تشكيل الحكومة العراقية صار في مراحله الأخيرة. الإعلان عن ولادتها سيكون في الأيام القليلة المقبلة. القيمة المضافة لذلك، هو أنّها لن تستنزف المهل الدستورية كما السابق، إذ كان الصراع بين الكتل النيابية والأحزاب على الحصص والمواقع هو الحكم والحاكم. التفاهمات التي أوصلت الأمور إلى هذه الإيجابية توسعت لتشمل رئيس الجمهورية البذي سيعين نائبيّن أحدهما يسميه رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، ما يعني عودة الأخير إلى المشهد السياسي مع توجه جدي لرئيس الحكومة المُكلف لاحتواء السيد مُقتدى الصدر.
ولادة الحكومة في هذه السرعة يأتي بعد أسابيع من المفاوضات بين القوى والكتل البرلمانية استغرقت أسابيع قبل تكليف محمد شياع السوداني تأليفها. المفاوضات على تشكيلها استهلكت زيارات مكوكية بين بغداد وإقليم كردستان لتذليل العقبات وتقريب وجهات النظر في ما يتّصل بطبيعة المرحلة المقبلة والعلاقة بين الطرفين، خاصة بعد الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، واستهلها بقرار الاستقالة من البرلمان وصولاً إلى معركة المنطقة الخضراء، ما سهل لـ”الإطار التنسيقي”، بإعادة إنتاج المشهد السياسي.
تفاهمات مذهبية وإثنية تدعم السوداني
تشكيل الحكومة لم يوضع على نار حامية مع الإعلان عن تكليف السوداني بتشكيلها من قبل رئيس الجمهورية الجديد عبداللطيف رشيد. ولم توضع على سكّة التشكيل مع الإعلان عن تحالف “إدارة الدولة” يوم السبت في 23 أيلول الماضي. ما سهل بلورة الجزء الأكبر من صورة الحكومة هو الاتفاقيات والتفاهمات بين “الإطار التنسيقي” من جهة، والحزب الديمقراطي (بزعامة مسعود بارزاني) وتحالف السيادة (بقيادة ثنائية من محمد الحلبوسي وخميس الخنجر) من جهة أخرى.
السوداني هو من سيشكل الحكومة، لكنه ليس طليق اليدين فهو مقيد بالاتفاقيات والتفاهمات. حصل على هامش كبير يسمح له بتسمية بعض الوزراء مع حقّ الاعتراض على الأسماء المرشّحة من قبل هذه الأحزاب، باستثناء الحزب الديمقراطي الذي تمسّك بالسياق الذي اعتمده في التعامل مع تشكيل الحكومات السابقة، ويقضي بأن يقدّم أسماء بعض الوزارات التي يحصل عليها، من دون أن يكون لرئيس الوزراء أو الآخرين الاعتراض عليها أو فرض تغييرها أو استبدالها.
القوى التي تقف وراء هذه الحكومة والداعمة لها، تبدي مستوى عالياً من التعاون، وجدّية في تسهيل مهمّة السوداني في عملية التشكيل، إذ إنّها تعمل بفعالية وجدية لتذليل وتسوية الخلافات التي قد تنشأ نتيجة تباين الآراء والمواقف في توزيع المواقع والوزارات السيادية بين الأطراف، على اعتبار أنّ هذه الحكومة تشكّل الفرصة الأخيرة لتقديم أداء مختلف عن الحكومات السابقة في ما يتعلّق بتفعيل العمل الحكومي والنهوض الاقتصادي وتنمية المناطق والمحافظات ، فضلاً عن إمكانية الذهاب إلى تفعيل وزارة التخطيط. هذه الإندفاعة تأتي على وقع الحاجة السياسية والدستورية، وأيضاً تحت وطأة الفضائح الماليّة التي كُشف عنها في الأيام الأخيرة، وتتعلق بما يقال “تورّط” شخصيات في مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بـ”فضيحة العصر” أو “سرقة القرن”، كما تصفها الأوساط العراقية السياسية والماليّة والاقتصادية، والتي تتحدث عن استيلاء بعض الأطراف والأشخاص على مبلغ يقارب 2.5 مليار دولار من أموال دائرة الضرائب.
