مايكل ويس – Michael Weiss – New Lines
هل فلاديمير بوتين مريض أم يُحتضر؟
يبدو أنّ الصحافة الشعبية، مدعومة بالتكاثر المفاجئ لمختصّي التشخيص الطبّي على تويتر، تعتقد ذلك بالتأكيد. فمنذ انطلاق غزوه لأوكرانيا في 24 شباط الماضي، أضحى تدهور صحّة الرئيس الروسي البالغ من العمر 69 عاماً موضع تكهّنات مسعورة، وهي تكهنات قلّل من شأنها السكرتير الصحافي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف Dmitry Peskov، مستشهداً بصحّة بوتين “الممتازة”.
يعتقد بوريس كاربيشكوف Boris Karpichkov، وهو منشقّ عن الاستخبارات السوفياتية (KGB) لجأ إلى بريطانيا (وكان سابقاً ضابطاً في المديرية الرئيسية الثانية، ومتخصّصاً في مكافحة التجسّس)، أنّ بوتين، زميله الجاسوس السابق، يعاني مرض باركنسون، إلى جانب أمراض أخرى، من بينها الخرف. وقال كاربيشكوف لصحيفة “صن Sun The” البريطانية التي يصدرها روبرت مردوخ Rupert Murdoch، إنّه، “يتصرّف، كمجنون ومهووس بأفكار جنون العظمة”، مقارناً بوتين في هذا الصدد بستالين، الذي راح ضحيّة جلطة واحدة.
منذ انطلاق غزوه لأوكرانيا في 24 شباط الماضي، أضحى تدهور صحّة الرئيس الروسي البالغ من العمر 69 عاماً موضع تكهّنات مسعورة، وهي تكهنات قلّل من شأنها السكرتير الصحافي للرئيس الروسي
كشفت قناة التلغرام “General SVR” ، التي يُزعم أنّ ضابطاً سابقاً في جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية يديرها، أنّ من المقرّر أن يخضع بوتين لجراحة لاستئصال نوع غير محدّد من السرطان في المستقبل القريب، وأنّه عندما يكون على طاولة العمليات، سيكون البديل مؤقّتاً نيكولاي باتروشيف Nikolai Patrushev، سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، والزميل السابق في الاستخبارات السوفياتية، والمدير منذ زمن طويل لإحدى الوكالات الاستخبارية التي خلفت الجهاز السوفياتي. باتروشيف، كما وثّقت مجلةNew Lines ، هو أيضاً أحد أكثر أيديولوجيّي النظام تشدّداً.
الدليل على رجحان المزاعم المتباينة، إن لم تكن المتناقضة، بشأن قُرب وفاة بوتين، هو بوتين نفسه. هو بالتأكيد يبدو مريضاً. مشيته تشبه مشية الضفدع، وهي مشية غريبة، وسلوكه المتمايل خلال الأحداث المتلفزة، بما في ذلك اجتماعه في 22 نيسان الماضي مع وزير دفاعه المنغمس في الحرب، سيرغي شويغو Sergei Shoigu، إذ تشبّث بوتين المتهالك بحافة طاولة صغيرة بشكل ساخر كما لو كان يثبّت نفسه ضدّ الاهتزاز أو الدوار. هناك أيضاً العزلة الذاتية السيّئة السمعة وسط جائحة كوفيد- 19، وهي السبب الذي غالباً ما يُستشهد به لعقد اجتماعاته مع الزوّار الأجانب، قبل الحرب وأثناءها، على طاولات من العصور الوسطى. (أفادت وسائل الإعلام الروسية المستقلّة أنّ أيّ شخص يريد الاقتراب من بوتين يجب أن يخضع لاختبار PCR، وحتى تقديم عينة براز).
المرض العضال و”النووي”
ما يمكن لـ New Lines إثباته هو أنّ هناك بالفعل جوقة متنامية من أولئك المقرّبين من بوتين أو في جهاز استخباراته المحلّي الذين يهمسون، تماماً مثل أولئك الذين يتكلّمون وهم ينتظرون دورهم في السوبرماركت، والذين هم في وضع أفضل لمعرفة ما هي حالة عقل بوتين وجسمه. وليس معروفاً ما إذا كانت هذه المصادر تقول الحقيقة أو تحاول نشر معلومات مضلّلة. سيكون من واجب أولئك الذين خاب أملهم من القيادة الشمولية لبوتين، على سبيل المثال، تصويره على أنّه عاجز أو لن يدوم طويلاً في هذا العالم. لذا من الأفضل إضعاف نفوذه في الداخل وفي ساحات القتال في أوكرانيا. كما أنّ نشر الشائعات حول تدهور صحّته يمكن أن يستبق شيئاً أكثر كارثيّة مثل إصداره الأمر بإطلاق سلاح نووي، والذي من غير المرجّح أن ينفّذه القادة العسكريون نيابة عن طاغية مصاب بمرض عضال.
