أيلول: “طرفو” بالحرب مبلول؟

مدة القراءة 7 د

شهران سيقضيهما لبنان بعد في الجحيم الأحمر. جحيم الانهيار، المجبول بجحيم موجات الحرّ التي تضرب بلادنا.

شهران سيظهر بعدهما على أيّ صورة سيكون لبنان، في الداخل والخارج، في التفاصيل وفي الاستراتيجيا، لأنّه خلال الأسابيع المقبلة سيتحدّد مصير الملفّات التالية:

1- ترسيم الحدود:

– أعلنت وزيرة الطاقة في إسرائيل أوائل شهر أيلول موعداً لبدء استخراج النفط والغاز من حقل كاريش.

– في المقابل أعلن الأمين العامّ لحزب الله حسن نصر الله أنّه لن يسمح باستخراج النفط الإسرائيلي من دون اتفاق مع لبنان. وقال “تخبزوا بالأفراح” إذا وصلنا إلى أيلول من دون اتفاق. وهو يقصد أنّ أيلول سيكون Too Late بالنسبة إلى لبنان.

– في معلومات “أساس” من مصدر لبناني أنّ حزب الله سيرسل المزيد من المسيَّرات، وستكون هذه المرّة “مفخّخة” وستنفجر على مسافة من سفينة استخراج الغاز الإسرائيلية.

يروي نائب من “أهل السلطة” لـ”أساس”، أنّ هناك الكثير من “الواجبات” التي على لبنان أن يقوم بها بغضّ النظر عن التطوّرات السياسية في الداخل والخارج

– يقول مصدر عربي لـ”أساس” إنّ الخشية هي من “تصرّف رمزي” يقوم به حزب الله، في سياق انخراطه في التسويق لمواجهته “الحصار الاقتصادي” على لبنان، فتردّ إسرائيل بعنف، فيتدحرج الموقف إلى حرب كبيرة، لا يريدها الطرفان. وهذا ما يفسّر فقدان شهيّة إسرائيل للردّ على مسيّرات حزب الله التي أسقطتها بداية شهر تموز الجاري.

 

2- انتخابات الرئاسة في لبنان:

– وسط هذه الرياح الإقليمية والدولية العاتية، يدخل لبنان في أيلول مدار الانتخابات الرئاسية. يكون قد بقي شهران لميشال عون في بعبدا. ومسار الانتخابات سيحدّد مصير الكثير من الاستحقاقات، وسيكون محطّة مفصلية في سياق رسم مستقبل لبنان الجديد.

– إذا قرّر حزب الله أخذ لبنان إلى مرشّح “اللون الواحد”، أي نموذج حسّان دياب في بعبدا، فإنّ انتخاب سليمان فرنجية سيكون فاتحة استكمال لعهد ميشال عون، باعتباره عهد تحدّي المجتمعين العربي والدولي.

– إذا قرّر حزب الله “الجنوح إلى السلم”، والاتفاق على مرشّح وسطيّ يستطيع التفاهم مع العرب والغرب، فإنّ هذا سيعطي دفعاً للكثير من الملفّات التي تنتظر الضوء الأخضر السياسي الإقليمي والدولي. وسيكون لبنان قد بدأ مسيرة العودة إلى الحضن العربي والدولي.

 

3- شروط صندوق النقد الدولي:

 في الداخل، يروي نائب من “أهل السلطة” لـ”أساس”، أنّ هناك الكثير من “الواجبات Homework” التي على لبنان أن يقوم بها بغضّ النظر عن التطوّرات السياسية في الداخل والخارج. منها إنجاز شروط صندوق النقد الدولي، وهي 5:

أ- التدقيق في مصرف لبنان.

ب- إقرار قانون الكابيتال كونترول.

ج- موافقة البرلمان على قانون موازنة 2022.

د- إقرار تعديلات بنيويّة على قانون السرّيّة المصرفية.

هـ – قانون إعادة هيكلة المصارف.

لا تحتاج هذه الفروض المنزلية اللبنانية إلى الاتفاق النووي ولا إلى توافق عربي. وحتّى الجهات الدولية التي لا تشترط تنازلات من حزب الله، مثل فرنسا، تدفع الحكومة الميقاتية إلى الانتهاء من هذه الواجبات، بانتظار اللحظة المؤاتية دوليّاً، على حد قول النائب نفسه.

معلومات “أساس” من مصدر لبناني أنّ حزب الله سيرسل المزيد من المسيَّرات، وستكون هذه المرّة “مفخّخة” وستنفجر على مسافة من سفينة استخراج الغاز الإسرائيلية

4- مسار الدوحة:

– بعد انتقال المفاوضات الإيرانية مع أميركا (بالواسطة) من فيينا إلى الدوحة، جاءت قمّة جدّة، التي يبدو أنّها لم تحقّق اختراقاً لجهة أن يطمئنّ العرب إلى وقوف أميركا بشكل جدّيّ إلى جانبهم في مواجهة محاولات إيران قلب أنظمة حكمهم عبر ميليشياتها والتهاباتها السرطانية في دول عربية عديدة.

– يقرأ سفير عربي في بيروت أنّ عدم إقامة تحالف واضح بين أميركا والعرب، يطمئن واشنطن نفطيّاً، والعرب أمنيّاً، سيعيد الزخم إلى طاولة الدوحة. وأمام هذا المسار مهلة 6 أسابيع لا غير، تبدأ في التلاشي مع بداية أيلول، لأنّ الرئيس الأميركي لا يمكنه أن يتّخذ قرارات كبيرة، مثل توقيع اتفاق بهذا الحجم، قبل شهر أو اثنين من الانتخابات النصفية في الكونغرس.

