وجّه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل خلال احتفال “النصر” يوم السبت رسائل إلى داخل “تيّاره” وحلفاء التكتّل السابقين أكثر ممّا وجّه رسائل إلى الخصوم.
ما هو أهمّ أنّ باسيل تقصّد القيام بما يُشبِه عملية تسليم وتسلّم “غير رسمية” بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون “مباشرة على الهواء”، قائلاً له: “صار حقّك ترتاح ونحنا نكمّل عنك. أنت زرعت فينا القضية وحمّلتنا المسؤولية، ونحن قدّها”.
سيكمل جبران باسيل لكن مع كمّ كبير من الخلاصات التي خرج بها من الاستحقاق الانتخابي ووجّه فيها أصابع الاتّهام إلى أهل بيته أوّلاً.
جاءت أكثر الرسائل وضوحاً على قياس نائب جزّين زياد أسود، الغائب الأكبر عن احتفال التيار الشعبي في “البيال”، وطالت أيضاً بعض نواب التيار الفائزين في الانتخابات لكن بكلفة عالية ليس أقلّها تعميق فجوة الخلاف مع جبران.
تشير معطيات “أساس” إلى أن لا “أساس” متيناً استند إليه باسيل في تلويحه بتقديم طعن يمكّن أمل أبو زيد من الفوز بالمقعد الماروني
مضبطة اتّهامية كاملة أعدّها رئيس التيار مؤكّداً أنّ “كلفة بقاء البعض من دون محاسبة في التيار صارت أكبر بكثير من كلفة خروجهم”، متوعّداً بـ”البهدلة لكلّ من يخرج عن مسار التيار، ولا يلتزم بالمناقبية الحزبية. وانشالله يكونوا تعلّموا يلّلي بعدهم عم يفكروا فيا”.
المقصود الأوّل بـ”المحاسبة” هو زياد أسود المسؤول، برأي باسيل، عن “نكسة” جزّين التي شكّلت الصفعة الكبرى للتيّار البرتقالي بعد فوز القوات بالمقعدين الماروني والكاثوليكي. كان كلام جبران واضحاً: “كنت متخوّف نوصل لهون من ورا التمادي بالأنانية والحصار يللي تعرّضنا له”، مؤكّداً في الوقت نفسه “بعدنا الأوائل في جزين وبتبقى قلعة عونية”، ملوّحاً بتقديم طعن في النتائج.
لا طعن
تشير معطيات “أساس” إلى أن لا “أساس” متيناً استند إليه باسيل في تلويحه بتقديم طعن يمكّن أمل أبو زيد من الفوز بالمقعد الماروني. فالتيار الوطني الحر كان يحتاج إلى 2,412 صوتاً لنيل الحاصل، وإذا حصل على الفارق تسقط نيابة مرشّح القوات سعيد الأسمر ويربح أبو زيد الذي نال “السكور” الأعلى من الأصوات التفضيلية على لائحة التيار (5,184).
حتى التيّاريون أنفسهم يستبعدون هذا السيناريو: “الفارق كبير ويصعب تجاوزه. صحيح أنّ هناك بعض الأقلام لم يكن فيها مندوبون لنا، إضافة إلى بعض الغموض في الأرقام، لكن بشكل عام يصعب تأمين أرضيّة متينة لتقديم طعن في النتائج”.
ما لم يقُله هؤلاء أنّ باسيل حاول التخفيف من وهج الصفعة في جزّين من خلال الإيحاء بتقديم طعن يحفظ ماء وجه تياره.
فصل زياد من التيّار؟
بالمقابل، تفيد المعلومات أنّ “باسيل لن يتهاون بموضوع زياد أسود. وهو يستعدّ لاتّخاذ قرار بحقّ نائب جزّين السابق قد يصل إلى حدّ فصله من التيار أو إصدار عقوبة حزبية بحقّه”. يُذكر أنّ أسود منقطع عن الإعلام ويردّد القريبون منه أنّه “في إجازة”.
يقول مصدر حزبي في التيار الوطني الحر لـ”أساس”: “خالف زياد أسود بشكل صارخ التعليمات الحزبية وقام بعكسها. ووقّع على ميثاق شرف بين مرشّحي التيار لم يلتزم به، واستمرّ في الهجوم على النائب أمل أبو زيد ورئيس اتحاد بلديات جزين خليل حرفوش”، مشيراً إلى أنّها “سلسلة تراكمات أدّت إلى أن يطفح الكيل من أسود بعدما كُسرت الجرّة بينه وبين جبران”.
يؤكّد المصدر أنّ “إصرار أسود على الترشّح أضاع منّا فرصة قيام تحالف مع صيدا وحليف سنّيّ قوي “يرفع” من حظوظ اللائحة، فيما الثنائي الشيعي التزم مع إبراهيم عازار”.
الحقّ على أسود أم باسيل؟
يملك مطّلعون على المشهد الانتخابي والسياسي قراءة أوسع تفيد بالآتي: “هناك خطأ كبير وقاتل مسؤول عنه جبران باسيل تحديداً، وفي إطار توزيع المسؤوليات قد يتحمّل زياد أسود جزءاً بسيطاً من هذه المسؤولية. عام 2009 لم يكن ميشال عون رئيساً للجمهورية، ولم يكن لديه أجهزة أمنيّة تحت تصرّفه، ولم يكن لديه تركيبة بلديّات ومحافظين وقائمقامين يمون عليها، ولا أموال.. واجتاح جزّين. عام 2022 ميشال عون في صورة معاكسة تماماً، وتقريباً لديه كلّ ما يحتاج إليه في معارك من هذا النوع، لكنّ التيار يتراجع بما نسبته 40%. ولذلك من غير المقبول أن “يكبّها” باسيل فقط على زياد أسود”.
