33 سنة على إقرار اتفاق الطائف. شُنّت حروب وصيغت مؤامرات لإسقاطه. تساقط البعض من المتآمرين، والبعض الآخر بدأ بالتراجع معلناً تمسّكه به مباشرة أو بالواسطة. إلا ان اتفاق الطائف بقي هو الحلّ. الخشبة الوحيدة التي يمكن لنا كلبنانيّين التعلّق بها للنجاة بوطننا وسط هذه الأمواج العاتية. لافتاً كان المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان عندما أعلن الاسبوع الفائت التمسّك باتفاق الطائف وبوجوب تنفيذه، ناسخاً بذلك كل دعواته السابقة لتغيير النظام، ومتراجعاً عنها.
“تطبيق الطائف” ليس مطلباً بل هو حاجة وطنية ووصفة وحيدة كي يبقى لنا وطن اسمه لبنان.
من هنا يفتح “أساس” ملف “تطبيق الطائف” في الذكرى الـ33 على إقراره، وذلك من خلال سلسلة مقالات وحوارات مع شهود على ولادته، وحرّاس على تطبيقه. حوار اليوم مع النائب والوزير السابق بطرس حرب، الذي كان مشاركاً في المؤتمر وشاهداً على توقيع الاتفاق. بالنسبة إليه من دمّر حقوق المسيحيين هو الرئيس ميشال عون، وليس الطائف.
حرب: اتفاق الطائف وُضِع لمصلحة لبنان، وأنا من المؤمنين أنّ مسيحيّي لبنان باستطاعتهم العيش أينما كان في الخارج، لكن لا يمكن أن يعيشوا كلبنانيين إلا إذا أنجزنا اتفاقاً نعيش بموجبه نحن والمسلمون معاً
اتفاق الطائف وُضع كي ينفّذه رجال دولة، أي رجال كبار ليس بالطول أو العرض، بل بالمصداقية والمسؤولية الوطنية.
هذا ما يراه النائب والوزير السابق بطرس حرب. وهو أحد المشاركين في صياغة “اتفاق الطائف”، وكان أحد المرشّحين لرئاسة الجمهورية عندما أُقرّ الاتفاق.
يقول النائب حرب في حوار مع “أساس”: “كي نستطيع تطبيق اتفاق الطائف علينا أوّلاً العودة إلى الالتزام به واحترام ما ورد فيه، وثانياً أن نختار أناساً مسؤولين عن البلد على المستوى الأخلاقي هدفهم خدمة مصلحة الوطن ومصلحة الشعب اللبناني، وليس مصلحة عائلاتهم أو أحزابهم أو طوائفهم، وإن لم يكن هناك رجال بهذا المستوى فعبثاً نحاول. فأفضل دستور إذا نفّذه أناس سيّئون يُصبح أسوأ دستور، وأسوأ دستور في العالم إن أعطيته لأناس صالحين فسينفّذونه بطريقة جيدة. المشكلة هي في البشر، وللأسف ليس لدينا قيادات على مستوى المسؤولية، ومَن هم في سدّة المسؤولية لا يؤتمنون على مصالح البلد ومصير اللبنانيين”.
يحذّر النائب حرب من المساس باتفاق الطائف تحت أيّ عنوان لأنّ المساس به يعني زوال لبنان: “اتفاق الطائف وُضِع لمصلحة لبنان، وأنا من المؤمنين أنّ مسيحيّي لبنان باستطاعتهم العيش أينما كان في الخارج، لكن لا يمكن أن يعيشوا كلبنانيين إلا إذا أنجزنا اتفاقاً نعيش بموجبه نحن والمسلمون معاً. وُضع اتفاق الطائف على أساس أنّه نظام نعيش فيه من دون أن يخاف بعضنا بعضاً، بحيث تكون حقوق كلّ طرف محفوظة ضمن إطار تركيبة سياسية دستورية. لم يوضع على حساب المسيحيين، ولا على حساب المسلمين، بل وُضع لمصلحة لبنان، وإنّ تنازل أيّ طائفة عن بعض امتيازاتها هو لمصلحة لبنان، وليس لمصلحة طائفة أخرى، وهذا للأسف لم يفهمه كثيرون. التجارة السياسية في لبنان معروفة، فمثلاً تصوّر ميشال عون الذي باع هو وصهره لبنان لحزب الله ولإيران ولسوريا يتحدّث عن حقوق المسيحيين. إنّهم يتاجرون بحقوق المسيحيين، وأنا أحذّر الجميع: إن سقط الطائف، سقط لبنان ولن يبقى المسيحيون في لبنان”.
