تشارلز والأزهر: دكتوراه فخريّة وصوت منصف بشهادة ثلاثة أئمة

مدة القراءة 7 د

قد تكون مصر البلد الأقرب إلى قلب الملك تشارلز الثالث. فهناك أربعة استثناءات تعزِّز ذلك القول.

اختار تشارلز أن يمضي رحلة شهر العسل مع الأميرة ديانا في مصر، فيما تنافست بلدان العالم لاستضافة عروسَيْ القرن، ثمّ إنّه في زياراته مصر التقى ثلاثة من رؤسائها: السادات ومبارك والسيسي. وفي زياراته للأزهر الشريف التقى شيوخ الأزهر الثلاثة: جاد الحقّ علي جاد الحقّ ومحمد سيّد طنطاوي وأحمد الطيّب. ثمّ كانت المفاجأة حين اختار مصر مقصداً للسفر في الخريف الماضي 2021، في أوّل زيارة له خارج بريطانيا منذ بدأت جائحة كورونا.

في كلّ اللقاءات الأسبوعيّة التي كانت تجمع بلير بالملكة ووليّ العهد، كان تشارلز يقف ضدّ بلير طوال الوقت، ويرى أنّ بلير تابع لجورج بوش الابن، وأنّ بوش يفتقر إلى الذكاء

تشارلز في السبعين

يروي الكاتب البريطاني روبرت جوبسون في كتابه “تشارلز في السبعين.. الأفكار، الآمال، الأحلام”، الذي صدر في 300 صفحة، أنّ الملك تشارلز هو أعلم أفراد الأسرة المالكة بالإسلام، وأنّه شغوف للغاية بمعرفة هذا الدين، حتى إنّه قرأ القرآن ودرس اللغة العربية، وكان يرسل رسائله إلى القادة العرب باللغة العربية.

يتجاوز الأمر الثقافة إلى السياسة. فالملك الجديد لطالما أبدى تعاطفاً كبيراً مع المواقف العربية. وحسب الكتاب كان تشارلز ضدّ مشاركة بريطانيا في غزو العراق عام 2003، ولم يقتنع تشارلز بتقارير الاستخبارات البريطانية التي كان يقدّمها توني بلير، ورأى أنّ الأدلّة غير كافية ولا تبرّر الغزو.

في كلّ اللقاءات الأسبوعيّة التي كانت تجمع بلير بالملكة ووليّ العهد، كان تشارلز يقف ضدّ بلير طوال الوقت، ويرى أنّ بلير تابع لجورج بوش الابن، وأنّ بوش يفتقر إلى الذكاء. وفي شأن القضية الفلسطينية رأى تشارلز أنّها أحد أسباب التطرّف والإرهاب في العالم، ولا بدّ من حلّها، ولمّا زار كنيسة بيت لحم عام 2020، أطلق تحذيراً مدوّياً بشأن كارثة طمس الوجود المسيحي في فلسطين.

دكتوراه فخريّة من الأزهر

إنّ الملك تشارلز الثالث هو المسيحي الوحيد في العالم الذي حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة الأزهر. ويرتبط تشارلز بعلاقة متميّزة مع شيوخ الأزهر المتعاقبين، ولا سيّما الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيّب. وهناك عبارة شهيرة لشيخ الأزهر في مديح الملك تشارلز: “إنّه صوت غربيّ منصف”.

تحدّث الملك تشارلز في جامعة الأزهر عن جذور الإيمان المشتركة، وقال إنّ الغرب مَدين لعلماء الإسلام الذين حافظوا على كنوز العلم والمعرفة.

وفي كلمة تشارلز أمام الأهرامات بدأ خطابه باللغة العربية “السلام عليكم”، ثمّ واصل رؤيته في ضرورة الحوار بين الأديان والتعاون بين الحضارات. وفي حديث إلى هيئة الإذاعة البريطانية BBC عام 2015، قال: “يجب مدّ الجسور بين مختلف الأديان. فالتطرّف يدعو إلى القلق. وهم خطر على قيمنا”.

كان الملك تشارلز موفّقاً للغاية حين أشار إلى خطر “المراهقة” على الحياة المعاصرة، ولا سيّما تحالف المراهقة والإنترنت.

يرى الملك تشارلز أنّ الشخص قد يصبح متطرّفاً عن طريق الاتصال بشخص آخر عبر الإنترنت. وهناك قدر غير عاديّ من الأفكار المجنونة على الشبكة. وأحد أسباب التطرّف هو البحث عن المغامرة والإثارة في مرحلة عمريّة معيّنة هي مرحلة المراهقة. وعلى ذلك يجب إيجاد طرق بنّاءة للمراهقين، وتحويل حماستهم وطاقاتهم من المغامرة والعدوانيّة إلى الطرق البنّاءة.

الدين في بريطانيا

ملك بريطانيا هو ملك على 15 دولة، بريطانيا و14 دولة أخرى. معظمها دول صغيرة ما عدا الثلاث الكبار كندا وأستراليا ونيوزيلندا. وتعترف هذه الدول جميعها بأنّ الملك تشارلز هو ملك عليها، ويمثّله هناك “حاكم عامّ”. ويدير السياسة في الدولة رئيس الوزراء والحكومة المنتخبة.

ملك بريطانيا هو الرئيس الأعلى للكنيسة الإنجيليّة أيضاً. وفي قسم تولّي المُلك ترد عبارة: “الملك حامي العقيدة”. لكنّ الملك تشارلز عدلها إلى حامي العقائد.

