إسرائيل تستعدّ لمواجهة تدفُّق المال إلى إيران

مدة القراءة 7 د

في الوعي الإسرائيلي أنّ الدولة العبرية لا يمكنها وقف “الإتفاق النووي” بين إيران والولايات المتحدة. وتعرف تل أبيب جيداً أنها يمكنها التدخل “لعرقلة المسار” لا أكثر، وفي أحسن الأحوال “تأجيل” الإتفاق إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية النصفية المُزمعة في تشرين الثاني المقبل. ومتى أُنجِزَ الإتفاق فسيتدفق المال على طهران التي ستغذي وجودها في سورية، فضلاً عن تمويلها لأذرعها في عموم المنطقة. ومن هذا تتحسب إسرائيل، وعلى أساس ذلك تحرك قواتها الجوية ضد سوريا في هجمات متعاقبة.

من هذا المنظار يمكن قراءة العدوان الجوي الإسرائيلي على مطار حلب بسوريا وإخراجه من الخدمة. وهذا يصح على ضرب “أهداف إيرانية” في طرطوس قبل أيام. فالقناعة في تل أبيب أن الطرفين الأميركي والإيراني وصلا إلى نقطة اللاعودة حتى لو كانت هناك حاجة إلى جولة محادثات أخرى من أجل استكمال صيغة المسوّدة الختامية. وما تدركه إسرائيل أكثر هو  أنّ العالم يرى في إيران منذ الآن “دولة عتبة (أي تقف على عتبة الدول النووية)”، و”توجد لها بطاقة عضويّة في النادي النووي”، وفق تعبير الكاتب الإسرائيلي ناحوم بريناع.

تقول مصادر أمنيّة إسرائيلية إنّ النشاطات الإيرانية ازدادت في منطقة طرطوس وفي منطقة الساحل السوري الواقعة تحت سيطرة روسيا، والقريبة من القاعدة البحريّة الروسية

التحدي الراهن لتل أبيب

يكمن التحدّي الحاليّ لتل أبيب في أنّ التوصّل إلى اتّفاق نوويّ ستكون نتيجته المباشرة تحويل مئات ملايين الدولارات إلى عمليات “فيلق القدس” في الحرس الثوري في سورية والعراق ولبنان، وتكثيف الوجود الإيراني العسكري في سورية، وذلك بعد رفع العقوبات عن إيران وحلّ مسألة تجميد الأموال الإيرانية في المصارف الأوروبية، وفتح سوق النفط العالمية أمام طهران، التي يُتوقّع لها أن تسوّق نحو 2.5 مليون برميل يومياً، وأن تزيد الإنتاج إلى أكثر من 3.5 ملايين برميل يومياً، بعد فترة الترميم وإعادة التأهيل لمنشآتها النفطية والبنية التحتية.

بمعنى آخر، وكخطة استباقية، عملت الطائرات الحربية لتل أبيب أخيراً على ضرب المطارات السورية لإخراجها من الخدمة، وذلك لمنع الطائرات الإيرانية التي تحمل أسلحة من الهبوط في سورية، ولا سيّما أنّ تل أبيب تتوقّع أن تزداد وتيرة نقل السلاح الإيراني إلى سورية وأذرعها في المنطقة بشكل كبير صبيحة التوقيع على الاتفاق النووي.

 

إضطرار إسرائيل إلى رفع هجماتها الجوية

وبحسب “مركز القدس للشؤون العامّة والسياسة”، ستضطرّ إسرائيل إلى زيادة هجماتها في سورية لعرقلة التمركز العسكري الإيراني على الحدود بين سورية وإسرائيل، ومنع تهريب السلاح المقدّم من إيران إلى “حزب الله” في لبنان.

وربّما من المرّات القلائل التي تعترف فيها تل أبيب بمسؤوليّتها عن مثل هذا القصف الصاروخي. فقد تحدّث نائب رئيس الموساد السابق بن باراك عمّا وصفه رسالة استهداف مطار حلب الدولي، “لمنع طائرات معينة” من الهبوط في المطارات السورية، قاصداً بذلك الطائرات الإيرانية. وقال بن باراك أنّ الهدف هو إبلاغ” الأسد بأن يأخذ بالحسبان أنّه إذا هبطت طائرات هدفها الإرهاب، فإنّ قدرة النقل الدولي السوري ستُستهدف أيضاً”. وأضاف بن باراك أنّ “استراتيجية دولة إسرائيل بشكل عامّ هي إحباط المحاولة الإيرانية لنشر ميليشيات مسلّحة ومزوّدة بأسلحة دقيقة من حولنا، وفي الوقت نفسه أن نشير للأسد أنّ اختياره تنفيذ خطّة كهذه سيؤدّي إلى استهداف مصالحه أيضاً”.

