33 سنة على إقرار اتفاق الطائف. شُنّت حروب وصيغت مؤامرات لإسقاطه. تساقط البعض من المتآمرين، والبعض الآخر بدأ بالتراجع معلناً تمسّكه به مباشرة أو بالواسطة. إلا ان اتفاق الطائف بقي هو الحلّ. الخشبة الوحيدة التي يمكن لنا كلبنانيّين التعلّق بها للنجاة بوطننا وسط هذه الأمواج العاتية. لافتاً كان المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان عندما أعلن الاسبوع الفائت التمسّك باتفاق الطائف وبوجوب تنفيذه، ناسخاً بذلك كل دعواته السابقة لتغيير النظام، ومتراجعاً عنها.
“تطبيق الطائف” ليس مطلباً بل هو حاجة وطنية ووصفة وحيدة كي يبقى لنا وطن اسمه لبنان.
من هنا يفتح “أساس” ملف “تطبيق الطائف” في الذكرى الـ33 على إقراره، وذلك من خلال سلسلة مقالات وحوارات مع شهود على ولادته، وحرّاس على تطبيقه. حوار اليوم مع “الذي صاغ الاتفاق”، النائب والوزير السابق إدمون رزق.
هو من صاغ مشروع اتفاق الطائف بطلب من مجلس الوزراء فأقرّه دون تعديل وحوّله إلى مجلس النواب ليقرّه بحذافيره وحرفيّته بلا تعديل كلمة واحدة فيه. إنّه وزير العدل والنائب السابق إدمون رزق الذي وقف مرّة متحدّياً ميشال عون بعد رفضه الخروج من قصر بعبدا صارخاً بوجهه: “إنت شو بدّك؟ خاطبني أنا، وقاتلني أنا، ودع الناس ترتاح”.
إدمون رزق في حواره مع “أساس” في الذكرى 33 لاتفاق الطائف لم يتبدل أو يتغيّر. فهو صاحب الصوت العالي والكلمة الصائبة والموقف الوطني والمتمسّك باللغة العربية وجمالها
التطبيق لا التلفيق
إدمون رزق في حواره مع “أساس” في الذكرى 33 لاتفاق الطائف لم يتبدل أو يتغيّر. فهو صاحب الصوت العالي والكلمة الصائبة والموقف الوطني والمتمسّك باللغة العربية وجمالها.
يرفض رزق مقولة إنّ اتفاق الطائف ليس لبنانياً: “هذه مزايدات غبية. لا وجود لمسيحي ومسلم في الطائف، هناك فقط لبنان. إنه اتفاق لبناني بين اللبنانيين بضمانة وتأييد عربيين ودوليين. اللبنانيون هم من كتبوا الطائف واتفقوا على بنوده وأيّده العرب والغرب”.
يرى الوزير رزق أن الخطوة الأولى لتطبيق الطائف لا علاقة لها بالنصوص ولا بالمؤتمرات، بل بالاشخاص: “لتطبيق الطائف علينا أن نأتي بأشخاص مؤهّلين، فلا يمكن إيكال مهمة الكتابة لشخص أمّيّ. ولا يمكنك أن تولي السلطة لمقتنصي الفرص والطامعين بالحصص”.
بالنسبة إليه “اتفاق الطائف هو اتفاق الوفاق الوطني على أسس عقلانية ومنطقية ومبدئية، وكان يحتاج إلى تطبيق لا إلى تلفيق ولا إلى تعديل. وبحذافيره هو الأصلح لتوحيد اللبنانيين، وضمان استقلال لبنان بانتمائه الوطني والعربي وانفتاحه الدولي. هذا اتفاق أنا كتبته حرفياً، يعني التعديلات الدستورية كما كتبتها أُقرّت”.
كنا لبنانيين فقط
عند سؤاله عمّا قدّم اتفاق الطائف للمسيحيين، يجيب: “قدّم للّبنانيين. نحن لم نكن مسلماً ومسيحياً. وهنا أريد ان أشدّد وأؤكّد أنّه في الطائف لم نكن نواباً مسيحيين ومسلمين. كنا نواباً لبنانيين، وكنا نفكر لبنانياً من منطلق أصالة وطنية وانتماء عربي وانفتاح إنساني حضاري. هذا كان الأفق الذي عاش فيه المجتمعون في الطائف. لم نعش مسيحيين ومسلمين. عشنا لبنانيين. وهذا ما افتقدناه وافتقرنا إليه عبر العهود التي خلفت المرحلة الأولى والتي كانت نتيجة اغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوض. كان هذا الاغتيال استهدافاً للبنان اللبناني، ولا يحتمل لبنان إضافة أيّ نعت آخر إليه. وبما هو لبناني فهو عربي طبعاً وإنساني حتماً”.
