هل قرّر حزب الله أن يفتتح “حماس لاند” في لبنان، على شاكلة “فتح لاند” في العام 1968؟
فهنية لم يأتِ إلى لبنان ليلتقي بروتوكولياً بالرؤساء الثلاثة، بل جاء من أجل الرئيس الرابع، أو قل الأوّل: الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، ومن أجل لقاء سريّ نكشف عنه أدناه.
بهذا المعنى، ليسَ تفصيلاً أن يزور رئيس المكتب السّياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة بيروت للمرّة الثّالثة خلال سنة ونصف السنة.
بحسب معلومات “أساس” فإنّ اللقائين المهمّين اللذين أجراهما هنيّة هما التاليين:
الأوّل: لقاؤه المعلن بالأمين العام لحزب الله ليل الأربعاء الماضي. وقد تناول زيادة تنسيق العمل العسكري والأمنيّ بين الحزب وحماس على السّاحة اللبنانيّة. وستعمل حماس على أن تكون داعمة لحزب الله على جبهة قطاع غزّة وجبهة جنوب لبنان، في حال نشوب مواجهة بين الحزب والجيش الإسرائيليّ.
لم يعُد أمام إيران إلا أن تحافظ على تماسك محورها ليتلقّى الضّربات الإسرائيليّة عوضاً عن أن تتلقّفها في قلب طهران
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ حماس أعادت دراسة وضعها في المخيّمات الفلسطينيّة، خصوصاً بعد انفجار مخيّم البرج الشّمالي الغامض الذي لم تكشف التحقيقات ملابساته بعد، والذي نتج عنه توتّر عسكريّ في العلاقة مع حركة فتح في لبنان، وسقط ضحايا خلال تبادل إطلاق النار في جنازة من قضوا في الانفجار.
يقول مصدرٌ مُقرّب من دوائر الحركة لـ”أساس” إنّ حماس تدرس بشكلٍ جدّيّ زيادة سيطرتها على مخيّمات لبنان، وخصوصاً مخيّمات الجنوب، لتسهيل التنسيق والعمل العسكريّ والأمنيّ المُشترك مع حزب الله. وبذلك ستتحوّل مخيّمات الجنوب إلى ما قد يصحّ أن يُسمّى بـ”حماس لاند”، تيمّناً بـ”فتح لاند” التي كانت قائمة بعد اتفاق القاهرة الذي ظلّ سارياً منذ توقيعه سنة 1969 حتّى سنة 1987.
ظهرت بوادر “حماس لاند”، التي تعمل بإشراف حزب الله، أثناء معركة “سيف القدس” في أيّار 2021، وخلال فترات مختلفة من سنتَيْ 2021 و2022. حينذاك انطلقت صواريخ من مناطق مختلفة من جنوب لبنان، مثل سهل الخيام، سهل القليلة، والعرقوب، وقالت جهات أمنيّة رسمية إنّ “تنظيمات فلسطينيّة” تقف خلفها. من دون الكشف عن هويّة هذه الجهات ولا عن خلفياتها، المحلية أو الإقليمية، في ملف بالغ الحساسية وقد يورّط لبنان في حرب مدمّرة، ومن دون توقيف أيّ من المشاركين في هذه العمليات.
يتولّى هنيّة تنسيق العلاقة بين حزب الله والجماعة الإسلاميّة في لبنان، على المستويات السّياسيّة والأمنيّة وحتّى العسكريّة. وفي المعلومات أنّ “الجماعة” أعادت تفعيل جناحها العسكريّ “قوّات الفجر” على امتداد وجودها الجغرافيّ في لبنان، خصوصاً في العرقوب وصيدا وطرابلس. وتتولّى حماس الإشراف على تدريب عناصر قوّات الفجر بإشراف وموافقة حزب الله.
“قوات الفجر” تأسّست في العام 1982، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وتراجع دورها في العام 1985 بعد الانسحاب الإسرائيلي من صيدا. وظلّ بعض أفرادها ينشطون بشكل رمزي في منطقة العرقوب، وقد أطلق أحدهم، حسين عطوي، صواريخ من الهبارية باتجاه إسرائيل في العام 2014، واعترف بعد إصابته بحروق ونقله إلى المستشفى بسبب قلّة خبرته).