 

إيران تتلطى بروسيا في سورية

تقول مصادر أمنيّة إسرائيلية إنّ النشاطات الإيرانية ازدادت في منطقة طرطوس وفي منطقة الساحل السوري الواقعة تحت سيطرة روسيا، والقريبة من القاعدة البحريّة الروسية، انطلاقاً من الافتراض أنّ إسرائيل ستتخوّف من مهاجمة هذه المنطقة، كي لا تتورّط في مشاكل مع روسيا. وبحسب تلك المصادر، فإنّ كلّاً من إيران و”حزب الله” بدأ باستخدام مستودعات وحاويات سلاح في منطقة طرطوس القريبة من الحدود السورية – اللبنانية، لتخزين السلاح الذي يأتي من إيران بحراً عبر ميناء طرطوس.

في إسرائيل أصواتاً ترى أنّ حديث قادة تل أبيب عن ضرب المشروع النووي الإيراني هو أقرب إلى “التفحيط” السياسي، ويهدف فقط إلى الاستثمار الداخلي، وهو غير ممكن واقعيّاً

هدف إسرائيل حماية محيطها من القدرات الإيرانية

وتدرك تل أبيب أنّ إضعاف أذرع إيران من الممكن أن يزعزع الاستراتيجية الإيرانية التي تستند برمّتها إلى هذه الأذرع، والتي تهدف إلى الحؤول دون قصف مواقعها النووية، وأرصدتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. وبحسب موقع “N12” الإسرائيلي ، فإنّ التوجّه الحالي في إسرائيل يعتمد على ضربات في الدائرة الثالثة لإيران بدرجة أعلى . وهذا التوجه أصبح هدفاً مركزياً في الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة، لإضعاف قدرات طهران لجهة تقوية قواعدها العملياتيّة المتقدّمة التي تحيط بإسرائيل: لبنان، غزّة، سورية، اليمن، العراق. وكلّما ضعفت القوى المحيطة بإسرائيل ستضعف قوة الردع الإيرانية، وسيتوسّع انكشاف المشروع النووي الإيراني لضربه. وبهدف الحفاظ على قوّتها في المنطقة، ستحتاج إيران إلى الكثير من الموارد، وهو ما يجعلها أمام معضلة دعم صمود النظام والتوسّع في الإقليم في الوقت نفسه.

لكنّ في إسرائيل أصواتاً ترى أنّ حديث قادة تل أبيب عن ضرب المشروع النووي الإيراني هو أقرب إلى “التفحيط” السياسي، ويهدف فقط إلى الاستثمار الداخلي، وهو غير ممكن واقعيّاً.

 

إسرائيل تكذب ولا تملك خياراً ضد إيران

وتحت عنوان “كفى كذباً: إسرائيل لا تملك خياراً عسكرياً ضدّ إيران”، قال محلّل الشؤون الاستخباراتية في “هآرتس” يوسي ميليمان إنّه  “منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، وما تزال القيادات السياسية والأمنيّة تكذب على الجمهور. تبثّ الأوهام وتضلّل، كأنّ إسرائيل تملك فعلاً خياراً عسكرياً ضدّ المشروع النووي الإيراني. الحقيقة هي أنّه لو كانت لإسرائيل إمكانية كهذه، كانت ستظهر عندما كان المشروع في مراحل الإعداد. في سنة 2008، أضاعت إسرائيل فرصة لضرب المواقع النووية الإيرانية، عندما كانت ما تزال في مراحلها المبكرة، وكان جورج دبليو بوش ما يزال في البيت الأبيض. لكن على عكس العمليات التي استهدفت المفاعلين النوويَّين العراقي والسوري، لا يوجد لدى إسرائيل إمكانية حقيقية لإحباط البرنامج النووي الإيراني بعملية عسكرية”.

 

إسرائيل لا تملك صواريخاً كافية لمواجهة التهديدات الإيرانية

وفي هذا السياق، فإنّ اللواء يتسحاك بريك، معدّ تقرير “إخفاقات جيش الاحتلال واستعداده للحرب”، في لقاء مع راديو “واينت”، هاجم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد الذي هدّد إيران بأنّها “ستكتشف يد إسرائيل الطويلة وقدراتها”. وإعتبر اللواء بريك أنّ تهديد لابيد “محرج ومهين”، متسائلاً: “بماذا تهاجمون؟”. وقال: “نحن لا نملك عدداً كافياً من صواريخ العصا السحريّة وحيتس، وما نملكه هو فقط عدد بالكاد يكفي لحماية المواقع الاستراتيجية والحيوية، لأنّها صواريخ باهظة الثمن ولا يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تغطية صناعة مثل هذه الصواريخ بأعداد كبيرة”.

إقرأ أيضاً: الضفة تغلي وتُقلق إسرائيل.. أكثر من “النووي”

وأضاف بريك أنّ “ما نملكه من صواريخ القبّة الحديدية معدّ للتعامل مع الصواريخ الصغيرة، وعندما نفدت من مخازننا هرع غانتس إلى الولايات المتحدة لطلب المساعدة في تغطية نفقات إنتاجها وتعويض النقص”. وأوضح أنّ “القوات الجويّة غير مؤهّلة لحسم أيّ معركة، والدليل على ذلك ما حدث في عملية حارس الأسوار” في إشارة إلى العملية المضادة التي شنتها القوات الإسرائيلية في مواجهة عملية “سيف القدس”.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…