 

5- بايدن “الراحل”:

– تتراجع احتمالات توقيع اتفاق نووي في أيلول، لأنّ الهجوم الإعلامي على الاتفاق قد يكون كبيراً، وقد يُضعف الديمقراطيين أكثر وأكثر على أبواب الانتخابات النصفية في تشرين الثاني. ولذلك سيكون أيلول حاسماً: إمّا توقيع اتفاق في الدوحة، أو يطير الملفّ إلى العام المقبل.

– إذا خسر الديمقراطيون الانتخابات النصفية والأكثرية في الكونغرس، حينئذٍ سيكون بايدن واحداً من أكثر رؤساء أميركا ضعفاً في التاريخ. ولنتذكّر أنّ الإيرانيين اشترطوا “تعهّدات” و”إعلاناً سياسيّاً” من الكونغرس، لضمان عدم خروج أميركا من الاتفاق النووي في المستقبل، كما سبق أن فعل دونالد ترامب. فهل يقبلون بتوقيع اتفاق مع رئيس ديمقراطي ضعيف، الأرجح أنّه لن يترشّح مجدّداً، ويخاطرون بعودة رئيس جمهوري، قد يكون ترامب، لينسحب من الاتفاق مجدّداً؟

 

لا حرب.. حتّى أيلول

 ختاماً، ينقل دبلوماسي عربي عتيق أن لا حرب في لبنان، على الأقلّ حتّى أيلول، ويعدّد الأسباب:

1- لا شهيّة للحرب، لا في إسرائيل ولا في لبنان.

2- لا يوجد وضع داخلي يتطلّب الحرب أو يتقبّلها، لا في إسرائيل ولا في لبنان.

3- لا جمهور ينادي بالحرب، لا في إسرائيل ولا في لبنان.

4- أيّاً كانت نتيجة الحرب، فإنّ حزب الله سـ”ينتصر”. الطرف الأضعف إذا ظلّ على قيد الحياة، سيخرج ليقول: “لقد انتصرت”. وإذا كان الهدف ضرب قدراته الصاروخية، فإن أطلق 10 صواريخ قبل وقف إطلاق النار بساعة، سيُعتبر هذا انتصاراً “إلهيّاً” جديداً.

5- في عزّ انكشاف حزب الله في الداخل اللبناني، وتراجع شعبيّته في الطوائف الأخرى، فإنّه يعتقد أنّ الحرب قد تُعيد شعبيّته في لبنان، بين المسيحيين الذين سيقفون معه طمعاً بـ”ردّ الجميل”، وبين السنّة الذين لا يستطيعون الوقوف مع إسرائيل أيّاً تكن الظروف، وبين بعضٍ من الدروز يصعب عليهم مخاصمته بعد حرب كهذه.

6- في عزّ انكشاف ظهر حزب الله عربيّاً، فإنّ مزاج الشعوب العربية لا يزال معادياً لإسرائيل، اجتماعياً ودينياً. فمصر لا تستطيع الوقوف مع إسرائيل في هذه الحالة. ولا الكويت، وبالطبع ولا قطر، ولا الأردن، وتحصيل حاصل: ولا تونس ولا الجزائر ولا سوريا ولا العراق. وبالتالي فإنّ حرباً كهذه، قد تُعيد تعويم حزب الله في العالم العربي، بعد سنواتٍ من تشويه صورته، باعتباره فصيلاً شيعياً معادياً للسُنّة. “انتصاره” على إسرائيل سيعيد تصويب بوصلته إسلامياً باتّجاه “اليهود”.

7- الحرب ستعيد خصم جو بايدن اللدود إلى السلطة في إسرائيل: بنيامين نتانياهو، لأنّه أيّاً تكن نتيجة الحرب، سيخرج نتانياهو ليقول: “لقد خسرنا بسبب يائير لابيد”. قد تعيد الحرب تعويم اليمين المتطرّف.

8- الحرب الروسية الأوكرانية وانشغال أميركا بها قد تجعل الفيتو الأميركي أكثر من جدّيّ.

9- أوروبا قد تخشى على أمن الطاقة على مشارف الشتاء، واحتمال تعطّل منصّات الغاز الإسرائيلية في حقل كاريش، التي تعتمد أوروبا عليها لتكون أحد الحلول في سدّ نقص الغاز الروسي.

شهر الحلول؟

إذا استطاع لبنان عبور هذه المعموديّات الخمس، من ترسيم الحدود، إلى التوافق الرئاسي، إلى إنجاز شروط صندوق النقد الدولي.. وإذا ترافق هذا مع توقيع اتفاق نووي بين أميركا وإيران، فإنّ أيلول قد يفتح أبواب الحلول:

– مليارات صندوق النقد، والثقة التي ستحقنها في شرايين الاقتصاد اللبناني.

إقرأ أيضاً: الحزب وحُكمُ إعدام اللبنانيّين: الموتُ جوعاً.. أو حرباً

– ينفتح الباب أمام الصناديق المانحة في أوروبا، وربّما بعض العرب، لضخّ المزيد من الدعم والمساعدات في الجسد اللبناني المترنّح.

– الثقة الدولية ستترافق بالتأكيد مع بدء مسار استخراج النفط والغاز من بحرنا.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…