الضفّة تغلي.. إسرائيل تردّ باغتيالات.. وتخشى “انتفاضة”

مدة القراءة 5 د

استأنفت إسرائيل بشكل واضح وعلني سياسة “الاغتيال الانتقائي” لقادة وناشطين فلسطينيين، في سياق التحضير لانتخابات الكنيست، وضمن حملة عسكرية على “عرين الأسود” في مدينة نابلس بالضفة الغربية، الواقعة تحت حكم السلطة الفلسطينية وليس في غزّة حيث تسيطر “حماس”.

هذه الحملة حصيلتها حتى ليل أمس الأوّل هو قتل 5 شبّان فلسطينيين، بعد اقتحام قوّة كبيرة البلدة القديمة من محاور عدّة، ومحاصرتها أحد المباني في حارة الياسمينة وقصفه بصواريخ “الإنيرجا”، ومنعها طواقم “الهلال الأحمر” من نقل المصابين، بحجة أنّها كشفت “اجتماعاً سرّيّاً لقادة مجموعة “عرين الأسود” داخل شقّة محصّنة في حيّ القصبة. وفي ختام العملية أعلن الإسرائيليون اغتيال وديع الحوح، قائد “عرين الأسود” و”موجِّه العمليّات في منطقة نابلس، ومن بينها الهجوم الذي قُتل فيه الرقيب بالجيش الإسرائيلي عيدو باروخ”. كما أنّه خليفة إبراهيم النابلسي، الذي قتلته إسرائيل في آب الماضي باعتباره مسؤولاً عن عمليات عديدة قتلت جنوداً وجرحت آخرين.

إسرائيل أرادت من هذه العملية الليلية مواجهة “الهبّة الشبابية المسلّحة” في الضفة الغربية، بإدارة “غرفة قيادة العمليات الخاصة بإشراف رئيس الشاباك رونين بار ورئيس أركان الجيش أفيف كوخافي”. فيما واجه الفلسطينيون “التسلّل” الإسرائيلي، فوقعت اشتباكات مع قوات الأمن الرسمية. لذا دفع الجيش الإسرائيلي بتعزيزات عسكرية كبيرة تساندها طائرات مسيّرة. وتعمّد قنّاصة الاحتلال الذين اعتلوا أسطح المنازل والمباني المطلّة على أحياء البلدة القديمة، إطلاق النار صوب أفراد قوى الأمن الفلسطيني. وقد أدان الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة العدوان، ووصفه بـ”جريمة حرب”، وحمّل حكومة الاحتلال تداعياته.

أوساط سياسية إسرائيلية انتقدت سياسة الغموض التي اتّبعها الجيش الإسرائيلي في تصفية الكيالي، وعدم تبنّيه العملية بوضوح

العبوات الناسفة.. والجواسيس

كذلك استهدفت قوات الاحتلال بعبوة ناسفة مركبة كان يقودها حمدي القيم في منطقة رأس العين، فاستشهد. وهي الطريقة نفسها التي بها قتلت أحد قادة “عرين الأسود” تامر الكيلاني، في البلدة القديمة، على دراجة نارية مركونة على الطريق، انفجرت لحظة مروره بجوارها. وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أنّ شهداء العدوان هم: حمدي القيم، علي عنتر، حمدي شرف، وديع الحوح، ومشعل بغدادي.

الكيلاني والقيم اغتيلا بعبوتين ناسفتين زرعها متعاونون فلسطينيون. وهذا دليل على أنّ إسرائيل قرّرت العودة إلى سياسة الاغتيالات المركّزة وتصفية الفدائيين، وليس اعتقالهم. في حين أنّها منذ نهاية الانتفاضة الثانية عملت على اعتقال المطلوبين كي تنتزع منهم معلومات في التحقيق.

من جهته تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد ووزير دفاعه بيني غانتس مواصلة الاعتداء على مجموعة “عرين الأسود” التي تنشط في نابلس، وحمّل لابيد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مسؤولية السيطرة على الميدان “إذا أراد استقرار سلطته”، وسط ترحيب إسرائيلي بـ”القدرة الاستخبارية” التي مكّنت “الشاباك” والجيش من تصفية قائدَيْ عرين الأسود وديع الحوح، وقبله بأيّام تامر الكيلاني. لكن التوقّعات في تل أبيب تفيد بأنّ عرين الأسود في طريقه إلى الانتقام.

القناة 14 العبرية تساءلت عن جدوى عودة الجيش الإسرائيلي إلى سياسة “اغتيال انتقائي” لقادة وناشطين فلسطينيين، باعتبار أنّ التصعيد في القدس أو الضفة يعيد إلى الذاكرة سنوات الانتفاضتين الفلسطينيّتين، الأولى في العام 1987 والثانية في العام 2000، وما قام به الجيش خلالهما من اغتيالات انتقائية سقط خلالها ألوف من أبناء الشعب الفلسطيني. وذكرت القناة العبرية أنّ هذه السياسة ستزيد الغضب بين الفلسطيني، خصوصاً في جنين ونابلس. فقد سبق أن اغتال الجيش الإسرائيلي الشيخ أحمد ياسين، وبعده عبدالعزيز الرنتيسي، وبهاء أبو العطا، القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي، وغيرهم. لكنّ هذه السياسة لم تمنع سيل المقاومة من استمرار تدفقه.

الكيلاني والقيم اغتيلا بعبوتين ناسفتين زرعها متعاونون فلسطينيون. وهذا دليل على أنّ إسرائيل قرّرت العودة إلى سياسة الاغتيالات المركّزة وتصفية الفدائيين

سلام اقتصادي.. وقتل

أوساط سياسية إسرائيلية انتقدت سياسة الغموض التي اتّبعها الجيش الإسرائيلي في تصفية الكيالي، وعدم تبنّيه العملية بوضوح. وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “ينبغي التوقّف على الفور وإدخال هذه التصفية في التوازن الصحيح: لا يدور الحديث عن تصفية محمد ضيف، ولا عن عملية في سورية أو في إيران، بل عن تصفية ناشط واحد في تنظيم صغير جدّاً بلا وسائل متطوّرة، وبلا قدرة عملياتيّة عالية. يحدث الكثير من الضجيج بدايةً في “التك توك” والآن في “التلغرام”. وهذا لا يدلّ على مستوى ردع عال، بل بالعكس يعظّم جدّاً هذا التنظيم الصغير”.

لكنّ الميدان يقول كلمته في الضفة الغربية بصوت مدوٍّ بعدما أخفقت الحملات الدموية الإسرائيلية بمسمّياتها المختلفة، مثل كاسر الأمواج وجزّ العشب، المترافقة مع سياسات سلام اقتصادي وخفض الصراع، لشراء الهدوء في الضفة الغربية.

إقرأ أيضاً: “عرين الأسود” لهيب يمتد إلى إسرائيل

ويرى الخبير الإسرائيلي ميخائيل ميليشتاين أنّ موجات التصعيد الفلسطينية لا تنطفئ إلا لتعود إلى الاشتعال مرّة أخرى. وهي تجسّد حقيقة أنّ إسرائيل تسقط بالتدريج في فخّ استراتيجي. وينطوي التوتّر المتواصل في الضفة الغربية على إمكانية كامنة لتطوّر تهديدات استراتيجية لإسرائيل، وعلى رأسها “نسخ” نماذج نابلس وجنين في مواقع أخرى.

*كاتبة فلسطينية

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…