تتميّز دولة الكويت بفعّالية برلمانها الذي يتمتّع بصلاحيّات واسعة في مقدَّمها القدرة على إسقاط الحكومة ووزرائها، عبر تقديم استجوابات ثمّ التصويت على “طرح الثقة” أو كتاب “عدم التعاون”.
وفي بلد يندر أن يُكمل فيه “مجلس الأمّة” (الاسم الرسمي للبرلمان) ولايته الكاملة لمدّة 4 سنوات، تكتسي الانتخابات البرلمانية أهميّة كبرى نظراً إلى حجم التعقيدات التي تترافق مع صراعات نيابية – نيابية ونيابية – حكومية تُفرز حالة من الاستقطاب الحادّ والانقسام العمودي بين موالٍ ومعارض، وغير ذلك من التصنيفات.
في 29 أيلول الحالي، يتوجّه الناخبون إلى مراكز الاقتراع في الانتخابات التي تحمل الرقم 19 خلال نحو 60 عاماً من التجربة النيابية، بعد قرار حلّ مجلس الأمّة السابق إثر مرور نحو عام ونصف عام على الانتخابات التي جرت في كانون الأول من العام 2020.
يتكوّن مجلس الأمّة من 50 عضواً يُنتخبون بالاقتراع العامّ السرّيّ المباشر، ويتوزّعون على 5 دوائر، لكلّ منها 10 نواب.
نظّم التيار السلفي صفوفه تفادياً لتكرار النتائج المخيّبة التي حصدها في انتخابات 2020، عندما خسر غالبيّة مقاعده
فروقات عدديّة في الكتل الناخبة
أبرز ما يميّز هذه الدوائر أنّها متساوية في المُخرجات (10 نوّاب)، لكنّ عدد الناخبين فيها مختلف نظراً إلى تركيبتها والتوزيع الجغرافي للمناطق في كلّ منها، الأمر الذي يسبّب اعتراضات من قبل بعض القوى والتيارات، ولا سيّما القبليّة منها.
إذا كانت الانتخابات عموماً تعدّ حدثاً عادياً في هذه الدولة الخليجية، فإنّها هذه المرّة مختلفة تماماً لأربعة أسباب رئيسية، هي:
1- إطلاق عنوان “تصحيح المسار” عليها، بمعنى أنّها ستشكّل تدشيناً لمرحلة سياسية جديدة.
2- زيادة حجم الناخبين بمقدار نحو 30 في المئة، بعد قرار الاعتماد على البطاقة المدنية (الهويّة) في تحديد عددهم على أساس مناطق السكن المُسجّلة، وهو ما أدّى إلى ارتفاع الرقم من نحو 567 ألفاً في 2020 إلى نحو 750 ألفاً في 2022 (العدد في الكشوف حاليّاً نحو 795 ألفاً لكنّ العسكريين في وزارتَيْ الدفاع والداخلية ومَن صدرت بحقّهم أحكام قضائية نهائية لا يحقّ لهم الاقتراع).
3- تعامُل الحكومة بحزم مع ما يُسمّى بـ”التشاوريّات” ومنع آليّات عملها، وهي انتخابات داخلية فرعيّة تُجريها القبائل عادةً لتزكية مرشّح عنها فتضمن بذلك حصوله على كلّ أصوات ناخبي القبيلة، وتضمن فوزها بالمقعد وتمنع تشتّت أصواتها.
4- الحياد الحكومي التامّ في ظلّ تعهّد القيادة السياسية بعدم التدخّل مطلقاً، سواء في الانتخابات أو ما يليها من انتخاب لرئيس مجلس الأمّة ولجان المجلس.
السمات الأساسيّة للانتخابات المقبلة
أمام هذه الوقائع، يتّفق كثيرون على 3 سمات أساسية تُميّز الانتخابات المقبلة:
1- أنّها “غير مسبوقة” في تاريخ الكويت السياسي.
2- ستكون “الأكثر نزاهة” مقارنة بالانتخابات التي جرت على مدى العقود الماضية، على ما يردّد مرشّحون.
