بعد اتصالات شاقّة ووساطات مضنية خاضتها السلطات اللبنانية على كلّ المستويات، من المنتظر أن يزور الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة. لكنّ زيارته لن تكون كسابقاتها بسبب المستجدّات التي طرأت على ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل والمتعلّقة حصراً بوصول الباخرة اليونانية للشروع في التنقيب على الحدود البحرية في حقل كاريش.
تكشف المصادر أن هوكشتاين اشترط أن يتلقّى ردّاً مكتوباً ويُحظى بتوافق لبناني كامل، لا تشوبه اعتراضات من أيّ جهة
تأتي الزيارة على خلفيّة الموقف السلبي الذي اتّخذه هوكشتاين، والذي قال مواكبون للملفّ إنّه “زعلان”، بسبب عدم تسلّمه الردّ اللبناني الرسمي على مقترحه، بعدما حمل أخيراً من إسرائيل ردّاً يتمحور حول خطّ الترسيم “المتعرّج”. يومئذٍ طلب لبنان اقتراحاً رسمياً موثّقاً ليتمّ الردّ عليه. فأرسله الوسيط الأميركي عبر سفيرة بلاده في لبنان دوروثي شيا وفي أعقابه عقد الرؤساء الثلاثة اجتماعهم في بعبدا الذي انتهى من غير اتفاق على ردّ موحّد سوى دعوة الوسيط الأميركي إلى العودة مجدّداً إلى لبنان واستئناف وساطته. لم يُلبِّ الدعوة حينها، واستمرّ الجمود في ملف الترسيم من ناحية لبنان. بينما كانت إسرائيل تُعدّ العدّة استعداداً للتنقيب.
تقول المعلومات إنّ لبنان سيسلّم هوكشتاين ردّاً رسمياً على مقترحه الأخير. ويجري العمل الدؤوب على إعداد النصّ القانوني الرسمي. ومن غير المعروف بعد كيف سيكون ردّ لبنان وفي أيّ اتجاه، لكنّه حكماً لن يكون سلبيّاً، فهل يمكن للبنان الخروج على الموقف الأميركي بينما بلغت باخرة التنقيب الحدود المشتركة؟ وكيف سيكون شكل الردّ في ظلّ الانقسام العموديّ بين مؤيّدي الخط 23 ومؤيّدي الخط 29؟ وماذا لو وجد مجلس النواب نفسه مجبراً على إقرار صيغة تُجبر الحكومة على التعاطي بجدّية مع الخط 29 وتراسل الأمم المتحدة على أساسه؟
الموقف في غاية الخطورة والدقّة. وقد دخلت السلطات في مرحلة دقيقة لتقييم الوضع وأبعاد أيّ خطوة ممكنة مع الحرص على عدم التفريط بحقوق لبنان أو التغاضي عن الخط 29 بما يجعل إسرائيل في حِلٍّ منه .
ماذا سيسمع هوكشتاين؟
تقول الأجواء الأوّليّة إنّ الوسيط الأميركي أبلغ لبنان مسبقاً أنّ زيارته للبنان ستحصل بشرط عدم التطرّق إلى الخط 29 وعدم البحث فيه، وإلا فلا داعي لزيارته. وقالت مصادر مطّلعة إنّ هوكشتاين أبلغ المسؤولين المعنيّين أنّه بصدد زيارة لبنان لاستكمال المفاوضات من حيث توقّفت، لكن ليس ضمن مهل مفتوحة، ولا التفاوض من أجل التفاوض .
في ظلّ هذا الواقع سيدخل لبنان هذه الجولة من المفاوضات على صفيح ساخن وتحت الضغط الأميركي والإسرائيلي، وورقته الوحيدة هي حاجة إسرائيل إلى ضمانات أمنيّة على الحدود البحرية كي لا توقف الشركة الملتزمة التنقيب. وإذا كان هوكشتاين سيزور لبنان فزيارته ستراعي المصالح الإسرائيلية حكماً قبل المصلحة اللبنانية التي لم تخطُ أيّ خطوة جدّية باتجاه ملف الترسيم، باستثناء المراسلات باتجاه الأمم المتحدة. تلك التي سيعاود لبنان إرسالها مجدّداً لتأكيد حقّ لبنان في ثروته من النفط، وعدم السماح لإسرائيل باستخراج هذه الثروة بينما يُمنع على لبنان الشروع في التنقيب قبل الاتفاق مع إسرائيل على ترسيم الحدود. ولا بدّ هنا من العودة إلى تصريح مسؤول إسرائيلي أمس الأول عن أنّ المشكلة في لبنان ستُحلّ بطرق دبلوماسية عبر الوسيط الأميركي.
مصادر حزب الله
إذاً، يعود هوكشتاين إلى لبنان بينما يسود الانقسام اللبناني حول خطَّيْ الترسيم وبعدما توقّفت المفاوضات مع إسرائيل حول الحدود البحرية، والأهمّ بحسب مصادر مطّلعة على موقف حزب الله أنّ هوكشتاين استغلّ الموقف اللبناني منذ البداية.
تعتبر المصادر أنّ الجدل الحاصل بين اللبنانيين حول خطَّيْ الترسيم 23 و29 يقع في أساس المشكلة، ولولا مثل هذا الخلاف الداخلي لكان الموقف واضحاً ولا يحتاج إلى مفاوضات. وحتّى الساعة لا دليل قاطعاً على أنّ الباخرة اليونانية تجاوزت الخط لناحية الشمال.
مصادر موثوقة أكّدت أنّ هوكشتاين لم يكن ليزور لبنان بعد سلسلة معارضات للزيارة سابقاً لولا أن جاء مَن ينبّهه بالقول إنّك إذا لم تستدرك الأمر فإنّ المقاومة ستتحرّك، وليس بعيداً أن تضرب منصّة النفط ونكون أمام حرب على مستوى المنطقة.
إقرأ أيضاً: هل نخسر قانا بعد كاريش؟
تكشف مصادر أخرى أن هوكشتاين اشترط أن يتلقّى ردّاً مكتوباً ويُحظى بتوافق لبناني كامل، لا تشوبه اعتراضات من أيّ جهة.
حتّى الآن لم يتبلّغ لبنان رسميّاً موعد الزيارة بعد، باليوم والساعة، لكنّه تبلّغ أنّ الوسيط الأميركي سيستأنف عمله، وهذه المرّة تحت ضغط وجود باخرة التنقيب، بينما لبنان لا يمتلك أيّ تصوّر لجوابه بعد.