أخرجونا من مخيّم اللاجئين.. إلى السياسة بدل الإعاشة

مدة القراءة 4 د

هناك إجماع دوليّ على أن لا وجود للدولة في لبنان، بل نماذج فساد واهتراء وهوان. هذا ما قاله تقرير البنك الدولي الأخير الذي تجاهله المسؤولون عندنا، الكبير منهم والصغير، كأنّه لم يصدر عن أعلى مرجع ماليّ دوليّ ولم يكن له أيّ وجود.

 

لاجئون يحسدون لاجئين

علينا نحن اللبنانيّين إدراك هذا الواقع، من دون أوهام أو أحلام أو رهانات فاشلة لا تفي بالمطلوب. فما اعتدناه في السنوات الفائتة بات سراباً ومستحيلاً، وتماهياً باللامعقول. “كرتونة موادّ غذائية” أو شاحنة مازوت أو مستوعب أدوية لإغاثة الموجوع، هذا أقصى ما يمكن أن يرسله إلينا العالم الغربي والعربي عبر مؤسّساتنا الأهليّة حصراً لا الحكومية.

يتعامل المجتمع الدولي والعربي مع لبنان على أنّه مخيّم لاجئين، لبنانيين وسوريين وفلسطينيين. ما يُقدَّم من مساعدات في هذه المرحلة ينحصر في الشأن الإغاثي، مثل كلّ التقديمات التي تُمنَح عند حدوث الأزمات والكوارث، من غذاء وماء ودواء، لمخيّمات اللاجئين في الأردن والعراق، وصولاً إلى أوروبا حيث مخيّمات اللاجئين الأوكرانيّين.

لا اتّفاقيات، لا معاهدات، لا قروض ماليّة، ولا استثمارات منتجة. فلا حكومة لدينا يثق بها المجتمع الدولي، قادرة على توقيع العقود والصفقات، ولا مؤسّسات رسمية فاعلة تحظى بثقة المانحين بإمكانها الدخول في شراكة مع مؤسّسات خارج الحدود، فمؤسساتنا نخرها الفساد واستوطنها الفاسدون.

عبر الاستحقاق الرئاسي، يمكننا العبور. هو استحقاق ليس محصوراً بانتخاب رئيسٍ للجمهورية. هو خارطة طريق، فرصة لبناء الدولة برمّتها

عامّة اللبنانيين استسلموا لهذا الواقع، وباتوا يتصرّفون في يوميّاتهم على أنّهم من اللاجئين. دخلوا في منافسة مع باقي أشقّائهم من اللاجئين، تارة يهاجمون النازحين السوريين في لبنان، لأنّهم يحصلون على مخصّصات ماليّة من الجهات المانحة بالعملة الصعبة، فيما هم لا يشاهدون سوى طوابير النازحين السوريّين في الأوّل من كلّ شهر أمام ماكينات الصرّاف الآليّ للبنوك اللبنانية. وتارة أخرى ينتقدون اللاجئين الفلسطينيين لأنّ العيش في مخيّماتهم بات أفضل من العيش خارجها.

 

رؤية سياسية

نحن اللبنانيّون لسنا بحاجة إلى إغاثة أو مجمع حليب. نحن بحاجة إلى رؤية سياسية وطنية تعيد الاعتبار لهذه البلاد كي تعود وطناً ولا تتحوّل إلى مخيّم لاجئين. نحن بحاجة إلى رجال دولة إنقاذيّين يعملون وفق مصالح الشعب وليس وفق أهواء المسؤولين. يرسمون طريق الخروج من جهنّم، ولا يجمعون الحطب لإذكاء نار الجحيم. نحن بحاجة إلى أن يحمل إلينا كلّ شقيق وصديق مشاريع الشراكة والاستثمار في السياسة والاقتصاد والثقافة وكلّ شيء جميل، لا أن يتحوّل إلى مسعف في هيئة إغاثة عالمية مهمّتها إغاثة الضحايا بعد زلزال كبير.

بانتظار ما نحن بحاجة إليه في السياسة، يبقى السؤال: كيف يمكن اللبنانيّين الخروج من المجهول إلى المعلوم، ومن هذا الواقع الأليم؟

لا حلّ أمامنا سوى العودة الآمنة من مخيّم اللاجئين الذي نعيش فيه، إلى الدولة العادلة التي ننشدها. العودة ممكنة عبر تحويل الاستحقاق الرئاسي إلى فرصة حقيقية للإنقاذ ومدماك أساسيّ للعيش في كنف وطن يحترم ناسه ويصون حقوقهم، ويكون أرضاً خصبة لأحلامهم وأحلام أولادهم.

عبر الاستحقاق الرئاسي، يمكننا العبور. هو استحقاق ليس محصوراً بانتخاب رئيسٍ للجمهورية. هو خارطة طريق، فرصة لبناء الدولة برمّتها. انتخاب رئيس جديد سيليه تشكيل حكومة جديدة، مهمّتها قيادة إصلاح اقتصادي عبر خطّة تعافٍ عادلة، واستراتيجية دفاعية صادقة، وقانون للانتخاب يعيد إنتاج الطبقة السياسية برمّتها، وقانون عادل لا قانون لترميم الرميم وإحياء الموتى والمراهنة على العظام التي باتت رميماً.

 

رئيس إنقاذي

انتخاب رئيس إنقاذيّ للجمهورية يدعو إلى استشارات حكومية تُنتج حكومة إنقاذية بعيداً عن المحاصصة والطائفية. خارطة طريق يطلبها بل يقترحها المجتمع الدولي والعربي علينا إن أردنا منه أن يساعدنا ويقف إلى جانب دولتنا كي نغادر مخيّم النازحين.

اشتهر اللبنانيون عبر السنوات الفائتة بإضاعة الفرص الذهبية. فمنهم من راهن على الأشخاص لا على المشروع. آخرون انتظروا المجهول، وكان رهانهم الغيب، وامتهنوا الانتظار من دون أيّ مؤشّر أو دليل. والبعض منّا، وهم كثرة، غنّوا له كي ينام، فمات قرير العين.

إقرأ أيضاً: الحكومة اللبنانية: الخيبة بدل الهيبة

الفرصة اليوم عبر الانتخابات الرئاسية هي الأخيرة قبل الارتطام الكبير، واندثار الوطن، وتفتّت الكيان، واستيطان الغربان في السماء منذرةً بالبلاء العظيم.

يبقى السؤال قبل التقاط هذه الفرصة أو تضييعها عبر تناتش الأسماء المرشّحة، القويّ منها والضعيف: هل هناك مَن يسعى إلى تجنيب لبنان واللبنانيّين هذا الارتطام، أم هناك كثيرون منّا يخطّط له ويسعى إليه؟! اللهمّ نجِّنا من عصابة الأشرار والشرير.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…