في المعلومات أنّ “الجماعة” أعادت تفعيل جناحها العسكريّ “قوّات الفجر” على امتداد وجودها الجغرافيّ في لبنان، خصوصاً في العرقوب وصيدا وطرابلس
ففي إطار تنسيق العلاقة بين “الحزب” و”الجماعة”، كان هنيّة قد نجح في عقدِ لقاءين خلال زيارتَيْه السّابقتيْن بين الأمين العامّ لحزب الله والأمين العامّ للجماعة عزّام الأيّوبي، خصوصاً مع تصاعد نفوذ الجناح الإيراني في الجماعة على حساب الجناح التّركيّ بعدما توجّه الرّئيس التركي رجب طيّب إردوغان نحو “تصفير” مشاكله مع الدّول العربيّة، ولا سيّما المملكة العربيّة السّعوديّة، ودولة الإمارات، وجمهوريّة مصر. علاوة على ذلك، رفضت تركيا أن تمنح الحركة “رخصة بثّ” لمحطة تلفزيون كانت حماس تنوي أن تُنشئها في مدينة إسطنبول.
بحسب المصدر نفسه، فإنّ هنيّة لن يعود أدراجه، قبل أن يعقد لقاءً جديداً بين نصرالله والأيّوبي، خلال اليومين المقبلَيْن.
تجدر الإشارة إلى أنّ التنسيق الأمني والسّياسي بين الحزب والجماعة قائم على قدم وساق، بعيداً عن عدسات الإعلام. لكنّ بعض تجلّيات التنسيق ظهرت في الانتخابات النّيابيّة، يوم كان الحزب يسعى إلى ضمّ مرشّح للجماعة عن أحد المقعديْن السنّيَّيْن في بعلبك-الهرمل.
أما الزيارة الثّانية، وهي سريّة: بحسب معلومات “أساس”، التقى هنيّة في بيروت بمسؤول أمنيّ سوريّ رفيع المستوى من الدائرة الضيّقة لمدير إدارة المخابرات العامّة في سوريا اللواء حسام لوقا.
يأتي اللقاء بعد مساعٍ قام بها حزب الله لردم الخلاف الذي ظهرَ بين دمشق وحماس مع تأييدها الثّورة السّوريّة سنة 2011، قبل أن تعود الحركة إلى الحضن الإيرانيّ بعد 2016، وإبعاد خالد مشعل و”الجناح التركيّ” عن دائرة القرار السّياسي والعسكريّ داخل الحركة.
بعد زيارة هنيّة الثّانية لبيروت في السّنة الماضية، داوم مسؤول العلاقات الدّوليّة في حماس أسامة حمدان على زيارة العاصمة السّوريّة بشكلٍ دوريّ للقاء مسؤولين أمنيّين في إطار تسوية أوضاع “الحمساويّين” في دمشق، إيذاناً بعودة العلاقات “المجروحة” بين دمشق وحماس”.
إقرأ أيضاً: سرّ روسيّ عن “الحزب” يكشفه دبلوماسيّ بعد 37 عاماً؟
تقدّم الجناح الإيرانيّ في حماس، على الجناح التّركيّ في حين تسعى إيران إلى إعادة رصّ صفوف محورها، خصوصاً بعد الضّعف الذي ظهر بعد اغتيال الضابط الإيراني في فيلق القدس صيّاد خدائي في قلب طهران، ومسيرة الأعلام في مدينة القدس المحتلّة، والضربات المستمرّة ضد مواقفها في الجبهة السّوريّة.
لم يعُد أمام إيران إلا أن تحافظ على تماسك محورها ليتلقّى الضّربات الإسرائيليّة عوضاً عن أن تتلقّفها في قلب طهران، مع بروز استراتيجية ضرب “رأس الأخطبوط” التي أعلن عنها رئيس الوزراء نفتالي بينيت قبل أسبوع.