للأسف كان بودّي أن أبشّركم بالشهور الباقية من هذا العام وبالعام الميلادي المقبل، لكن، عذراً، الآتي سوف يسير من سيّئ إلى أسوأ.
– إنّه عالم مأزوم اقتصادياً، متوتّر أمنيّاً، مرتبك سياسياً، متصارع مجنون استراتيجيّاً بسبب تصارع القوى ومناطق النفوذ.
– إنّه عالم فيه شحّ مياه، زيادة في استخدام الفحم الحجري، أكثر تلوّثاً بيئيّاً، ينذر بتحوُّل في الفيروسات، يعاني من نقص غير مسبوق في مصادر الطاقة.
– إنّه عالم فيه تضخّم ركوديّ لم تشهده أسواق البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، ارتفعت فيه تكاليف الحياة اليومية ما بين 18 إلى 26 في المئة في غضون ستّة أشهر، ويُتوقّع أن تزداد تلك الضغوط على الاقتصاد الكلّي للعالم كلّه بلا استثناء سوى بعض دول شمال أوروبا الإسكندينافية.
– إنّه عالم تعاني فيه الإدارة الأميركية أكبر “اضطراب وارتباك استراتيجي” في تاريخها المعاصر بسبب سياسات إدارة فريق جو بايدن الأيديولوجية التي تتأرجح ما بين سياسات أعلنتها وتطبيقات مضادّة اضطرت إليها أخيراً.
– إنّه عالم أطلقت فيه الولايات المتحدة رصاصة الرحمة على انفرادها المطلق بمركز رئيس مجلس إدارة العالم.
هذه المرّة الجميع يعاني ولا يوجد لدى أحد أدنى قدرة على التدخّل لإنقاذ الآخر أو إعطاء البشرية قبلة الحياة
– إنّه عالم أرادت فيه واشنطن معاقبة موسكو وبكين فأضرّت بحلفائها في أوروبا وباقتصادها المحلّي.
– إنّه عالم أرادت فيه واشنطن تحطيم عملة الروبل الروسية فأدّت سياستها الغبيّة إلى وصول الروبل إلى أفضل مستوياته، وتمّ فيه تدشين الروبل للمرّة الأولى عملة تسعير وتعامل في مبيعات النفط والغاز الروسيَّين!
– إنّه عالم قد لا يكمل فيه الرئيس الأميركي وحزبه الحاكم دورتهم الثانية، سواء في تجديد المجلس التشريعي أو انتخابات الرئاسة.
– إنّه عالم ينذر بجفاف مياه الشرب والزراعة وارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية والحبوب والأسمدة وزيوت الطعام.
– إنّه عالم “الأزمة الكبرى” كونيّاً بلا منازع، عالم فيه توتّر بين الصين وتايوان، وكوريا الشمالية والجنوبية، ودول الساحل الإفريقي، ولا توجد حلول أو تسويات جذرية للأوضاع، وفيه صراعات داخلية في اليمن والعراق وسوريا والسودان وتونس.
– إنّه عالم لم يعُد فيه أيّ تحريك حقيقي لتسوية الدولتين بين فلسطين وإسرائيل.
– إنّه عالم يمكن فيه أن تستخدم طهران عملاءها لتتمدّد أكثر في لبنان والعراق واليمن وغزّة وسوريا والعراق.
حتى كتابة هذه السطور خسر الاقتصاد الكلّيّ العالمي ما يجاوز ثلث دخله السنوي المباشر في عامَيْ الكورونا.
وحتى كتابة هذه السطور وصل التضخّم في أوروبا إلى أسوأ معدّلاته.
وحتى كتابة هذه السطور حصل جو بايدن على أدنى درجات الرضا من المواطنين مقارنة بأيّ رئيس أميركي منذ الاستقلال.
وحتى كتابة هذه السطور خسرت أسواق المال الأوروبية والأميركية ما يفوق ثلاثة تريليونات دولار أميركي.
إنّنا أمام عالم فيه شحّ في الماء والطاقة والغذاء والوظائف والبضائع، واضطراب في أسواق العملات والذهب والبيتكوين.
إنّنا أمام عالمٍ حيث الجميع للمرّة الأولى خاسر، بعدما كانت المعادلة الذهبية تقوم على أنّ خسارتي هي مكسبك ومكسبي هو خسارتك.
هذه المرّة الجميع يعاني ولا يوجد لدى أحد أدنى قدرة على التدخّل لإنقاذ الآخر أو إعطاء البشرية قبلة الحياة.
دول كثيرة كانت تعتمد على الدعم الإقليمي أو الدولي أو على دعم المؤسّسات الدولية مثل صندوق النقد أو البنك الدولي أو الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الإفريقي أو البنك الإسلامي.
ذلك كلّه لم يعُد سهلاً أو متاحاً لأنّ سقف وملاءة هذه المؤسّسات الماليّة لا يستطيعان تغطية الحجم الأسطوري من الاحتياجات الكونيّة دفعة واحدة.
من هنا نتوقّع انهيارات اقتصادية كبرى تؤدّي إلى قلاقل اجتماعية عنيفة تنجم عنها فوضى أمنيّة غير مسبوقة.
من هنا ركّزوا أبصاركم على الضغوطات القاسية للغاية على اقتصادات السودان واليمن وسوريا ولبنان ومصر وتونس وباكستان وأفغانستان وبنغلاديش والأردن والصومال وجيبوتي.
إعادة تأهيل إيران بالإفراج عن 7 مليارات دولار محجوزة لدى كوريا الجنوبية والسماح لها ببيع 50 مليون برميل خلال أوّل 120 يوماً من رفع العقوبات لن يضمّد جراح الاقتصاد الإيراني الذي يخسر 200 مليون دولار أميركي يوميّاً جرّاء المقاطعة والعقوبات.
باختصار الأزمة أكبر من الحلّ، والضغوط أكبر من الإمكانيات، والطلب على المساعدات يتضاءل أمام الاحتياجات.
الأزمة الأخطر أنّ بعض الدول التي تمتلك فوائض نقدية ستقف عاجزة عن استخدام فوائضها إزاء شحّ وندرة الإنتاج العالمي من الغاز والكهرباء والحبوب والأسمدة والموادّ الأساسية.
إقرأ أيضاً: 14 سبباً لسقوط الحكّام والأنظمة!
الأصعب من ذلك أنّ عالم الخروج من الأزمات عبر اختلاق الحروب والغزو العسكري بهدف نهب الموارد أصبح صعباً للغاية بسبب تعقيدات النظام الدولي وعدم وجود قوى قادرة على أو راغبة في دفع فاتورة تكاليف حروب قد نعرف متى تبدأ ولا نعرف متى تنتهي.
يا ويلنا من الشهور المقبلة!