قمّة جدّة: دفتر شروط دولي – عربي للبنان وإلاّ فالموت السريري..

مدة القراءة 5 د

أهمّ ما في قمّة جدّة هو التطابق المصري العراقي الأردني مع مواقف دول الخليج. تجلّى هذا في موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن أن “لا مكان لمفهوم الميليشيات والمرتزقة وعصابات السلاح في المنطقة”. وكان واضحاً في التوّجه إلى “داعميهم ممّن وفّروا لهم المأوى والمال والسلاح والتدريب وسمحوا بنقل العناصر الإرهابية من موقع إلى آخر”، قائلاً لهم: “عليهم أن يراجعوا حساباتهم وتقديراتهم الخاطئة، وأن يدركوا بشكل لا لبس فيه أن لا تهاون في حماية أمننا القومي وما يرتبط به من خطوط حمراء، وأنّنا سنحمي أمننا ومصالحنا وحقوقنا بكلّ الوسائل”.

عمليّاً نجحت السعودية في فرض رؤيتها لكيفيّة معالجة أزمات المنطقة على غالبيّة الدول المؤثّرة، ونجحت في تحقيق ما تريده من خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لها

كلام مصريّ يذهب أبعد من الموقف الخليجي من سلاح الميليشيات الإيرانية في المنطقة، وإن لم يسمّ إيران أو حزب الله. وهو كان استبقه بتجديد “التزامنا بمكافحة الإرهاب والفكر المتطرّف”، لكن والأهمّ: “بكلّ أشكاله وصوره”. وهذا يعني أنّه ليس الإرهاب السنّي وحسب، بل إرهاب الميليشيات الإيرانية.

استكمال الجملة يفتح الضوء عليها أكثر، بتحديد الهدف: “بهدف القضاء على جميع تنظيماته (أي الإرهاب) والميليشيات المسلّحة المنتشرة في عدّة بقاع من عالمنا العربي، والتي تحظى برعاية بعض القوى الخارجية لخدمة أجندتها الهدّامة، وترفع السلاح لتحقيق مكاسب سياسية ومادّية، وتعيق تطبيق التسويات والمصالحات الوطنية، وتحول دون إنفاذ إرادة الشعوب في بعض الأقطار، بل وتطوّرت قدراتها لتنفّذ عمليات عابرة للحدود”.

يُستكمل الموقف المصري بموقف عراقي واضح أطلقه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. وما أدراك ما العراق بالنسبة إلى المشروع الإيراني في المنطقة. إذ شدّد الكاظمي على ضرورة مكافحة الإرهاب، والتنسيق بين دول المنطقة، ولا سيّما الدول العربية، في إنتاج مشاريع استثمارية. وهو موقف متقدّم جدّاً ركّز فيه الكاظمي على التكامل الطاقوي والاقتصادي مع دول الخليج ومصر والأردن.

لا يختلف ذلك عن موقف ملك الأردن الذي شدّد على ضرورة حماية حدود الدولة الوطنية ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدّرات.

كأنّ جزءاً كبيراً من مضامين هذه المواقف موجّه إلى لبنان واللبنانيين يدعوهم إلى ضرورة العودة إلى الحضن العربي من بوّابة إنجاز هذه الملفّات واتّخاذ مواقف متقدّمة وجريئة على غرار المواقف التي اتّخذها الكاظمي، وهو الذي أحدث توازناً في العراق بعد سنوات من السيطرة الإيرانية.

عمليّاً نجحت السعودية في فرض رؤيتها لكيفيّة معالجة أزمات المنطقة على غالبيّة الدول المؤثّرة، ونجحت في تحقيق ما تريده من خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لها. أصبح الموقف السعودي متبنّى على صعيد موسّع أوروبياً، أميركياً، وعربياً، وهذا ما على اللبنانيين تداركه، لأنّه من دون مواكبة جدّية لمثل هذه المواقف والشروط ستبقى البلاد في حالة انهيار وصولاً إلى الاضمحلال والتشظّي اللذين سيؤدّيان إلى الموت. وهذا أمر يفرض مسؤولية مضاعفة على السُنّة، الشيعة، المسيحيين والدروز في تقديم مقاربة لآليّة الخروج من الأزمات، وهو ما يُفترض أن يبدأ في الاستحقاق الرئاسي المقبل وما يليه من استحقاقات.

