاستقرار للشعب العراقي”، وعزّزه الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد بالسوداني وتأكيده “أهمّية تنمية الشراكة وتنسيق المواقف لمواجهة التحدّيات الاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة لدول المنطقة وشعوبها المتآخية”.

لا شكّ أنّ التمسّك العربي، وتحديداً الخليجي، وبالأخصّ السعودي، بالانفتاح واستمرار التعاون والحضور في المشهد العراقي، شكّل المحرّك لغريزة قائد الحرس الإيراني للهجوم وتهديد الرياض، لأنّ مؤسسة الحرس الثوري التي تعتبر العراق حديقتها الخلفيّة وهي التي تعطيها القدرة على التدخّل والتأثير في أوضاع المنطقة ومستقبلها واستقرارها، تتخوّف من هذا الحضور والدور العربيَّين المتناميَين والفاعلَين في العراق، اللذين يؤسّسان لعودة قويّة وثابتة في إطار رؤية عربية واضحة موحّدة الموقف من القضايا التي تخصّ العالم العربي والتحدّيات التي تواجهه على مختلف المستويات. بهذا المعنى فإن التدخل والتأثير العربيان ينازعان وينافسان الدور والنفوذ الإيرانيَّين في بلاد الرافدين.

إنّ ردّة فعل الثلاثية العربية (السعودية ومصر والأردن) على تهديدات حرس الثورة، وإن كان التعبير المباشر عنها هو وقف الحوارات مع طهران، لكن الرسالة الأهمّ من هذه الدول إلى طهران هي تأكيد حرصها على عدم إخلاء الساحة للنفوذ الإيراني في العراق. كما أن مضمون الموقف العربي الثلاثي هذا قال بوضوح شديد إنّهُ لن يكرّر التجربة الماضية يوم انكفأ عن التعاطي مع الشأن العراقي وقيادته السياسية مهما كانت انتماءاتها وتوجّهاتها، لكن ضمن ثوابت الجوار والعمق العربي مع العراق.

إقرأ أيضاً: العراق يُطمئن السعودية ويتمسك بعروبته؟

إنّ ردّة الفعل الثلاثية هذه تعني أن الدول الثلاث لن تخضع للابتزاز الذي يهدف إلى إجبارها على الانسحاب السياسي والتخلّي عن دورها في إنقاذ العراق وإعادة الاستقرار إليه كجزء من منظومة الأمن العربي، خاصة أنّ هذه الدول بدأت مساراً واضحاً في بناء تفاهمات حقيقية وعملانية مع الحكومات العراقية السابقة، وتصرّ على استكمالها مع الحكومة الجديدة، وبالتالي لن تُخلي الساحة للّاعب الإيراني، كما روّجت بعض الأطراف التي أشاعت أنّ تولّي مرشّح “الإطار التنسيقي” لرئاسة الوزراء سيتبعه قرار عربي بالانسحاب من العراق، كما حصل في العشريّة الأولى من القرن الحالي.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…