الانتخابات الاسرائيلية: هل تكون العمليات الفدائية الناخب الأكبر؟

مدة القراءة 6 د

قد تكون الانتخابات الإسرائيلية معمّدة بالدم، ثأراً لدماء “عرين الأسود” في نابلس. تلك العملية التي نفّذها يائير لابيد قبل أيّام من الانتخابات ليرفع حظوظه أمام بنيامين نتنياهو، على حساب دماء 5 فلسطينيين.

فقد كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنّ المستويَيْن السياسي والعسكري في إسرائيل أصدرا الأوامر بتصفية قادة مجموعة “عرين الأسود”، لا اعتقالهم، في عملية استلزمت أدوات تجسّس عالية التقنية للوصول إليهم، ومنها برنامج “بيغاسوس”. وفي المقابل تزايد عدد الإنذارات الساخنة باحتمال تنفيذ مجموعة “عرين الأسود” عمليات ثأرية.

لذا، فإنّ الإجراءات الأمنية العالية في إسرائيل ليست مهمتها حماية مناطق الاقتراع، بإعلان السلطات حال التأهّب واليقظة القصوى، ولا هدفها ضمان حسن سير العملية الانتخابية، بل التحسّب من عمليات فدائية قد تكون هي الناخب الأكبر.

 

عرين الأسود والانتخابات

يأتي ذلك بعد تحذيرات من أنّ العمليات الفدائية لن تتركّز على مناطق في خطوط التماس في الضفة الغربية فقط، بل ستشمل أيضاً مناطق الخط الأخضر، ومراكز المدن الإسرائيلية.

الإجراءات الأمنية العالية في إسرائيل ليست مهمتها حماية مناطق الاقتراع، بإعلان السلطات حال التأهّب واليقظة القصوى، ولا هدفها ضمان حسن سير العملية الانتخابية

يتباهى لابيد وغانتس – وهما يصنِّفان نفسيهما من اليسار والوسط الإسرائيليَّين، ضداً لنتانياهو الذي يقود اليمين – بأنّ جيشهما قتل من الفلسطينيين عشرات، واعتقل المئات منذ مطلع العام الحالي، حفاظاً على أمن دولة إسرائيل. لذلك لا حاجة إلى انتظار الأول من تشرين الثاني، موعد الانتخابات، لمعرفة الفائز، على الرغم من أنّ الوسط الإسرائيلي يرجِّح أن يكون المتطرّف الراديكالي إيتمار بن غفير، حليف نتانياهو، المنتصر الأكبر.

 

نتانياهو والتطرف الديني

في واقع الأمر، لا فرق لدى الفلسطينيين بين فوزُ لابيد أو نتانياهو وحليفه بن غفير في انتخابات الكنيست المقبلة. ففوز اليمين الإسرائيلي وبن غفير، يساهم في إزالة قناع “اليسار” المتمثّل بلابيد وغانتس، والذي تتلطّى إسرائيل خلفه في ممارستها جرائمها في حقّ الفلسطينيين بدون استنفار من المجتمع الدولي.

وتتوقّع الأوساط الإسرائيلية أنّ يُتوَّج بن غفير ملكاً جديداً في القدس. هو الذي يعلّق في منزله صورة لـ”باروخ غولدشتاين”، الطبيب الإسرائيلي الذي قتل 29 فلسطينياً في الحرم الإبراهيمي في الخليل سنة 1994، وطالب بتحرير يغئال عمير، قاتل إسحاق رابين، من السجن.

فنتانياهو يعتمد بشكل كبير على حزب “الصهيونية الدينية” بقيادة بن غفير لنجاحه في تشكيل حكومته. ولذلك تعهّد نتانياهو لبن غفير بأن يجعله وزيراً في حكومته، وأن يشكِّلها مع شركاء من اليمين فقط. وأوضح زعيم الليكود: “إمّا حكومة لابيد وغانتس ومنصور عباس والإخوان المسلمين والطيبي، أو حكومة وطنية تحت قيادتي مع حزبَيْ الليكود والصهيونية الدينية وجميع شركائنا من اليمين”.