رزق لـ”أساس”: “عندما ناقشنا تكليف رئيس الحكومة وصلاحيات رئيس الجمهورية في الطائف، افترضنا أنّ هناك مستوى من الوعي عند الأشخاص الذين يتولّون السلطة
يروي الوزير رزق في حديثه لـ”أساس” تفاصيل النقاش الذي شهده الطائف حول تكليف رئيس الحكومة وصلاحيات رئيس الجمهورية: “بدايةً لا بدّ من التذكير أنّنا لسنا في نظام رئاسي، بل إنّ نظامنا جمهوري برلماني، وعندما يكون هناك شخص مؤهل أن يملأ مركزه، يكفيه ما لديه من الصلاحيات. وعندما يكون هناك شخص لا يعرف ولا يستطيع وغير مؤهل فإنه يفشل على الرغم من كل ما تعطيه الصلاحيات. مشكلة المسيحيين ليست مع اتفاق الطائف، بل مع الأشخاص الذين جاؤوا إلى الرئاسة. كانوا مفروضين ورؤساء أمر واقع. وآخر رئيس جمهورية في لبنان عملياً هو الياس سركيس”.
السلطة وظيفتها الخدمة
يضيف رزق لـ”أساس”: “عندما ناقشنا تكليف رئيس الحكومة وصلاحيات رئيس الجمهورية في الطائف، افترضنا أنّ هناك مستوى من الوعي عند الأشخاص الذين يتولّون السلطة. حصل حوار بيني وبين دولة الرئيس المغفور له صائب سلام، فقلت له: “من المفترض أن يكون هناك حدّ للتكليف”، فأجابني: “ما رأيك إذا استمرذ رئيس الجمهورية في رفض الموافقة على مقترح رئيس الحكومة حتّى تنتهي المهلة”، قلت له: “هل يُترك الأمر على غاربه؟”، قال لي: “لا كل شي معقول مقبول”، قلت له: “إذاً يجب أن يكون هناك معقولية”، قال لي: “نعم”، قلت له: “هذه نعتمد فيها على ماذا؟”، أجاب: “على إخلاص دولة الرئيس، وعلى تفهّم دولة الرئيس، وعلى أهلية دولة الرئيس”.
إذاّ فالمطلوب أن يكون “هناك مؤهلون في مواقع السلطة. فموقع رئيس الجمهورية يحتاج إلى أهليّة لدى من يتبوّأه. وموقع الرئيس المكلّف يحتاج أيضاً إلى أهلية، وموقع كل مسؤول يحتاج إلى أهلية، ولا مكان لترف تقديم الهدايا أو الترضية لشخص ما تقول له: فخامة الرئيس، أو: دولة الرئيس، أو: معالي الوزير. لأنّ مفهوم السلطة هو الخدمة والعطاء، وبالتالي حتمية القدرة على الخدمة والأهلية تتطلب البحث عن شخصيات مؤهّلة. فلا تستطيع الذهاب عند الطبيب ليداويك إذا لم يكن عنده أي فكرة عن الطب. هذا يعني أنّ الرئيس هو خادم للجمهورية، وليس منتخباً للحصول على لقب “فخامة الرئيس”. وكذلك “دولة الرئيس” و”معالي الوزير” هما خادمان للشعب. أزمة الطائف تتعلق بأشخاص. البداية من صحوة الشعب واختيار ممثّلين جديرين ومؤهّلين للحكم. المطلوب صحوة الشعب لتصحيح الأوضاع، وليس هناك أشخاص جديرون بالاهتمام، بل هناك مشروع مهمّ وأشخاص صادقون. نحتاج إلى الصدق عند الأشخاص، ومن لا يستطيع فليتنحّى أو لا يتنطّح من الأساس”.
رفضنا مغتصب السلطة
ختاماً يحذّر الوزير رزق اللبنانيين بكل طوائفهم من المسّ بالطائف: “الخروج من اتفاق الطائف هو ذهاب إلى التفتّت. ماذا يريدون أن يعدّلوا؟ أنّ لبنان وطن نهائي، أنّ لبنان وطن واحد، أنّ لبنان بلد وفاقي، بلد إرادة وطنية؟ ما التعديل المطلوب؟ هل المطلوب إعطاء صلاحية إضافية لأشخاص عاجزين وغير مؤهّلين؟ هناك ميزان موجود يجب أن يزِنوا فيه. أمّا أن يتحجّجوا بنصوص لتمويه فشلهم فهذا شيء معيب وهذه هي الأزمة”.
إقرأ أيضاً: طلال المرعبي: فلنطبّق الطائف أولاً.. المس به يهدّد السلم الأهلي
في آخر الحديث مع إدمون رزق نذكّره كيف كان رأس حربة في إخراج ميشال عون من قصر بعبدا، فينفي ذلك: “لا، لم أكن رأس حربة. أنا كنت من الأشخاص الذين سعوا إلى تثبيت الحكم الشرعي في لبنان ومنع التسلّط على الدولة واغتصاب مواقع السلطة. كان هناك اغتصاب لموقع السلطة وفرض أمر واقع بشكل غير شرعي وغير مقبول وغير ديمقراطي. كنّا نطالب بالعودة إلى الديمقراطية، ولم نكن نواجه أشخاصاً، بل كنّا نواجه ذهنية وعقلية وانعدام كفاءة”.
غداً الوزير والنائب السابق بطرس حرب..