طقوس تولّي العرش كلّها طقوس دينية مسيحية، تُقام في كنيسة ويستمنيستر، ويقودها كبار رجال الدين في كنيسة إنكلترا، لكنّها في الواقع طقوس تاريخية أكثر منها دينية.

في السنوات الأخيرة أصبحت بريطانيا تعاني تراجع المسيحية. وفي عام 2018 نشرت جامعة سانت ماري البريطانية دراسة عن ذلك التراجع غير المسبوق. وكتبت صحيفة “ديلي تلغراف” تعليقاً على الدراسة: “بريطانيا لم تعد مسيحيّة.. تقبّلوا الأمر”.

إنّ بريطانيا الدولة المسيحية منذ 1400 عام، أصبح اللادينيون فيها يمثّلون 49 في المئة، بينما وصلت نسبة المسيحيين إلى 43 في المئة. في السنوات الأخيرة زاد عدد المسلمين فيها قليلاً، واعتنق بعض أفراد النخبة البريطانية الإسلام، مثل “إيما كلارك” حفيدة رئيس وزراء بريطانيا في أثناء الحرب العالمية الأولى هربرت سكوت، وجوناثان بيرت نجل اللورد بيرت المدير العامّ السابق لـ BBC، والذي حصل على الدكتوراه من جامعة أكسفورد، وأصبح اسمه يحيى بيرت. لكنّ زيادة أعداد المسلمين والهندوس والبوذيّين لم تكن على حساب أعداد المسيحيين. ذلك أنّ كلّ أتباع الديانات غير المسيحية، ومن بينها الإسلام والهندوسية، لا يزيدون على 4 في المئة.

لم تتراجع المسيحية أمام الإسلام أو الهندوسيّة، لكنّها تراجعت أمام الإلحاد الذي بات يعصف بالقارّة الأوروبية، حتى إنّ شمال القارّة بدأ يشهد بناء معابد وثنية جديدة لعبادة الأصنام

الملكة والملك

كانت صورة إليزابيث في مصر سيّئة للغاية. فهي كانت ملكة بريطانيا في أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. لكنّ مرور الزمن وتحسّن العلاقات المصرية البريطانية أدّيا إلى تحسُّن الصورة، ولا سيّما في السنوات الأخيرة.

أصبحت الملكة أكثر ودّاً تجاه المسلمين، حتى إنّها اعترفت رسمياً بمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، ثمّ أعطت العاملين المسلمين في قصر باكينغهام فترة استراحة في أثناء عملهم لأداء صلاة الجمعة.

نعى شيخ الأزهر ملكة بريطانيا، وقال إنّها “قضت حياتها في خدمة بلادها، واجتهدت في الارتقاء بشعبها”. وهنّأ الإمام الأكبر الملك تشارلز بتولّي العرش، ممتدحاً ثقافته وحكمته.

في السنوات الأخيرة أثار الإعلام البريطاني جدلاً واسعاً حول علاقة الملك تشارلز ببعض المليارديرات العرب الذين تبرّعوا لمؤسّسته الخيرية، إذ تبرّع رجل الأعمال السعودي بكر بن لادن، ورئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم آل ثاني، والملياردير السعودي محفوظ مرعي مبارك بن محفوظ رئيس مجموعة “بن محفوظ” السعوديّة بملايين الدولارات للمؤسّسة.

وجّه الإعلام انتقادات للملك، حين كان وليّاً للعهد، بسبب قبول هذه التبرّعات، أو منحه أوسمة ملكيّة مقابل ذلك، وإطلاق اسم محفوظ على إحدى غابات القصر. ولكنّ التحقيقات أكّدت عدم وجود مخالفات، وأُقيل السكرتير الخاصّ الذي ربّما وعد المتبرّعين بأوسمة من دون معرفة وليّ العهد.

إقرأ أيضاً: تشارلز.. آخر ملوك بريطانيا؟

تشارلز في الرابعة والسبعين

أصبح الأمير تشارلز ملكاً على المملكة المتحدة وهو في الرابعة والسبعين من العمر. شهدت الملكة إليزابيث الثانية هبوط بريطانيا من علياء القوّة العظمى إلى دولة مؤثّرة. واليوم تواجه الدولة المؤثّرة تحدّيات كبيرة. ويتحدّث البعض في أوروبا عن أنّ الدولة المؤثّرة قد تصبح أقلّ تأثيراً.

إنّ ما ستكون عليه بريطانيا في عهد تشارلز الثالث يماثل حال أوروبا.. والعالم.

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.

له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

مواضيع ذات صلة

إيلي صعب.. إيلون ماسك والمرشد

كان يمكن لمحاولات إيران التهدئة مع الولايات المتحدة، عبر تقارير عن مفاوضات بين سفيرها في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني ‏والملياردير الأميركي إيلون ماسك (نفتها…

المعارضة تستعين بالمماطلة لتعطيل ترامب؟

الفوز الكبير الذي حقّقه دونالد ترامب والحزب الجمهوري في انتخابات مجلسَي النواب والشيوخ، زاد من قناعة الرئيس المنتخب بأنّ الشعب الأميركي منحه تفويضاً لقيادة البلاد…

واشنطن وطهران: إدارة صراع أم صفقة؟

لم يكن الموقف الإيراني من انتخاب الرئيس الأميركي الجديد – القديم دونالد ترمب موقفاً سلبياً بالكامل، ولم يكن في الوقت نفسه إيجابياً أيضاً. فالحذر الشديد…

أسرار تسميات ترامب: مصيرنا بيد إيلون ماسك

يرسم المتابعون والعارفون بعقل دونالد ترامب في واشنطن صورة واضحة لما يفكّر فيه الرجل، وما سيقوم به، خصوصاً بما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط.   يعترفون…