كشفت قناة التلغرام “General SVR” ، التي يُزعم أنّ ضابطاً سابقاً في جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية يديرها، أنّ من المقرّر أن يخضع بوتين لجراحة لاستئصال نوع غير محدّد من السرطان في المستقبل القريب
الحكومات الغربية، ناهيك عن المؤسسات الإخبارية التي تُسرَّب إليها المعلومات، تميل إلى جعلنا نتصوّر بوتين والدولة الرجعيّة التي يحكمها في أسوأ وضع ممكن. عندما سعى ألكسندر سولجينتسين Alexander Solzhenitsyn إلى الحصول على قصة رمزيّة لتصوير إمبراطورية العبيد الستالينيّة بعد عمليات التطهير، حيث يبدو كلّ شخص، بدءاً من أعضاء اللجنة المركزية وصولاً إلى أيّ عضو صغير في الحزب الشيوعي، كما رجل الشارع، متواطئاً في افتراس المجتمع، اختار مرض السرطان. لأنّ علاج الورم المنتشر، كما عرف سولجينتسين من تجربته المباشرة، يمكن أن يكون مدمّراً للكائن الحيّ تماماً مثل المرض نفسه. ربّما يكون هناك شيء من الإرث الأدبي لسولجينتسين ينقل همسات بوتين بوصفه رجل أوروبا المريض الحديث. ثمّ مرّة أخرى، ربّما يكون كذلك.
إثبات على المرض
حصلت New Lines على تسجيل صوتي لأوليغارشي (غنيّ من جماعة الأقلّية) مقرّب من الكرملين يصف بوتين بأنّه “مريض جدّاً بسرطان الدم”، على الرغم من أنّ نوع سرطان الدم غير محدّد. بالطبع لسنا قادرين على تأكيد هذا الادّعاء بشكل مستقلّ، ومن الصعب الحصول على الفحوص الطبية لبوتين. لكنّ التسجيل يمثّل شهادة نادرة من شخص له صلات مثبتة بالحكومة الروسية بأنّ ديكتاتورها المتعصّب قد يكون وضعه خطيراً. ولم يكن يعرف هذا الأوليغارشي أنّ كلامه يُسجّل.
قام رأسماليّ مغامر غربي بتسجيل المحادثة في منتصف شهر آذار من دون علم الروسي الأوليغارشي أو موافقته. وقدّم المصدر هذا التسجيل إلى New Lines بشرط عدم تحديد هويّته علناً. ويقول إنّه خان ثقة أحد زملائه بدافع الاشمئزاز من الحرب في أوكرانيا، وهو اشمئزاز يشاركه فيه محاوره الذي سُجّل كلامه سرّاً. يقول الأوليغارشي عن بوتين: “لقد دمّر الاقتصاد الروسي، والاقتصاد الأوكراني، وكثيراً من الاقتصادات الأخرى تماماً، دمّرها تماماً. المشكلة في رأسه…. يمكن لشخص مجنون أن يقلب العالم رأساً على عقب”.
تمكّنت مجلّة New Lines من التحقّق من هويّة الأوليغارشي ومن التعرّف على صوته بسهولة. واتّخذنا قراراً بحجب اسمه أو أيّ تفاصيل في سيرته الذاتية يمكن التوصّل بها إليه بسبب الاحتمال الكبير بأن يتعرّض لانتقام الدولة منه. لأغراض هذه المقالة، سنشير إلى الأوليغارشي باسم “يوري”. ويمكننا الكشف عن أنّ يوري موجود حاليّاً خارج روسيا. اعتباراً من عام 2021، كان صافي ثروته مرتفعاً بما يكفي لتصنيفه واحداً من أغنى 200 رجل أعمال روسيّ في مجلة فوربس Forbes. إنّه منشغل بالآثار السلبية التي أحدثتها العزلة الاقتصادية للبلاد والعقوبات الأميركية والأوروبية في محفظة أمواله الخاصة في أوروبا، حيث قضى الجزء الأكبر من التسجيل لمدّة 11 دقيقة يسأل صاحب رأس المال الاستثماري الغربي كيف يمكنه تعويض نفسه.
