القنابل التي تخشاها إسرائيل.. الحريديّون والفلسطينيون

مدة القراءة 5 د

تواجه إسرائيل خطر قنبلتين ديمغرافيّتين يمكن أن يؤدّي انفجارهما أو انفجار إحداهما إلى السقوط من الداخل.

الحريديّون للبطالة والإنجاب

تتمثّل القنبلة الديمغرافية الأولى في تضخّم أعداد اليهود الحريديّين. وهم جماعة من المتديّنين المتطرّفين المتفرّغين لدراسة التوراة وإنجاب الأولاد بحيث بلغت نسبة الولادة لدى المرأة اليهودية من هذه الطائفة 6.6، أي أكثر مرّتين من النسبة لدى المرأة اليهودية العاديّة، وأكثر ثلاث مرات من النسبة لدى المرأة الإسرائيلية المدنية غير المتديّنة. وخلال جيل واحد، تضاعف عدد اليهود الحريديّين. وتستمرّ هذه النسبة التصاعدية جيلاً بعد جيل.

من بين سكّان إسرائيل الذين يبلغ عددهم 9.5 ملايين شخص، يشكّل المسلمون (وحدهم) 21 في المئة واليهود 74 في المئة. أمّا الخمسة في المئة الباقية فتمثّل حجم المسيحيين وغيرهم

يمثّل الحريديون في الوقت الحاضر 13 في المئة فقط من الإسرائيليين، إلا أنّ نسبة أولادهم ترتفع إلى 19 في المئة من نسبة الأولاد الإسرائيليين الآخرين الذين هم تحت سنّ الرابعة عشرة، وأكثر من 24 في المئة من نسبة الأطفال دون الرابعة من العمر.

في ضوء ذلك تؤكّد الدراسات الإحصائية الإسرائيلية أنّه في عام 2065 سوف يشكّل أطفال طائفة الحريديّين نصف الأطفال الإسرائيليين. وهي طائفة لا يعمل رجالها في أيّ مهنة على الإطلاق، ويتفرّغون للعبادة والدراسة التوراتيّة، ويعيشون على ما تقدّمه لهم الدولة من مساعدات وعلى ما تحصل عليه زوجاتهم من عائدات.

الحريديّون قنبلة دينية متطرفة

صحيح أنّ هذه الظاهرة تشكّل مصدر سعادة لدى الحاخامات ولدى المؤسّسة الدينية اليهودية في إسرائيل، إلا أنّها تشكّل خطراً مستقبلياً على الاقتصاد وعلى التوازن الاجتماعي. فأولاد هذه الطائفة لا يدرسون العلوم والآداب واللغات كغيرهم من الطلاب، لكنّهم يدرسون حصراً التوراة ويحفظون نصوصه، ويؤدّون الصلاة اليهودية التلمودية.

يتضاعف عدد اليهود الحريديّين في إسرائيل في كلّ جيل. من هنا يشكّل تضخّم أعداد اليهود الحريديّين قنبلة ديمغرافية دينية متطرّفة تواجهها الحكومات الإسرائيلية بقلق، لكن مكتوفة اليدين، وذلك على أساس أنّ إسرائيل كما ينصّ دستورها هي دولة يهودية، وبالتالي يجب أن تلتزم سياسة التعليم بالمبادئ والتعاليم اليهودية التي يحدّدها الحاخامات من أبناء هذه الطائفة.

لقد نجح الحريديون في فرض التعديل الدستوري في الكنيست الذي نصّ على يهوديّة الدولة، وبالتالي على معاملة غير اليهود (من العرب المسلمين والمسيحيين) معاملة دونيّة، واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، الأمر الذي أدّى إلى توجيه انتقادات عالميّة لإسرائيل باعتبارها دولة عنصرية على غرار ما كانت عليه جنوب إفريقيا.