تتوقّع الأوساط الإسرائيلية أنّ يُتوَّج بن غفير ملكاً جديداً في القدس. هو الذي يعلّق في منزله صورة لـ”باروخ غولدشتاين”، الطبيب الإسرائيلي الذي قتل 29 فلسطينياً في الحرم الإبراهيمي

العنصرية اليهودية

وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، يمكن أن يصبح “الصهيونية الدينية” رابع أكبر حزب في إسرائيل وبيضة القبّان في أيّ حكومة إسرائيلية مقبلة. وكان بن غفير لفت نظر انتباه الجمهور الإسرائيلي للمرّة الأولى عام 1995، قبل وقت قصير من اغتيال رابين، عندما ظهر على التلفزيون ملوّحاً بشعار كاديلاك ممزّق، مهدداً رئيس الوزراء بقوله: “وصلنا إلى سيارته، سنصل إليه أيضاً”. وفي الغالب تعود الزيادة الأخيرة التي حصل عليها بن غفير في استطلاعات الرأي، إلى جاذبيّته المتزايدة بين “الشباب اليهود الإسرائيليين”، وخاصة الرجال الأرثوذوكس المتشدّدين والناخبين الشرقيين التقليديين من أطراف إسرائيل الجغرافية. وهذا بعدما اشتهر بين الإسرائيليين شعاره المناهض للعرب: “قريتك يجب أن تحرق”.

يُعزى شطر من هذا الارتفاع الكبير لمؤيّدين بن غفير إلى تزايد العنصرية في المجتمع اليهودي. في الماضي، كان اليهود الإسرائيليون يعرّفون أنفسهم بأنّهم يمين أو يسار بناءً على نظرتهم إلى الصراع مع الفلسطينيين وحلّه. لكن الآن لا أحد يتحدّث عن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، إذ بات اليهود الإسرائيليون على نحو متزايد يعرّفون أنفسهم بأنّهم يمين أو يسار بناءً على موقفهم من الأقليّة العربية التي تعيش داخل إسرائيل.

في انتخابات 2022 سيحدث انزياح كبير، وستتغيّر قواعد اللعبة. فبن غفير وسموريتش أصبحا مخوّلين النطق باسم أغلبيّة الناخبين في “الليكود” و”شاس” و”يهوديت هتوراة”. وعلى ما يبدو سيربط خطّ مباشر بين انتصار المنتصر في انتخابات 2022 وبين خسارة الخاسرين.

 

الشعبوية ومقت النخب

ينبع التعاظم الهائل لشعبية الصهيونية القومية من ثلاثة أسباب:

1- ردّ فعل مضادّ وحادّ على الشرعية التي أُعطيت لمنصور عباس ومشاركة أحزاب عربية في الحكم.

2- قلق على طابع إسرائيل اليهودي وخوف من خسارة اليهود الحكومة.

3- روح عنصرية عالمية وإسرائيلية تشجّع الشعبوية وتتحفّظ على مؤسّسات الدولة وتمقت النخب.

من جهة أخرى، حذّر مسؤولون أميركيون نتانياهو من شراكته الحكومية مع بن غفير، خشية إضراره بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وحذّرت تنظيمات من يهود أميركا من أنّ حكومة مع بن غفير تضرّ بمكانة إسرائيل.

إقرأ أيضاً: الضفّة تغلي.. إسرائيل تردّ باغتيالات.. وتخشى “انتفاضة”

غير أنّ الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي رأى غير ذلك، معتبراً أنّ “إيتمار بن غفير هو الأمل الذي يلوح في الأفق واعداً بالتغيير، وليس لابيد وغانتس، لأنّ المستوطِن الصاخب والمتطرّف بن غفير هو أسرع من يقوم باستلال المسدّس. وهو الوحيد القادر على إيقاظ الضغط الدولي من سباته ودفعه إلى أن يقول لإسرائيل كفى. ربّما للمرّة الأولى في تاريخها تشعر إسرائيل بوجود ثمن للأبارتهايد (التطهير العرقي). وربّما تُعاقَب إسرائيل بسبب الاحتلال. وهذا كلّه بفضل المتطرّف بن غفير الذي مزّق قناع اليسار، الأب المؤسّس لمشروع الاستيطان، وليس الولد الشقيّ بن غفير. فهذا الأخير وليس حتّى نتانياهو، من أسس لوحشيّة الاحتلال، بل أعضاء حزب العمل، ومنهم حصلوا على جائزة نوبل للسلام”.

وختم ليفي مقالته قائلاً: “إذا أصبح بن غفير وزيراً في حكومة نتانياهو سأرفع القبّعة أمام بن غفير وسأشكره من أعماق قلبي”.

*كاتبة فلسطينية

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…