..”ما يُفعل اليوم على صعيد ترسيم الحدود البحريّة لا علاقة له بالدستور ولا بالآليّات الدستورية”. بهذه الكلمات يصف الرئيس السابق للمجلس الدستوري القاضي شكري صادر اتفاقية الترسيم التي يتّجه لبنان إلى إبرامها عبر وساطة الولايات المتحدة الأميركية.
أين البرلمان والشعب؟
يشرح القاضي صادر المخالفة الدستورية في حديث مع “أساس”: “يقول الدستور إنّ رئيس الجمهورية يتولّى المفاوضة في المعاهدات، ثمّ يعرضها على مجلس الوزراء لإبرامها، ولا تُعتبر مُبرمة إلا بعد موافقة المجلس النيابي الكريم”.
ويتابع: “الدستور واضح حيال المعاهدات الدولية التي ترتّب أعباء ماليّة. وهنا اتفاقية الترسيم لا تُرتّب أعباء مالية، بل تأخذ من اللبنانيين ثرواتهم الطبيعية، إضافة إلى أنّها ليست محدّدة المدّة بل نهائيّة. وهذا ما يجعل ضروريّاً أن يبرم المجلس النيابي الاتفاقية”.
القاضي صادر لـ”أساس”: “يقف الأميركيون خلف هذه الاتفاقية، ولا يضعون حساباً لمن يحكمنا ومن سيوقّع على الاتفاقية
ويؤكّد القاضي صادر أنّ الدستور حفظ حقّ الشعب اللبناني بالاطّلاع على المعاهدات والاتفاقيات: “للأسف، هل يعلم أحد من الأربعة أو الخمسة ملايين لبناني ما هي المفاوضات التي تجري وعلى أيّ أسس تتمّ؟ هل تتمّ على أسس قانونية أم انطلقنا أساساً من التنازل عن 1,500 كلم2؟ أين قانون حقّ اللجوء إلى المعلومات وحقّ اطّلاع المواطن اللبناني؟ في حياتي كلها لم أشاهد معاهدة دولية لم تُعرَض على الرأي العامّ، خصوصاً عندما تكون بهذه الأهميّة. للأسف الشباب في السلطة اليوم يبادلون عصفوراً باليد بعشرة على الشجرة. فمن الواضح اليوم أنّ كاريش يحتوي على غاز ونفط بمئات ملايين الدولارات، فهل يُعقل أن نبادله بحقل قانا الذي علينا أن ننقّب فيه حتى نرى إن كان فيه نفط وغاز؟ وهذا في الشقّ التقني. أما في الشقّ السياسي، فلا تريد إسرائيل أن يعود نتانياهو رئيساً للحكومة، والحكومة الإسرائيلية الحالية تسعى إلى تحقيق إنجاز عبر الحصول على حقل كاريش بكامله، مع العلم أنّ 70 في المئة منه كان للدولة اللبنانية إذا انطلقنا من رأس الناقورة”.
دور إيران وقطر
ويتابع القاضي صادر: “يقف الأميركيون خلف هذه الاتفاقية، ولا يضعون حساباً لمن يحكمنا ومن سيوقّع على الاتفاقية. تمّت الاتفاقية مع إيران بواسطة قطرية، ووافق عليها حزب الله. وإلّا فكيف نفسّر خلافنا منذ 25 سنة على مزارع شبعا التي افتعلنا من أجلها مئة مليون مشكل، واليوم نتخلّى عن 1,400 كلم2 من حقّنا؟ هذه الاتفاقية ويا للأسف تشبه عملية بيع في سوق برج حمّود”.
ولدى سؤال القاضي صادر عن توجّه السلطة اللبنانية إلى التوقيع على ورقة هوكستين وإرسالها إلى الأمم المتحدة من دون أن يُقرن التوقيع اللبناني بالتوقيع الإسرائيلي، يقول: “هذه فذلكة أميركية لا علاقة لها بدستورنا الذي وحده يُقرّر وجود معاهدة أو لا. فعندما تريد إبرام معاهدة فذلك يعني أنّك تعترف بالطرف الآخر، وإلّا فمع من ستكون المعاهدة. في اتفاقية الهدنة الشهيرة أنجزنا معاهدة مع فلسطين المحتلّة، إنّما مع حكّام فلسطين المحتلّة، أي مع المحال! الآن أنا أوقّع بمفردي على الورقة وأنت توقّع على ورقة ثانية، ويقول لك الأميركي: أنا الضامن. كلّ هذا لا علاقة له بالقانون ولا بالدستور. هذا يسمّونه باللغة الفرنسية: “الأقوى هو الأفضل”.
وعن قدرة النوّاب اللبنانيين على إسقاط الاتفاقية دستوريّاً، يقول صادر: “باستطاعة النواب أن يقولوا كلّ ما يريدون. هناك أمور بديهية، وأهمّها أنّ الشعب هو مصدر السلطات، فلماذا نخفي عليه ما يحصل. أعود وأؤكّد أنّ هذه المعاهدة لا علاقة لها بالقانون ولا بأحكام الدستور ولا بالأحكام التي ترعى المعاهدات الدولية”.
إقرأ أيضاً: أنطوان مسرّة: الرئيس الماروني ملك دستوري
ويختم القاضي صادر لـ”أساس”: “على اللبنانيين أن يضعوا أقدامهم على الأرض، فما حصل قصّة أميركية. الإدارة الأميركية هي التي ضغطت وتولّت المفاوضات ومعها قطر، والكلّ يعلم أن لا الدكتور سمير جعجع في أقصى المعارضة ولا السيّد حسن في أقصىى السلطة، ولهما كلمة في هذا الأمر. الكلمة ليست للبنان بل لإيران، وقد كُلّفت قطر بتقريب وجهات النظر بين إسرائيل وإيران، ونجحت في ذلك”.