“حرب ظلال” إسرائيلية لمواجهة “النووي” الإيراني

مدة القراءة 6 د

بطريقة احتفالية خالية من المضمون السياسي والعسكري، وأقرب إلى الفانتازيا، وبعد رحلات مستعجلة إلى واشنطن، أعلنت تل أبيب عشيّة التوقيع المحتمل على الاتفاق النووي الجديد بين واشنطن وطهران، أنّها غير ملزمة بالاتفاق، وغير مقيّدة بشروطه، مع أنّ قادة تل أبيب يدركون أنّ قدرة تأثير إسرائيل على احتمالية توقيع اتفاق نووي مع إيران هامشيّة جدّاً.

فقد ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تأخذ في الحسبان “حكومة يائير لابيد في ما يخصّ ملفّ الاتفاق النووي الإيراني”. وقال الصحافي الإسرائيلي يانون مغال، عبر حسابه في “تويتر”، إنّ رئيس الحكومة “يائير لابيد طلب التحدّث مع الرئيس الأميركي جو بايدن، والجواب الذي تلقّاه كان أنّ الرئيس في عطلة. باختصار، لا تأخذ إدارة بايدن في الحسبان هذه الحكومة”.

في هذا الإطار نشأ تقدير إسرائيلي أنّ الولايات المتحدة الأميركية تنازلت لإيران عن كلّ مطالبها، وأنّه لا يمكن، في هذه المرحلة، وقف الاتفاق النووي المتبلور، وأنّ طهران حصلت على صفقة الأحلام. واعتبر معلّق الشؤون العسكرية في موقع “والاه” الإسرائيلي أمير بوخبوط أنّ “الإيرانيين يسحبون الأميركيين من أنوفهم ببراعة”. وبالنسبة إلى تل أبيب، هي صفقة موقّعة من طرف واحد، ففي النهاية رضخت الولايات المتحدة، ولم تُجرِ مفاوضات فعليّة، وقبِلت أغلبيّة المطالب الإيرانية من دون الرجوع إلى الجانب الإسرائيلي.

صحيح أنّ وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس ومستشار الأمن القومي إيال حولاتا طارا إلى واشنطن ليناقشا البيت الأبيض في تفاصيل الاتفاق المتوقّع، وليعبّرا عن المعارضة الإسرائيلية له، لكنّهما لم يحصلا على ما حصل عليه الإسرائيليون في أثناء المفاوضات في فترة أوباما، إذ كانوا على صلة بما يجري من الخارج كما لو أنّهم موجودون في داخل الغرفة.

3 اتجاهات إسرائيلية حيال “النووي”

بحسب الكاتب الإسرائيلي يوآف ليمور يوجد في تل أبيب حالياً ثلاثة مواقف مبدئية من الاتّفاق شبه المتحقّق:

ـ الأوّل يقوده رئيس “الموساد” دادي برنيع، ويعارض الاتفاق معارضة تامّة، ويصفه بأنّه “كارثة استراتيجية”.

ـ الثاني يتصدّره رئيس شعبة الاستخبارات اللواء أهرون حليوة ورئيس دائرة البحوث في الشعبة العميد عميت ساعر الذي يعتقد أنّه وإن كان الاتفاق سيّئاً فهو أفضل من عدم الاتفاق.

ـ الثالث يحمله لابيد، ويقضي بأن لا تعارض إسرائيل بالضرورة كلّ بنود الاتفاق، فهي لا ترى نفسها ملتزمة به ويمكنها أن تواصل نشاطها السرّيّ في إيران وضدّها.

وبعكس سنة 2015، عشيّة الاتفاق النووي بين إيران وإدارة باراك أوباما، فإنّ “حرب الظلال” الأمنية الدائرة بين إيران وإسرائيل اليوم في ذروتها، وتمتدّ على طول الشرق الأوسط وعرضه، وتجري في جميع الأبعاد، الجوّية والبحرية والبرّية والسيبرانية. ومن المرجّح أن يزيد الاتفاق النووي من لهيبها ووتيرتها.

معضلة إسرائيل في المستقبل

تقف إسرائيل أمام معضلة خاصّة، فهي لا تنظر إلى الثماني سنوات من الرقابة الصارمة والمشدّدة لبرنامج طهران النووي، وفقاً للاتفاق الجديد المتوقع والذي ينتهي في 2030، والتي تقطع الطريق أمام حصول إيران على سلاح نووي، بل تنظر إلى الأمر من جانب آخر، وهو أنّ القيود المفروضة على طهران ستنتهي بعد ثماني سنوات، وأنّه في عام 2031 لن تبقى أيّ قيود على المشروع النووي لإيران التي ستتمكّن من العمل كما تشاء بعد أن تكون قد استردّت عافيتها الاقتصادية بشكل تامّ.

