بعد التكهّنات والتشكيك في حصول الزيارة حطّت طائرة الوسيط الأميركي آموس هوكستين في مطار بيروت لساعات قليلة أجرى خلالها جولة سريعة على الرؤساء الثلاثة وسلّمهم خلاصة الجواب الإسرائيلي على المقترحات اللبنانية، وفيها “شرط إسرائيلي” في البحر أثار قلق لبنان على السيادة البرّيّة.
يعود سبب هذا القلق اللبناني من البحث في النقطة البرّيّة إلى الخشية من أن يؤدّي ذلك إلى الإطاحة بالخطّ الأزرق وبتحفّظات لبنان على بعض نقاطه، ناهيك عن أنّه قد يطيح بأصل “الترسيم” بين لبنان وفلسطين زمن الانتداب.
وبحسب مصادر المفاوضين من الجانب اللبناني، أعادت الاجتماعات التي جرت مع الرؤساء الثلاثة النقاش إلى موضوع الترسيم الذي يستلزم إجابات جديدة، وذلك أنّ ما سلّمه هوكستين تضمّن الآتي:
ـ كان المطلوب دخول إسرائيل إلى عمق الخطّ 8، لكنّه قوبل برفض لبنان.
ـ أرادوا منح لبنان نسبة 90 في المئة من أصل 860 كيلومتراً، فكان أن جُوبه هذا المطلب بالرفض أيضاً.
أبدت مصادر مواكبة أخرى خشيتها ممّا وصفته “الشرط الإسرائيلي المستجدّ”
لبنان استحوذ على حصّته وتوتال ستعوّض إسرائيل
لكنّ الإيجابية التي تحقّقت، على ما تقول المصادر، هي في “حصول لبنان على كامل البلوكات، بالإضافة إلى قانا كاملة، بكلّ ما تحتويه من غاز، أي أنّ لبنان سيستحوذ على كامل حصّته، وأمّا التعويض الذي كان يطلبه الجانب الإسرائيلي عن المساحة من قانا التي تقع ضمن حدوده، فستتكفّل شركة توتال بدفعه”. وهذا ما أكّدته مصادر “توتال” التي أوضحت أنّ الشركة الفرنسية اتّفقت مع الشركة التي تعمل في الجهة الأخرى من الحدود في فلسطين المحتلّة على أن تعوّض على إسرائيل، وأن “لا دخل للبنان بالاتفاق الذي سيحصل بينهما”.
وتستدرك المصادر قائلة: “لكن بقيت نقطة عالقة تتّصل بما يعرف بالخط الأزرق المائيّ قبل الوصول إلى البلوكات، أي أوّل خمسة كيلومترات في البحر، وهي ليست تابعة للبنان، وإنّما بمنزلة خطّ أزرق بحريّ. وتطالب إسرائيل أن تكون هذه العوّامات هي الحدود الفاصلة وإلّا اعتبرت عكس ذلك خرقاً أمنيّاً باتجاهها، فردّ لبنان مطالباً بإحداثيات خاصّة بالبقعة المشار إليها قبل الإجابة، فإذا وجد أنّ الموافقة لن تلحق الضرر بحدوده البحريّة وسيادته عليها، فلا ضير وإلّا فسيرفض حتماً”. إلى هنا وصلت المباحثات.
بو صعب: البحث انحصر بالبحر
يؤكّد نائب رئيس الحكومة الياس بو صعب، المكلّف متابعة الملفّ مع الوسيط الأميركي، في حديث إلى “أساس ميديا”، أنّ المباحثات تعلّقت حصراً بأمتار قليلة من المياه، وأنّ “الوسيط الأميركي غادر على أمل أن يرسل خطّيّاً النقاط التي بحثها، أي الإحداثيّات أو نقاط العوّامات، للتأكّد من كونها من مصلحة لبنان، فإذا وجدنا حلّاً للعوّامات فقد نكون على مفترق أسابيع من الاتفاق”.
ويجزم بو صعب أنّ البحث مع هوكستين لم يتطرّق إلى الحدود البرّية بأيّ شكل من الأشكال، وأنّ “الخطّ المشار إليه لا يلمس الشاطئ وصولاً إلى البرّ أبداً، ولم يتمّ التطرّق إلى الخطّ البرّي”. ويخلص إلى القول إنّ “الحلّ الذي أتى به هوكستين فيه مصلحة للبنان، لكن يبقى أن نتأكّد من المطلب المستجدّ وتأثيراته على سيادة لبنان وحقّه في حدوده البحريّة”.