3- استحالة توقّع نتائجها نظراً إلى دخول كتلة ناخبة كبيرة إلى القوائم، وضمّ مناطق جديدة إلى الدوائر، وهو ما يجعل التكهّن بفرص الفوز بغالبيّة المقاعد مهمّة صعبة جدّاً.
في تفاصيل خريطة القوى السياسية والتيارات والقبائل، بدا جليّاً أنّ جماعة “الإخوان المسلمين” (اسمها في الكويت “حدس” وهو مختصر للحركة الدستورية الإسلامية)، استعدّت مبكراً بتزكية 5 مرشّحين في الدوائر الخمس، علماً أنّ نوّابها في المجلس السابق كانوا 3، وتسعى إلى زيادتهم إلى أربعة أو خمسة.
وبطريقة أكثر حماسة، نظّم التيار السلفي صفوفه تفادياً لتكرار النتائج المخيّبة التي حصدها في انتخابات 2020، عندما خسر غالبيّة مقاعده، إذ يصل عدد المرشّحين السلفيّين الجدّيّين إلى نحو 17 في الدوائر الخمس، علماً أنّ السلفيين في الكويت ليسوا تيّاراً واحداً وإنّما يتوزّعون على عدد من التفرّعات والتكوينات.
أماني الشيعة والقبائل
تقليدياً، يحصل الشيعة على نحو 4 إلى 5 مقاعد، خصوصاً في الدائرتين الأولى والثانية وأحياناً في الثالثة، لكنّهم هذه المرّة يأملون الحصول على مقاعد بالدائرتين الرابعة والخامسة، وهو أمر غير مستبعد، نظراً إلى اعتماد التصويت على أساس البطاقة المدنية الذي سمح لقسم كبير من الناخبين بالتصويت في مناطق سكنهم.
أمّا القبائل فهي الحلقة الأكثر غموضاً لجهة توقّع نتائجها في الانتخابات، لأنّها كانت في السابق تضمن الحدّ الأدنى من مقاعدها عبر “التشاوريّات”، لكنّ منعها هذه المرّة رفع عدد مرشّحيها، وهو ما قد يشتّت أصوات أبناء القبائل، خصوصاً في معاقلها بالدائرتين الرابعة والخامسة، ويفقدها ثقلها في المجلس الجديد.
ينطبق هذا الأمر بشكل أساسي على القبائل الأصغر عدداً، فيما القبائل الكبيرة تبدو ضامنة لبعض المقاعد بسهولة، مثل قبيلة “العوازم” في الدائرتين الأولى والخامسة، و”عتيبة” في الثالثة، و”مطير” في الثالثة والرابعة، و”الرشايدة” في الرابعة، و”العجمان” في الخامسة. وتبقى فرص جدّية لمرشّحي قبائل أخرى مثل “بني غانم” و”الظفير” و”عنزة” و”شمر” و”الهواجر” و”الدواسر”.
انخراط “المعارضين”
من اللافت أيضاً عودة بعض التيارات والشخصيات إلى المشاركة في الانتخابات، بعد مقاطعتها في السابق، احتجاجاً على مرسوم “الصوت الواحد”، وهو تعديل قانوني صدر في العام 2012 ونصّ على أن يكون لكلّ ناخب حقّ التصويت لمرشّح واحد في دائرته بدلاً من أربعة، كما كان معمولاً به في السابق.
إقرأ أيضاً: من هو الإماراتي؟ وما الثابت والمتحوّل في الهوية الوطنية؟
من أبرز العائدين عن المقاطعة من التيارات “المنبر الديموقراطي” وحركة “حشد”، ومن الشخصيّات رئيس مجلس الأمّة الأسبق أحمد السعدون، المرشّح الأبرز للعودة إلى رئاسة مجلس الأمّة، خصوصاً بعد عزوف رئيس مجلس الأمّة السابق مرزوق الغانم عن الترشّح للانتخابات.
*كاتب كويتي