أكتب بعد دقائق معدودة من نهاية القمّة الخليجية-المصرية-العراقية-الأردنية مع الولايات المتحدة.
أهمّ خلاصات هذا المؤتمر، من دون مجاملة، هي على النحو التالي:
1- إنّ الولايات المتحدة أدركت خطأ الفراغ الاستراتيجي الذي تسبّبت به في عهد بايدن.
2- إنّ بايدن تحرّك نحو المنطقة لأربعة أسباب:
– أوّلاً، طمأنة إسرائيل إقليمياً.
– ثانياً، حشد المنطقة عقب فشل الدوحة مع إيران.
– ثالثاً، السعي، على حدّ قول بايدن، إلى عدم ترك فراغ استراتيجي تستغلّه كلّ من إيران وروسيا والصين.
– رابعاً، إدراك دول المنطقة، وبالذات على مستوى قياداتها السياسية، أكثر من الولايات المتحدة، لأولويّاتها الاستراتيجية.
نجح محمد بن سلمان في أن يكون مايسترو الاجتماع بعد وقت طويل كانت إدارة بايدن تضع فيه “فيتو سياسي” على شخصه وإدارته
في هذا المجال يمكن القول إنّنا أمام مدرستين من التفكير السياسي:
– المدرسة الأولى هي مدرسة بايدن، وهي مدرسة تقليدية شاخت في المنهج والأسلوب، ولم تدرك بعمق طرائق التفكير الجديدة للمدرسة الثانية التي تمسك بمقاليد الحكم في دول الاعتدال العربي.
لم يدرك فريق بايدن بعد التغيير الجوهري في أهداف القيادة الجديدة وأسلوبها (الرئيس عبد الفتاح السيسي، الشيخ محمد بن زايد، الأمير محمد بن سلمان، الملك عبدالله الثاني، الأمير تميم بن حمد، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي).
يدرك كلّ هؤلاء بعمق أهميّة العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن، لكن يتعاملون معها بمنطق “الأصدقاء” وليس بمنطق الأتباع المسلوبين الإرادة.
اتّضح ذلك من خلال العبارة العميقة جدّاً التي ذكرها الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة في السعودية، ظهر أمس ردّاً على سؤال عن موقف “أوبك بلاس” من الطلب الأميركي زيادة الإنتاج بهدف خفض الأسعار.
قال الأمير عبدالعزيز: شؤون “أوبك بلاس” تُناقش في “أوبك بلاس”.
ببساطة وبشكل مباشر قرارا الأسعار والإنتاج هما قراران سياديّان يمسك بهما أعضاء “أوبك بلاس”، وتحدّدهما عناصر تقنية لها علاقة بآليّات العرض والطلب لسوق النفط.
درس بايدن الأكبر
ما لم يتعلّمه بايدن أنّ السعي إلى مساواة عداء دول المنطقة مع إيران… بالعداء الأميركي مع روسيا والصين، هو طلب لن يُستجاب له.
ليس أعداء واشنطن بالضرورة أعداء دول المنطقة.
دول المنطقة لها علاقات تجارية قويّة مع الصين وروسيا.
الصين شريك تجاري أساسي لدول الخليج ومصر والعراق.
الصين هي مستورد رئيسي لنفط السعودية والإمارات وقطر والكويت.
روسيا هي مصدر تسليحي رئيسي لمصر والعراق، ولديها تعاملات مهمّة مع جيشَيْ السعودية والإمارات.
خلاصة نتائج المؤتمر أنّ الجميع كان بحاجة إلى ضبط العلاقة الاستراتيجية في عالم مرتبك تتمّ فيه مراجعة النظام الدولي وترتيب مناطق النفوذ.
لا أحد يعرف بالضبط كيف سيحافظ بايدن على تعهّده المكتوب مع إسرائيل، والشفهي في هذه القمّة، بمنع إيران من امتلاك قوة نووية.
الفائز الأكبر في هذا المؤتمر هو وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي نجح في عقد القمّة وتحويل بلاده إلى “مدرسة مفاوضات استراتيجية” مع واشنطن.
نجح محمد بن سلمان في أن يكون مايسترو الاجتماع بعد وقت طويل كانت إدارة بايدن تضع فيه “فيتو سياسي” على شخصه وإدارته.
الآن الطريق مفتوح بقوّة أمام وليّ العهد السعودي لكي يدخل بقوّة إلى مستقبل الحكم السعودي من دون أيّ إشكاليّات.
كذلك وضع الرئيس المصري خمس قواعد منظّمة صريحة وواضحة لإقامة نظام عربي قويّ ومعتدل يمكن أن يتعامل مع الشريك الأميركي بنجاح وبشكل عادل ومتساوٍ.
أهمّ ما جاء في كلمة أمير قطر أنّ “لدينا في عالمنا العربي رأينا العامّ مثلما يوجد لديكم رأي عامّ”. وكأنّ أمير قطر يقول لبايدن: “نحن لا نحكم من فراغ أو في فراغ، لكن لدينا اعتباراتنا الداخلية أمام شعوبنا”.
إقرأ أيضاً: أيّ أميركا عادت إلى المنطقة؟
المؤتمر، في المستقبل القريب القصير، مفيد لكلّ مَن حضره، لكنّه لن يأتي بتسويات نهائية على المدى الاستراتيجي، لأنّ الرئيس بايدن شخصاً، والديمقراطيّين حزباً حاكماً، لا يملكون بوليصة ضمان أو تأمين على استمرارهم في الحكم لتنفيذ وتطبيق ما تعهّدوا به، سواء لإسرائيل أو لعرب القمّة.
أمّا رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، الذي يحضر أوّل قمّة خليجية بعد تولّيه الرئاسة، فقد أدرك بعمق إشكالية التعهّدات الأميركية لإدارة بايدن، ولذلك قرّر أن يكتفي بالصمت البليغ ويبتعد عن أيّ كلام شعبوي.