أعادت مصادر مواكبة التأكيد على عدم تناول المباحثات الخطّ البرّيّ، باستثناء ما طرحه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع هوكستين من إمكانية إيجاد حلّ للنقاط العالقة في البرّ، فكان جواب الوسيط الأميركي أنّ “مثل هذا الطرح قد يعرّض التفاوض للعرقلة لأنّه لا جهوزيّة للأمر في الوقت الحاضر، وفريق البحث الحالي لا علاقة له بالبرّ”، فأجابه ميقاتي: “إذاً لنبقَ بالبحر”.
المطلب الإسرائيليّ مُقلق
أبدت مصادر مواكبة أخرى خشيتها ممّا وصفته “الشرط الإسرائيلي المستجدّ”، وقالت إنّه بينما كان يُتوقّع أن يسلّم هوكستين لبنان الأجوبة الإسرائيلية على المقترح اللبناني، “فقد تحدّث عن إحراز تقدّم واعداً بإكمال جولته والتحدّث لاحقاً”، ثمّ راح يبدي بالمطار تفاؤله بـ”المفاوضات التي كان يفترض أنّها انتهت”.
يتعلّق العامل غير المطمئن بالشقّ الأمنيّ الذي تضمّنه المطلب الإسرائيلي الجديد والذي يهدف إلى ضمان سيطرة تل أبيب على المنطقة الحدودية اللبنانية بحراً، بحسب هذه المصادر التي تساءلت: “هل يتعلّق المطلوب بالسيادة اللبنانية في داخل البحر؟”، مبديةً خشيتها من أن يكون “الهدف من الشرط الجديد تقطيع الوقت إلى حين تمرير الانتخابات الإسرائيلية، أو الرغبة في تطيير المفاوضات بدليل أنّ هوكستين لم يحدّد موعداً لزيارة جديدة”.
وتلخّص هذه المصادر ما حمله معه هوكستين في أثناء زيارته بأنّه “كان عبارةً عن أفكار سيعمل على صياغتها وتحويلها إلى مقترحات”، وتتساءل: “هل يكون المقترح الجديد بمنزلة لغم لتفجير المفاوضات وتأجيل الاتفاق أم يمكن حلّ النقطة التي أثارها هوكستين بلسان إسرائيليّ؟”.
إلزام تل أبيب
في تل أبيب حيثُ كان هوكستين قبل توجّهه إلى لبنان، طلب الوسيط الأميركيّ من القادة الإسرائيليين “الالتزام بما تمّ التّوصّل إليه”، على ما تشير مصادر أميركيّة رسميّة في وزارة الخارجيّة لـ”أساس”.
وأكّدت هذه المصادر أنّ الهدَف الأوّل من زيارة هوكستين لإسرائيل “كان إبلاغ زعيم حزب الليكود بنيامين نتانياهو أنّ الولايات المُتحدة تطلبُ من القوى السّياسيّة الإسرائيليّة الالتزام بما تمّ التوصّل إليه على طريق الاتفاق بين لبنان وإسرائيل لجهة ترسيم الحدود مهما كانت نتيجة الانتخابات التشريعيّة وشكل الحكومة المُقبلة”.
إسرائيل تتوعّد
طلبَ هوكستين من الثّنائي الحاكم رئيس الوزراء يائير لابيد ووزير دفاعه بيني غانتس الالتزام “بضبط النّفس” في حال وجّه حزب الله ضربة لمنصّات الغاز الإسرائيليّة أو أيّ هدفٍ آخر. لكنّ لابيد وغانتس أبلغا الوسيط الأميركي أنّ “تل أبيب لن تسكُت في حال تعرّضت مصالحها لهجوم، وإن كان تقييم القيادة العسكريّة يشير إلى أنّ قيادة الجيش والاستخبارات العسكريّة تُفضّل الترسيم الهادىء”، لكنّهما لن “يسكُتا إطلاقاً في حال تعرّضت هيبة إسرائيل للاهتزاز على أيدي حزب الله”، وطلبا منه إيصال هذه الرّسالة إلى المسؤولين في لبنان.
إقرأ أيضاً: الترسيم والرئاسة وإحلال الميليشيات محلّ الدول
وفي لقائه مع لابيد قال هوكستين لرئيس الوزراء: “التزامكَ بإنجاز ترسيم الحدود في خلال الاتصال مع الرّئيس (جو) بايدن (قبل أسبوع) يُلزِمُكَ ويُلزمُ إسرائيل، وبايدن يسعى إلى حماية شركائنا في أوروبا ولا نملك ترف الوقت في هذا المجال”.