المكوّن الكردي قد توصّل إلى تفاهمات وحدّد الوزارات التي سيحصل عليها في التشكيلة الجديدة، والأرجح أنّها ستكون محصورة بالحزب الديمقراطي، بناء على حصول حزب الاتحاد الوطني على رئاسة الجمهورية
حصص الطوائف والمكونات
القوى السياسية توصّلت إلى تفاهمات حول تقسيم الوزارات بين المكوّنات القومية والمذهبية. وقد تقرر بأن تكون حصّة “الإطار التنسيقي” أو المكوّن الشيعي 12 وزارة، على أن يكون للمكوّن الكردي ستّ وزارات، ومن بينها حصّة المكوّن المسيحي والمكوّن التركماني الذي يصرّ ويتمسّك الرئيس المكلّف بتمثيله بصورة جدّية تعكس موقعه داخل التركيبة العراقية. أما المكوّن السنّي فسينال في المقابل ستّ وزارات. هذا التوزيع المحصور بالأعداد يُفترض أن لا يواجه صعوبة في كيفية توزيع الحقائب .
في المبدأ، فإنّ توصّل المكوّن الكردي إلى تفاهمات وحدّد الوزارات التي سيحصل عليها في التشكيلة الجديدة، والأرجح أنّها ستكون محصورة بالحزب الديمقراطي، بناء على حصول حزب الاتحاد الوطني على رئاسة الجمهورية، مع إبقاء الباب مفتوحاً على إمكانية حصول الاتحاد على إحدى وزارات المكوّن. وبحسب معلومات “أساس” فقد حُسم أن تكون وزارة الخارجية بوصفها وزارة سيادية من حصّة الوزير الحالي فؤاد حسين، ووزارة العدل لبنكين ريكاني، وكلاهما عن الحزب الديمقراطي. أمّا الوزارة المسيحية فستكون من حصّة كتلة “بابليون” بقيادة ريان الكلداني، على أن يسمّي السوداني وزير المكوّن التركماني.
اما وزراء المكوّن السنّي وهم ستّة سيتوزعون على “تحالف السيادة” ( بزعامة الحلبوسي والمشروع العربي بقيادة خميس الخنجر) بواقع 4 وزارات، و”تحالف عزم” القريب من “الإطار التنسيقي” بواقع وزارتين، على أن تكون وزارة الدفاع من حصّة “تحالف السيادة” بوصفها إحدى الوزارات السيادية، مع انفتاح على إمكانية إجراء تبادل بالحصول على وزارة التعليم العالي والتخلّي عن وزارة التربية مع “ائتلاف دولة القانون” من “الإطار التنسيقي” الساعي إلى الحصول على وزارة التعليم.
السوداني يسعى لاسترضاء الصدر
التفاهمات والحوارات حول توزيع الحصص، ساعد رئيس الحكومة المكلّف في إلزام جميع الأطراف بالمعايير التي وضعها في تسمية الوزراء والأشخاص المرشّحين من قبلها لتولّي المناصب. كما نجح في إخراج ثلاث وزارات أساسية، سيادية وخدمية، من دائرة المحاصصة، وهي وزارات المالية والكهرباء والصحّة، على أن تكون له الحرّية في اختيار الشخصيات التي ستشغل هذه المواقع بناء على المعايير التي يحدّدها.
معايير السوداني في هذه الوزارات الثلاث واضحة، إلا أنّها تترك له هامشاً كبيراً في محاولة فتح باب الحوار مع زعيم التيار الصدري لإقناعه بالعودة عن قرار المقاطعة، وأن تكون هذه الوزارات من حصّته، وهو توجّه لا يصطدم باعتراض أيّ من الأطراف المشارِكة في تحالف “إدارة الدولة”، لِما يشكّله من باب يساهم في التهدئة ومنح الحكومة الجديدة فرصة للعمل الجدّيّ من دون هاجس اعتراض الصدر وتياره.
إقرأ أيضاً: العراق يُطمئن السعودية ويتمسك بعروبته؟
التفاهمات على الحكومة انسحبت على موقع رئاسة الجمهورية، إذ ان الرئيس المُنتخب سيعيد تفعيل ما يُسمّى “الحقوق الرئاسية” المتمثلة بتعيين نائبين له. ومن المرجّح أن يكون منصب النائب الأول للرئيس من حصّة نوري المالكي، على أن يذهب منصب النائب الثاني لزعيم المشروع العربي خميس الخنجر. وقد يمثّل الأخير في هذا الموقع أحمد مدلول الجربا. وهكذا يكون ائتلاف دولة القانون الرابح الأكبر داخل المكوّن الشيعي لأنّه يملك العدد الأكبر من النواب، على حساب القوى والأحزاب الشيعية الأخرى، داخل تركيبة الحكومة والسلطة الجديدة.