 

الوقت يداهمنا

في هذا الوقت لم يعُد لبنان يمتلك ترف الوقت واستثماره. استنفد بعض اللبنانيين كلّ آليّات المماطلة والتسويف لتجنّب الوقوف أمام لحظة اتّخاذ قرار تاريخي. قرار إذا لم يُتّخذ فسيؤدّي إلى تشظّيات كثيرة وانقسامات ومخاطر لن تقتصر على الجانب السياسي، بل ستشمل الوقائع الأمنيّة والجغرافية حتّى. ومن آخر دلالاتها دعوة من هنا لتقسيم بلدية بيروت، ودعوة من هناك لإقامة منطقة عازلة يحكمها الجيش واليونيفيل في مقابل ترك منطقة يسيطر عليها حزب الله. عندما تتقدّم مثل هذه الخيارات، فإنّها تكون نتيجة ضياع البوصلة والافتقار إلى أيّ مبادرة جدّيّة في مقاربة الأزمة لمعالجتها.

لا بدّ للّبنانيّين من التيقّن بأنّ دفتر الشروط العربية بكلّ مندرجاته تجاه بلدهم، الذي ورد في قمّة جدّة، هو الذي يشكّل حبل خلاص لهم. الموقف في المضمون ليس الأوّل من نوعه، وقد سمعه اللبنانيون مراراً بشكل مباشر وفي توصيات غربية وعربية، ولا سيّما خليجية. لكنّ الأهمّ هو تبنّيه من غالبية الدول العربية، وخصوصاً كلّ دول الخليج، بحضور الرئيس الأميركي، وصدور توصيات على شاكلة دفتر شروط مشترك عربي أميركي.

لا تبدو الدول الغربية، وتحديداً الأوروبية، بعيدة عن هذا الدفتر. ففرنسا كانت سبّاقة إلى تبنّيه خلال اللقاء الذي عُقد بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

لهذا الدفتر ثلاثة مرتكزات:

– أوروبية تتمثّل في الموقف الفرنسي ومناقشات كثيرة حصلت بين دول الاتحاد الأوروبي.

– وأميركية من خلال تبنّي الرئيس جو بايدن للنصّ المكتوب بحبر سعودي بعد القمّة السعودية الأميركية في جدّة.

– وعربية بدأت مع الموقف الواضح للسعودية في أول مؤتمر عُقد لمساعدة لبنان في عام 2020 بعد تفجير مرفأ بيروت، وما يزال مستمرّاً إلى اليوم، إذ حصل تبنٍّ خليجي له تُرجم في المبادرة الكويتية.

– وانضمّت إلى قوّة الدفع من أجل فرض هذه الشروط عناصرُ جديدة تتمثّل في مواقف مصر والعراق والأردن.

إقرأ أيضاً: قمّة جدّة: كيف ستردّ إيران على النجاح السعودي؟

بذلك تكتمل حلقات وضع لبنان أمام مواجهة استحقاق اتّخاذ الخيار والقرار. لا سيّما أنّ المواقف كانت واضحة في الحفاظ على: وحدة الدولة، اتفاق الطائف، حصر السلاح بيد الدولة، ضبط الحدود ومكافحة المخدّرات ومنع تهريبها، وإنجاز الإصلاحات.

هنا لا يمكن لأيّ طرف لبناني في الداخل اعتبار أنّ هذه المواقف الدولية مسيّسة أو تتسبّب بانقسام، لأنّها تحظى بإجماع دولي وعربي. وعليه فإمّا أن يذهب اللبنانيون إلى الاهتمام بمصلحتهم للحصول على مساعدة الخارج لهم، وإمّا البقاء في هذه الحالة من الترهّل والانهيارات المتوالية، التي تعني الاستمرار في حالة الموت السريري.

مواضيع ذات صلة

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….