يقول مصدر حزبي في التيار الوطني الحر لـ”أساس”: “خالف زياد أسود بشكل صارخ التعليمات الحزبية وقام بعكسها. ووقّع على ميثاق شرف بين مرشّحي التيار لم يلتزم به
يتساءل هؤلاء: “كيف يمكن تفسير أنّ سمير جعجع الذي لم تكن تتقبّله القاعدة المسيحية في جزين، ولم يكن لديه حضور تاريخي وشعبي في جزين، رشّح في العام 2018 عجاج حداد، ابن البيت السياسي في بلدة روم، ولم يتجاوز مجموع الأصوات التي نالها 4,500 صوت. اليوم النائبة غادة أيوب نالت نحو 8 آلاف صوت. فهل هذه مسؤولية زياد أسود أيضاً؟. الموضوع هو وطني ومسيحي لا جزّينيّ فقط، وخلاصته التراجع الدراماتيكي لدى التيار، والأرقام شاهدة على ذلك، بما في ذلك أرقام اقتراع المغتربين”.
تراجع التيّار جزّينيّاً
من أصل نحو 276 ألف مقترع صوّتوا لمرشّحي التيار عام 2018، تراجع العدد في الانتخابات الحالية إلى 120 ألفاً. في جزّين تراجُع التيار كان مدوّياً لمصلحة القوات التي ارتفع رصيد أصواتها من نحو 4,500 صوت إلى أكثر من تسعة آلاف، بينما تراجع التيار من 13 ألفاً إلى عشرة آلاف. ومع ذلك، لا يزال باسيل يردّد “جزّين قلعة عونية”!
يرجِّح خصوم رئيس التيار أنّ “أغلبية الـ 120 ألف مقترع صوّتوا من باب الوفاء الرومانسي والعاطفي لميشال عون، ثمّ يأتي باسيل ليُحمّل المسؤوليّات لأشخاص”.
عكّار لا تعوِّض
في واقع الأمر، لا تعوّض عكّار ولا البقاع الغربي ولا المتن خسارة “التيار” مقعدين في أحد أكبر معاقله، فيما خسر النائب إبراهيم عازار المرشّح المدعوم من قبل حركة أمل وحزب الله.
حصل ذلك بعدما استعاد التيار التمثيل المسيحي لجزّين عام 2005، ثمّ حصد نوّابه الثلاثة زياد أسود وعصام صوايا وميشال حلو عام 2009 ما نسبته 54% من أصوات المسيحيين، ثمّ خسر التيار مقعداً عام 2018، ثمّ المقاعد الثلاثة دفعة واحدة بعد 17 عاماً.
عَرض لجان عزيز؟
تقول المعلومات إنّ الثنائي أسامة سعد وعبد الرحمن البزري عرضا بداية على المستشار السابق لرئيس الجمهورية جان عزيز الترشّح معهما على اللائحة، لكنّ الأخير فضّل الابتعاد عن المشهد الانتخابي.
من جهة أخرى، قُدّمت نصائح لأمل أبو زيد بأن يكون على لائحة سعد-البزري “حتى يكون مقعده مضموناً، فيما الخسارة محتّمة على لائحة التيار”. بقي ترشيح أبو زيد معلّقاً على لائحة التيار إلى أن تدخّل رئيس الجمهورية شخصيّاً طالباً منه خوض المعركة مع غريمه زياد أسود.
هكذا لم يكن بالخطّة “الذكية” رهان باسيل على أصوات شيعية تُنقِذ لائحته فيما كان إبراهيم عازار “على الحفّة” ويحتاج إلى كلّ صوت شيعي، واتّكاله على أصوات سنّيّة قد تأتي من الجماعة الإسلامية أو البزري أو أصوات متفلّتة. فجزّين ليست البقاع الغربي حيث تحالف على اللائحة نفسها مع الثنائي.
مقعد عازار
أمّا لناحية خسارة الرئيس نبيه بري مقعد النائب إبراهيم عازار، فيقول العارفون إنّ “عازار خسر معظم قاعدته والبعض منها ذهب باتّجاه لائحة القوات. ومجلس الجنوب الذي يصوفر ماليّاً لم يسعفه بالخدمات. والشيعة لم يتمكّنوا من تعويض خسارته للأصوات المسيحية”.
أرقام جزّين
بلغ الحاصل الانتخابي الأوّل في دائرة الجنوب الأولى 12,258 والثاني 6,670. نالت لائحة تحالف البزري-سعد 18,783 صوتاً مكّنت اللائحة من الفوز بثلاثة مقاعد، من ضمنها المقعد الماروني الذي فاز به شربل مسعد (984 صوتاً تفضيلياً).
فازت لائحة القوات (13,948) بمقعدين: كاثوليكي (غادة أيوب التي نالت 7,953 صوتاً تفضيلياً) وماروني (سعيد الأسمر نال 1,102 صوت تفضيلي)، فيما نال المرشّح السنّيّ على اللائحة يوسف النقيب 4,380 صوتاً تفضيلياً.
إقرأ أيضاً: التاكسي الشيعي… لـ7 نواب عونيين
أمّا لائحة التيار الوطني الحر فنالت 9,846 صوتاً. وجاء ترتيب الخاسرين بالأصوات التفضيلية كالآتي: أمل أبو زيد (5,184)، زياد أسود (3,639)، سليم خوري (447). فيما نال المرشّحان السنّيّان على اللائحة علي الشيخ عمّار 77 صوتاً، ومحمد القواس 165 صوتاً.