مقابل “سيل” التصريحات الصادرة عن مستشار رئيس الجمهورية الياس بو صعب في ملفّ الترسيم البحري، فإنّ المدير العامّ للأمن العامّ اللواء عباس إبراهيم يُحيط وساطته ودوره في الملف بجدار من السرّيّة كأحد شروط نجاح المفاوضات غير المباشرة مع العدوّ الإسرائيلي في ملفّ ترسيم الحدود البحرية.
صحيح أنّ المناخات الإيجابية ما تزال طاغية إعلامياً ويشارك فيها هذه المرّة الوسيط الأميركي آموس هوكستين لناحية تأكيده حصول تقدّم في المفاوضات وسعيه إلى تقديم جواب خطّيّ للمسؤولين اللبنانيين قبل نهاية الأسبوع، إلا أنّ مصادر مطّلعة تجزم لـ “أساس” أنّ الترسيم ما يزال أسير الفِخاخ الإسرائيلية والمماطلة المقصودة، فتهديدات تل أبيب المستمرّة وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي أمس عن عزم إسرائيل تصدير الغاز إلى أوروبا بحلول العام المقبل في مقابل سقف الخطاب العالي لحزب الله، يشكّلان ضغطاً سلبياً على مسار تفاوض لا أحد قادر على الجزم أنّه سيُحسم قبل الانتخابات الرئاسية في لبنان وانتخابات الكنيست.
حتى الآن لا جواب إسرائيلياً حاسماً على الطلب اللبناني المتّصل بحقّ لبنان بالخطّ 23 وتوسيعه لتثبيت حقّ لبنان في حقل قانا، لا بل تتعمّد إسرائيل تجاهل حقّ لبنان في نقطة رأس الناقورة وفي النقطة B1 من خلال إثارتها لخطّ الطفّافات (العوّامات البحرية) الذي بدا كالأرنب الذي أخرجه هوكستين في المراحل الأخيرة من التفاوض، والذي من خلاله يشرّع ضمنيّاً احتلالها لمنطقة رأس الناقورة ونفق سكّة الحديد من دون الحديث عنهما مباشرة.
يلفت المتابعون لملفّ الترسيم إلى أنّ “إثارة مسألة الطفّافات العائمة من الجانب الإسرائيلي والأميركي هو مطلب خبيث من الصعب أن يمرّ إلا إذا كانت الصفقة كبيرة”
في الإعلام يؤكّد المسؤولون اللبنانيون عدم تطرّق هوكستين إلى الموضوع البرّي، إلا أنّ من الصعب، وفق مطّلعين، نفي تأثير تكريس أو تثبيت خطّ الطفّافات بوضعه الحالي على ما يريده الإسرائيلي برّاً عند منطقة رأس الناقورة.
يلفت المتابعون لملفّ الترسيم إلى أنّ “إثارة مسألة الطفّافات العائمة من الجانب الإسرائيلي والأميركي هو مطلب خبيث من الصعب أن يمرّ إلا إذا كانت الصفقة (التسوية في المنطقة) كبيرة”.
ما هو خطّ الطفّافات البحريّة؟
في العام 2000 وضع العدوّ الإسرائيلي عدداً من الطفّافات مقابل رأس الناقورة لمسافة تبعد حوالي 7 كلم من الشاطئ، وذلك بهدف منع المراكب وزوارق الصيّادين اللبنانيين من اجتياز هذه الطفّافات نحو بحر فلسطين المحتلّة.
في العام 2011 رسّم العدوّ الإسرائيلي حدوده البحرية مع لبنان بالخط 1 الذي يمتدّ حوالي 130 كلم حتى النقطة الثلاثية في البحر (النقطة الخلافية بين 1 و23 و29)، وقد تطابقت إحداثيّات هذه الحدود في بدايتها مع إحداثيّات الطفّافات الموضوعة من قبله.
تقع هذه الطفّافات جميعها شمال الخط 23، وتقضم مساحة تبلغ حوالي 3 كلم مربّعة من المياه اللبنانية، إلا أنّ الهدف المبيّت من هذه الطفّافات ليس فقط هذه المساحة المائية، بل يتعدّى ذلك إلى قضم منطقة الـ B1 الاستراتيجية ونفق رأس الناقورة، بحيث تصبح هذه المنطقة جنوب امتداد خطّ الطفافات في حال موافقة الجانب اللبناني على الاقتراح الإسرائيلي.
يقول مواكبون لملفّ الترسيم البحري: “الخطير في الموضوع هو الادّعاء من جانب مسؤولين لبنانيين، وعلى رأسهم الياس بو صعب، عدم التطرّق إلى ملفّ الحدود البرّية مع إسرائيل خلال الاجتماعات مع هوكستين، وهذا أمرٌ ما يزال يشوبه الغموض، مع العلم أنّ موافقة لبنان على موقع الطفّافات وتثبيتها كما هي الآن سوف يشكّلان وثيقة رسمية بيد الإسرائيلي للمطالبة بكلّ ما يريد في منطقة رأس الناقورة عند فتح ملف الحدود البريّة”.
إقرأ أيضاً: المباحثات مع هوكستين.. شرط إسرائيليّ بحريّ يُقلق لبنان برّيّاً؟
تؤكّد أوساط قريبة من الوفد اللبناني المفاوض أنّ “الإسرائيلي يريد من إحداثيات خطّ الطفّافات تغيير معالم نقطة رأس الناقورة ثمّ الـ B1 ثمّ السيطرة على النفق الذي أطلق وزير الأشغال علي حميّة خلال زيارته الأخيرة لمنطقة الناقورة في 15 تموز أوّل موقف رسمي لبناني حياله مؤكّداً حقّ لبنان في نفق قطار سكّة الحديد الذي يحتلّ العدوّ الإسرائيلي مساحة منه بقيت ضمن النقاط المتنازع عليها في رأس الناقورة”.