نشأ تقدير إسرائيلي أنّ الولايات المتحدة الأميركية تنازلت لإيران عن كلّ مطالبها، وأنّه لا يمكن، في هذه المرحلة، وقف الاتفاق النووي المتبلور، وأنّ طهران حصلت على صفقة الأحلام

هنا تكمن معضلة إسرائيل الثانية لأنّه في مقابل وقف الرقابة على المشروع النووي ستحصل طهران على عشرات مليارات الدولارات نتيجة رفع العقوبات عن ممتلكاتها في البنوك الدولية بصفة عاجلة، ومن عائدات النفط المستقبلية التي تُقدّر بمئات مليارات الدولارات، إذ سيكون لإيران القدرة على إنتاج 3 ملايين برميل يوميّاً بسعر 94.25 دولاراً للبرميل، وهذا ما تخشاه إسرائيل من إيران الغنيّة التي تستطيع تمويل برنامج الصواريخ الدقيقة، وتمويل أذرعها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، التي ستتلقّى حقنة تحفيز اقتصادي غير مسبوقة.

الجانب الثاني للمعادلة واضح أيضاً. فإذا افترضنا عدم عقد اتفاق نووي جديد فإنّ إيران ستواصل التقدّم في مسار التحوّل إلى دولة نووية، وزمن الانطلاق هو بضعة أسابيع من أجل التوصّل إلى القنبلة النووية، وهو الفترة المطلوبة لإنتاج وتركيب جهاز نووي عسكري من بين المكوّنات التكنولوجية المتاحة في الفترة الزمنية نفسها.

إنقسام في التقدير الإسرائيلي

أمّا الحديث عن أنّ إيران تفتقر إلى وسائل الإطلاق، وهي تركيب رأس نووي متفجّر على صاروخ باليستي، فتنقسم بشأنه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ما بين قائل إنّ عمليات تطوير الرأس الحربي التي تقوم بتنفيذها “مجموعة السلاح” التي أسّسها ورأسها محسن فخري زادة الذي اغتالته إسرائيل في تشرين الثاني 2020، ما تزال  بحاجة إلى عامين أو 3 أعوام لإنهائها، وحينئذٍ سيبدأ البحث العملي في ملاءمة القنبلة مع الرأس الحربي، وما بين مؤكّد أنّ هذا الأمر التقني لا يشكّل حاجزاً بالنسبة إلى طهران، وأنّه أشبه بعملية بسيطة مثل وضع برغي في جهاز ضخم.

يبدو أنّ إسرائيل قد فهمت أنّ التوقيع على الاتفاق النووي أصبح محسوماً، وتحاول التوصّل إلى اتفاقات سرّية مع الولايات المتحدة تغضّ بموجبها النظر عن عمليات إسرائيلية بعد التوقيع، أو عن “حرب الظلال” التي خرجت منذ فترة عن الموضوع النووي، والتي تنخرط فيها اليوم تل أبيب وطهران من خلال شبكة معقّدة من معارك الشوارع والفضاء التي تطال كلّ شيء.

إقرأ أيضاً: إسرائيل عن الاتّفاق النووي .. اللعبة انتهت

كلام يائير لابيد بأنّ إسرائيل ستمنع بنفسها الاتفاق النووي الإيراني له علاقة بحُرّيّة العمل هذه. صحيح أنّ واشنطن لن تعطي هذه الحريّة بصورة رسمية، ولا يمكن أن تُكتب في أيّ مكان، لأنّها ببساطة يمكن أن تفجّر الاتفاق النووي، لكن من الواضح أنّ إسرائيل ستستمرّ في حروب الظلال.

* كاتبة فلسطينية

مواضيع ذات صلة

“الحزب” لرئيس الحكومة: إصرِف من جيْب الحكومة!

بين الميدان وغرف المفاوضات المُحصّنة في تل أبيب و”الثلاثاء الأميركي الكبير”، سقطت الرهانات على وقف لإطلاق النار يسبق فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأميركية….

لبنان يدخل العصر الأميركيّ؟

لطالما كان وجود الأميركيين العميق في لبنان، حيث تأسّس الحزب، عنواناً جذّاباً للبحث والنقاش، لا سيما أنّ العلاقة بينهما وبين كلّ منهما بالمكوّنات الأخرى، تغيّرت…

المبادرة الأردنيّة في طور الاستيضاح والاستيضاح المضادّ: من وراءها؟

من خارج سياق التوقّعات والتقديرات الدبلوماسية، ارتفع منسوب التفاؤل خلال الساعات الماضية بعد تسريب ما وصفه الإعلام الإسرائيلي بمسوّدة اتّفاق خطّه الموفد الأميركي آموس هوكستين…

هل تتبدّل اليونيفيل أم يتمّ توسيع صلاحيّاتها؟

تتزايد ضغوط الولايات المتحدة الأميركية بقوّة لإيجاد تنميط مختلف للقرارات الدولية، خاصة حول  دور قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب اللبناني التي تميل واشنطن إلى…