من الواضح أنّ ذلك ليس إلّا أوّل الغيث، فمع تضخّم أعداد الحريديين ديمغرافياً، سيتضخّم نفوذهم وتأثيرهم على قرارات الحكومات الإسرائيلية، وسيؤدي ذلك إلى انفجار داخلي بين هؤلاء اليهود المتطرّفين دينياً واليهود المدنيين الآخرين.

يتضاعف عدد اليهود الحريديّين في إسرائيل في كلّ جيل. من هنا يشكّل تضخّم أعداد اليهود الحريديّين قنبلة ديمغرافية دينية متطرّفة تواجهها الحكومات الإسرائيلية بقلق، لكن مكتوفة اليدين

الخوف الإسرائيلي من ديموغرافيا الفلسطينيين

أمّا القنبلة الديمغرافية الثانية فتتمثّل في تزايد عدد الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين، سواء داخل الخط الأخضر (أي داخل إسرائيل) أو خارجه في الضفّة الغربية المحتلّة.

من بين سكّان إسرائيل الذين يبلغ عددهم 9.5 ملايين شخص، يشكّل المسلمون (وحدهم) 21 في المئة واليهود 74 في المئة. أمّا الخمسة في المئة الباقية فتمثّل حجم المسيحيين وغيرهم. لا تشمل هذه النسبة سكّان الضفّة الغربية المحتلّة وغزّة. ولكن إذا أُضيف عدد سكّانهما إلى عدد سكان إسرائيل تهبط النسبة اليهودية إلى النصف أو إلى ما دون ذلك.

من هنا أبعاد الخطر الديمغرافي الفلسطيني على مستقبل “يهوديّة” إسرائيل. فهي لا تستطيع أن تكون دولة تتمتّع بأكثرية يهودية قويّة وأن تحتفظ في الوقت ذاته بالأراضي الفلسطينية المحتلّة منذ عام 1967. ولا تستطيع أن تقول بالديمقراطية وأن تمارس سياسة الفصل العنصري ضدّ العرب (مسلمين ومسيحيّين).

يبلغ معدّل الولادة لدى المرأة اليهودية (باستثناء الحريديّين) أقلّ من ثلاثة أطفال (2.9). ويصل هذا المعدّل لدى المرأة الفلسطينية إلى 3.8 حسب إحصاءات عام 2019. صحيح أنّ هذا المعدّل تراجع عمّا كان عليه في السابق، إلا أنّه ما يزال متقدّماً على معدّل الإنجاب لدى المرأة اليهودية.

أيُ القنبلتين ستنفجر أولاً

من هنا السؤال: أيّ القنبلتين الديمغرافيّتين تسبق الأخرى بالانفجار؟ قد يكون من الصعب الإجابة على هذا السؤال. إلا أنّ ثمّة قنبلة أخرى ما تزال في مراحل التكوين. وتتمثّل هذه القنبلة في أنّ 10 في المئة من الأطفال الإسرائيليين يولدون من خارج الزواج (تصل هذه النسبة في فرنسا وبريطانيا إلى حوالي 50 في المئة، وترتفع في إيسلندة مثلاً لتصل إلى حوالي 70 في المئة). إلا أنّ هذه الظاهرة الاجتماعية ليست موجودة في المجتمع الفلسطيني، سواء داخل إسرائيل أو في غزّة والضفّة الغربية.

إقرأ أيضاً: لابيد والدولة الفلسطينيّة… رهان في المدى الطويل

تحرص الحكومة الإسرائيلية على تشجيع الإنجاب حتى إنّها تخصّص 150 مليون دولار سنوياً من أجله، وهي تحتفظ بنسبة من “الأجنّة المجمّدة” توازي النسبة التي تحتفظ بها الولايات المتحدة التي يزيد عدد سكّانها على 330 مليوناً.

من هنا السؤال: أيّ القنبلتين الديمغرافيّتين ستفجّر إسرائيل من الداخل؟ قنبلة الحريديّين أم قنبلة الفلسطينيّين؟

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…