تاريخيّاً كانت زحلة عاصمة الزعامة الكاثوليكية، عبر آل سكاف، قبل أن تحدّ الأحزاب المسيحية، بزعمائها الموارنة تحديداً، تمثيل الزعامة الكاثوليكية في مجلس النواب. بات تمثيل زحلة اليوم خليطاً بين الأحزاب والعائلات، وبات آل سكاف خارج الندوة البرلمانية للمرّة الثانية على التوالي.
في المقابل، برز في قضاء المتن الشمالي نموذج كاثوليكي مغاير. تمثّل ذلك في المعركة الطاحنة على المقعد الكاثوليكي، التي خاضها كلّ من التيار الوطني الحر، عبر مرشّحه إدغار معلوف، والقوات اللبنانية عبر مرشّحها ملحم الرياشي. حصد الرياشي أعلى “سكور” في الدائرة، وتفوّق بـ15 ألف صوت على رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، وعلى كلّ المرشّحين الموارنة والأرثوذكس على حدّ سواء. فيما حصل معلوف على 10 آلاف صوت ليتفوّق بـ”سكوره” على المرشّحين البارزين على لائحته، الماروني إبراهيم كنعان والأرثوذكسي الياس أبو صعب.
فهل مهّدت هذه المعركة الطاحنة، التي تفوّقت بأرقام ناخبيها الكاثوليكيين، لتكريس مرجعية كاثوليكية في المتن الشمالي؟ وتحديداً هل مهّدت هذه المعركة لتكريس أهميّة المقعد الكاثوليكي الذي فاز به ابن بلدة الخنشارة ملحم الرياشي؟ وما هو الدور الذي سيلعبه الرياشي الذي خاض المعركة تحت عنوان “الحياد البطريركي”؟
يقرأ كثيرون أن لا ترجمة لفوز كلّ من الثنائي الشيعي والقوات اللبنانية بكتلتَيْهما الوازنتين في المجلس إلا بالحوار
تاريخ متنيّ طويل
للرياشي باع طويل في السياسة المتنيّة. فهو رافق ألبير مخيبر في مسيرته النيابية والسياسية الطويلة، وساهم مباشرةً في وصوله إلى البرلمان عام 2000 ليكون أوّل من يطالب بجلاء الجيش السوري من داخل المجلس. وذلك بعدما نسج الرياشي مصالحة متنيّة تاريخية بين مخيبر وآل المر. وكان الجسر القواتي الذي نسج ورقة إعلان النيّات والمصالحة المسيحية الكبرى مع الرئيس ميشال عون، بغضّ النظر عمّا تبع هذه المصالحة من عقد اتفاق معراب وسقوطه المدوّي. وبالتالي يعتبر كثيرون أنّ الرياشي شخصية غير تقليدية تحمل هويّتها في جيبها وتستطيع التنقّل بين الأضداد لنسج ما تيسّر من تفاهمات عند الضرورة.
وعليه، لن يكون الرياشي نائباً تقليدياً ملتزماً بعمله البرلماني فقط، بل ينتظره دور سياسي سيلعبه انطلاقاً ممّا حقّقه في معركته الانتخابية في المتن أوّلاً، وصولاً إلى دوره في صياغة “مشروع الحياد” الذي سيجد له طريقاً لوضعه على طاولة حوار يُراد منها أن تكون جامعة مهما كان حجم الاختلافات.
غير أنّ أمام نجاح الرياشي في لعب هذا الدور تحدّيات كثيرة، أبرزها الكلام المسبق عن أنّ طرح الحياد ولد ميتاً. فهل يستطيع الرياشي طرحه بصيغة تعيده إلى قيد الحياة، تحديداً لدى القوى الشيعية؟ وأيّ دور ينتظر الرياشي في علاقة القوات مع حزب الله تحديداً؟ وهل يعيد تجربة ورقة إعلان النوايا مع الحزب هذه المرّة؟
للرياشي باع طويل في السياسة المتنيّة. فهو رافق ألبير مخيبر في مسيرته النيابية والسياسية الطويلة، وساهم مباشرةً في وصوله إلى البرلمان عام 2000
مرحلة تفاهمات
ثمّة من يتحدّث عن تفاهمات مقبلة على البلاد، تحدّث عنها أوّلاً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عبر كلامه عن ضرورة الجلوس إلى طاولة واحدة لحلّ الأزمات، وردّ عليه النائب بيار أبو عاصي أمس بإعلان استعداد القوات للجلوس مع حزب الله على طاولة واحدة، لكن بشروط.
القوات اللبنانية التي خاضت انتخاباتها بسقفها العالي ضدّ سلاح حزب الله، لا بدّ لها أن تعود إلى الطاولة المستديرة متى تدعو الحاجة إلى ذلك. لا أحد يتوهّم أنّ أيّ التقاء داخلي لن يكون انعكاساً للقاءات خارجية ستنعكس حكماً على الداخل. غير أنّ مرحلة التفاهمات المقبلة سيكون لها أربابها. وعليه، يبدو أنّ اسم الرياشي سيكون حاضراً في أيّ مدّ جسور داخلية بين القوات اللبنانية وحزب الله أو سواه في حال اتّجهت النيّات نحو ذلك.
هذا الدور أيضاً أمامه تحدّيات كبيرة، لعلّ أبرزها مدى استعداد حزب الله لهذا اللقاء، ولا سيّما أنّ هناك من يقرأ في علاقته مع الفرنسيين تعالياً عن أيّ مقاربة من هذا النوع مع القوات اللبنانية، ولا سيّما أنّ حليف الحزب جبران باسيل حافظ على كتلة وازنة على الرغم ممّا اعتبر أنّه تعرّض لمحاولة “اغتيال معنوي” هو والتيار الوطني الحر خلال هذا العهد، وبالتالي لا حاجة لحزب الله إلى الحوار مع القوات اللبنانية طالما حافظ حليفه على وزن تمثيليّ جيّد.
إقرأ أيضاً: باسيل يَفصل زياد أسود من التيّار؟!
في المقابل، يقرأ كثيرون أن لا ترجمة لفوز كلّ من الثنائي الشيعي والقوات اللبنانية بكتلتَيْهما الوازنتين في المجلس إلا بالحوار، ولا سيّما أنّ الكتلة الناخبة الشابّة صبّت أصواتها لثلاث كتل تُعتبر الأكثر تمثيلاً، وهي حزب الله والقوات اللبنانية و”مرشّحو انتفاضة 17 تشرين”.
في الساعات الاخيرة كثر الكلام في الكواليس السياسية عن مسعى لجمع القوات اللبنانية مع قوى أخرى حزبية ونيابية مختلفة لتوحّد في جبهة واحدة تحمل عناوين سياسية “سيادية” واضحة في المرحلة المقبلة. وقد يكون الرياشي أبرز المرشّحين للعب دور في هذا الشأن.