حرب لـ”أساس”: اتفاق الطائف ليس مقفلاً، بل فيه نافذة مفتوحة على المستقبل، ولذلك يمكننا النظر عبره وتطويره بالتجربة والممارسة بما يحفظ وحدة البلد، فنحصي الأخطاء والثغرات ونعالجها بدون المسّ بالأسس، وهذا ما يجب أن يكون اليوم
حروب عون دمّرت المسيحيين
يرفض النائب حرب الانتقادات التي تُوجّه لاتفاق الطائف وللنواب المسيحيين الذين شاركوا فيه: “سهل جداً اليوم بعد 30 سنة توجيه الانتقادات، إلا أنّ الذي عايش فترة ما قبل الطائف يعرف أنّ المسيحيين هُجّروا وقُتلوا ودُمّر البلد في حروب عبثية قام بها رئيس جمهوريتنا الحالي، الذي نشكر الله أنّ ولايته ستنتهي قريباً. في سبيل الوصول إلى رئاسة الجمهورية، خاض حرباً عبثيّة سمّاها آنذاك تحرير لبنان من الجيش السوري أو إخراج الجيش السوري، وكانت النتيجة أنّ الـ30 ألف عسكري سوري الذين كانوا موجودين في لبنان قبل إعلان الحرب صاروا خمسين ألفاً بعد الحرب التي خاضها من دون أن يحقّق شيئاً. دمّر البلد ولم يكتفِ، بل أكمل تدميره بعدما خرجنا من الطائف من خلال شنّه حرباً ضدّ القوات اللبنانية خرّبت ما بقي من البلد. ما قمنا به آنذاك أنّنا أوقفنا الحرب، وهذا أهمّ شيء. لقد اجتمعنا نحن اللبنانيين وقرّرنا وقتذاك حلّ الميليشيات وجمع السلاح. خرجنا من وراء المتاريس وجلسنا إلى طاولة حوار، وبنينا أسس دولة يكون فيها المسلم مرتاحاً والمسيحي مرتاحاً، لأنّ المسلم كان يقول “أريد المشاركة في السلطة”، والمسيحي كان خائفاً من المسلم. أنهينا بعض المواضيع الخلافيّة، مثل هويّة لبنان العربية، فلبنان بلد عربي على رأي البطريرك خريش رحمه الله لمّا زاره ذات مرّة وزير الخارجية العراقي طارق عزيز وعرّفه عن نفسه: “أنا طارق حنّا عزيز، أنا مسيحي”، ويومئذٍ ضحك البطريرك، وقال عزيز: “بتعرف هيدا لبنان ذو وجه عربي ليش ما بتحطوا عربي؟”، فأجابه البطريرك: “ليش الإنسان بينعرف من وجهه أو من قفاه، وجهه عربي يعني عربي”. وأوضحنا أمراً أساسيّاً، وهو أنّ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وأن لا توطين ولا تجزئة ولا تقسيم. قبل الطائف كان رئيس الجمهورية لديه صلاحيات أبعد من صلاحيات رئيس جمهورية أميركا، وكان يسمّي رئيس حكومة بدون استشارات. كان يعمل استشارات طبعاً لكن كان حرّاً في أن يُسمّي الرئيس. وفي الطائف قيّدنا هذه الحرّية وقلنا إنّ الأكثرية النيابية تُسمّي الرئيس”.
لا حصّة للرئيس حكومياً
يرفض النائب حرب مقولة إنّ لرئيس الجمهورية حصّة في الحكومة: “هذا خطأ كبير. رئيس الجمهورية هو رئيس كلّ الوزراء وليست لديه حصّة، وعندما تكون لديه حصة فهذا يعني أنّه وضع نفسه في متراس في مواجهة الآخرين. هذا الاتفاق يحتاج إلى أناس على مستوى أخلاقي ووطني وثقافي غير المستوى الذي نراه. بكلّ صراحة، هذا الاتفاق ليس فيه شي اسمه محاصصة أو طائفية”.
يتناول النائب حرب أسباب عدم تطبيق اتفاق الطائف شارحاً أنّ “السبب الرئيسي هو اجتياح العراق الكويت، ما أدّى إلى تسليم لبنان إلى سوريا. وثانياً تخلّي الدول العربية عن متابعة تنفيذ الطائف. عندما كنّا بالطائف رفضنا الموافقة على أيّ شيء إذا لم تتعهّد الدول العربية، ولا سيّما اللجنة الثلاثية التي كانت تضمّ الملك فهد بن عبد العزيز والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد وملك المغرب الحسن الثاني. وقتئذٍ اعترضنا وطلبنا أن يصدر تعهّد بتنفيذه ومتابعة تنفيذه وإلّا فلن نسير بالاتفاق. عندئذٍ صدر بيان أكّد هذا الأمر. وعندما غزا العراق الكويت، انتهى هذا الموضوع. وكان ورد في البيان تقديم مساعدات ماليّة للبنان، وكان يتمّ الإعداد لهذا الأمر، وعندما حدث الغزو طار كلّ شيء”.
إقرأ أيضاً: إدمون رزق لـ”أساس”: فشل الطائف سببه الأشخاص لا النصوص
يختم النائب حرب كلامه لـ”أساس” بالقول: “اتفاق الطائف ليس مقفلاً، بل فيه نافذة مفتوحة على المستقبل، ولذلك يمكننا النظر عبره وتطويره بالتجربة والممارسة بما يحفظ وحدة البلد، فنحصي الأخطاء والثغرات ونعالجها بدون المسّ بالأسس، وهذا ما يجب أن يكون اليوم”.