مؤسف أن يصل الحال بلبنان إلى الانعزال التامّ عن محيطه. لا تحتاج الأسباب إلى تعداد، إذ باتت معلومة لدى معظم اللبنانيين قبل غيرهم. فالصورة الجماعية مع الرئيس الأميركي جو بايدن في قمّة جدّة التي شملت إلى جانب القادة الخليجيين كلّاً من الأردن ومصر والعراق، لم يكن لبنان الرسمي جزءاً منها. ولعلّه من المعلوم أيضاً أنّ السياسة العدوانيّة لحاكم بيروت الفعليّ تجاه الأشقّاء العرب، عزلت لبنان الرسمي، لكنّها لم تعزل شعبه الذي يعلم الأشقّاء العرب أنّه ضحيّة سيطرة الميليشيا والمافيا ويدفع ثمن هذا العدوان كما دول الجوار.
ولنتذكر أنّ قرابة 500 ألف من أبناء هذا الشعب يعملون في دول الخليج، ولم يُحمّلهم الخليج يوماً ثمن ما لا ذنب لهم فيه.
في تأكيد من هذه القمّة على “لبنان الشقيق”، أشار البيان الختامي في مقطع هو الأكبر، إلى “لبنان”. فغياب مسؤوليه “المنبوذين” لم يغيّب أزمة ناسه.
فكيف يمكن أن نقرأ ما جاء في البيان حول المؤسسات الشرعية والسيادة والدستور؟
يتوجّه العالم العربي إلى الشعب في بيان قمّة جدّة، ويستحضر “لبنان” حتى لو كان تمثيله غائباً بعد فقدان شعبه ثقته بقادته
– ينادي الخليج والدول العربية عموماً بما ينادي به كلّ مواطن لبناني يعيش أسير “الدويلة”. ففي مقابل الأجندة الإيرانية التي يفرضها حزب الله فضربت اقتصاده وجعلته جزيرة متقطّعة الأوصال ومفصولة عن العالم، أعلنت دول خليجية – عربية “دعم سيادة لبنان، وأمنه واستقراره، والمناداة بجميع الإصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي”.
-لم يتوقّف البيان هنا، بل “نوّه القادة بانعقاد الانتخابات البرلمانية، وأشادوا بدور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي” في تحقيق هذا الاستحقاق. وبالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة دعا القادة العرب “جميع الأطراف اللبنانية لاحترام الدستور والمواعيد الدستورية. (..) وشدّدوا على أهميّة دور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان”. وفي إشارة واضحة إلى أهميّة عودة لبنان إلى الحضن العربي، نوّه القادة “بشكل خاص بمبادرات دولة الكويت الرامية إلى بناء العمل المشترك بين لبنان ودول مجلس التعاون، وبإعلان دولة قطر الأخير عن دعمها المباشر لمرتّبات الجيش اللبناني”.
-أمّا في ما يتّصل بالوقوف العربي إلى جانب الشعب اللبناني وأزماته، فلحظ البيان “الدعم الذي قدّمته جمهورية العراق للشعب اللبناني والحكومة اللبنانية في مجالات الطاقة والإغاثة الإنسانية”.
-وفي شأن السيادة، دعا القادة المشاركون “جميع أصدقاء لبنان للانضمام للجهود الرامية لضمان أمن لبنان واستقراره، وأكّدوا على أهميّة بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة فلا يكون هناك أسلحة إلا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها”.
مفاتيح الحلول
ما لفت إليه البيان وشدّد عليه يجعلنا نطرح سؤالين: أليست تلك المطالب أعلاه والدعوات هي مفتاح الحلّ للبنان؟ أوليس كلّ ذلك ما ينادي به اللبنانيون لتحقيق خلاصهم؟!
تتمسّك السعودية ودول الخليج بدعم الشرعية في لبنان، والمؤسسات الرسمية والجيش كـ”قوة شرعية وحيدة”. ينادون بضرورة حماية الدستور والمهل الدستورية وأهميّة الإصلاحات لتحقيق التعافي الاقتصادي، وبمعنى أكثر دقّة يدعمون مفهوم “الدولة”.
يقابل ذلك مشروعٌ إيراني عبر حزب الله ينخر أركان الدولة لمنع أيّ قيامة للبنان. وهنا بات جليّاً لدى كلّ اللبنانيين كيف أنّ السلاح غير الشرعي والمعابر غير الشرعية والاقتصاد الموازي والاقتصاد الأسود لا يمكن فصلها عن فساد المنظومة الحاكمة المحميّة من هذا السلاح الذي تحميه بدورها.
إقرأ أيضاً: قمة جدة: من أضاف “دعم أمن لبنان” للبيان الختامي؟
لعلّ لبنان لم يعد يتخبّط اليوم بين مفهوم “الدولة” و”الدويلة”، بل باتت الثانية على طريق القضاء النهائي على الأولى، فيما لا قيامة للبنان من دون استرجاع شعبه لشرعية الدولة ومؤسّساتها.
يتوجّه العالم العربي إلى الشعب في بيان قمّة جدّة، ويستحضر “لبنان” حتى لو كان تمثيله غائباً بعد فقدان شعبه ثقته بقادته.
كان لبنان هو الحاضر الغائب في جدّة.