التأكّد من رواية “يوري”
جرى إثبات حسن نيّة يوري بسهولة من خلال طرق التحقّق من المصادر المفتوحة والمشاورات مع مسؤولي المخابرات السابقين والحاليّين. وصفه مسؤول أمني أوروبي سابق بأنّه ينتمي إلى “دائرة قريبة يبلغ عدد أفرادها من 20 إلى 30 شخصاً”. التقى بهم بوتين في عام 2014 قبل استيلائه خلسة على شبه جزيرة القرم الأوكرانية. قال المسؤول السابق لـ New Linesعن ذلك الاجتماع: “كان الهدف من اللقاء بين بوتين والأوليغارشيّين حوله هو شرح دوافع أفعاله العسكرية، ولماذا كان هذا هو السبيل الوحيد”. وأضاف زميل آخر في تلك العصبة أنّه لا يزال في وضع يسمح له بتقديم “معلومات محدّدة” حول الأعمال الداخلية للإدارة الرئاسية لروسيا (الاسم الرسمي للمكتب التنفيذي للزعيم).
وممّا يعزّز إلى حدّ ما ادّعاء يوري الواسع الانتشار الآن في أروقة النخبة في موسكو، أنّه في 13 آذار الماضي، أُرسلت مذكّرة سرّية جدّاً من لوبيانكا Lubyanka، مقرّ وكالة الأمن الداخلي الروسيةFSB ، إلى جميع المديرين الإقليميّين للجهاز الأمنيّ. ويقول كريستو غروزيف Christo Grozev رئيس التحقيقات في بيلنجكات Bellingcat، وهو موقع إلكتروني لأبحاث الطبّ الشرعيّ، وهو مشتهر بكشف الجواسيس والقتلة الروس، لـ New Lines : “أصدرت المذكّرة تعليمات لقادة المنطقة بعدم تصديق الشائعات حول حالة الرئيس. ووُجّهت تعليمات إضافية إلى المديرين لتبديد أيّ شائعات بهذا المعنى، قد تنتشر داخل وحدات FSBالمحليّة”. ووفقاً لمصدر في إحدى الوحدات الإقليمية اطّلع على المذكّرة، فإنّ “هذه التعليمات غير المسبوقة كان لها تأثير معاكس، حيث اعتقد معظم أفراد الجهاز الأمني فجأة أنّ بوتين يعاني بالفعل من حالة طبيّة خطيرة”. وكما هو الحال في الأيّام الخوالي السيّئة الذكر للاتحاد السوفياتي، لا يُصدَّق شيء من الأقاويل إلى أن تقول الدولة إنّها كذبة خبيثة.
هناك دائماً احتمال أن يكون ما كشفه يوري هو واحداً من هذه الأقاويل.
حصلت New Lines على تسجيل صوتي لأوليغارشي (غنيّ من جماعة الأقلّية) مقرّب من الكرملين يصف بوتين بأنّه “مريض جدّاً بسرطان الدم”، على الرغم من أنّ نوع سرطان الدم غير محدّد
دماء قرون الغزلان
كان توقيت مذكّرة FSB مثيراً للفضول، قبل أقلّ من شهر من نشرProyekt ، وهو موقع إخباري استقصائي روسي يحظى باحترام كبير، أنّ بوتين يسافر بشكل روتيني داخل روسيا بصحبة أطبّاء متخصّصين. ومن بينهم أليكسي شيغلوف Alexei Shcheglov، وإيغور يساكوف Igor Yesakov، وكلاهما جرّاحان مختصّان بالرأس والرقبة، وكونستانتين سيم Konstantin Sim، مختصّ بجراحة العظام، وإيفغيني سيليفانوف Evgeny Selivanov جرّاح الأعصاب الذي قدّم منحة دراسية في مجال جراحة الغدّة الدرقيّة والسرطان فيها لدى المرضى الكبار السنّ. وجد موقع برويكت أنّ شيغلوف، ويساكوف، وسيليفانوف هم “رفقاء السفر الأكثر شيوعاً” لبوتين. استخدم بوتين أيضاً العلاجات الشعبية الشائعة وغير العلمية، وفقاً للموقع، مثل النقع في حمّامات ملأى بدماء قرون الغزلان، التي يُعتقد أنّها تحسّن حالة القلب والأوعية الدموية وبشرة الجلد.
من المعروف أنّ بوتين أُصيب بعدّة إصابات في ظهره منذ أن أصبح رئيساً لروسيا: للمرّة الأولى في عام 2000، بسبب ممارسته الرياضة. يستشهد يوري أيضاً بمشاكل ظهر بوتين، ويفترض أنّها مرتبطة بسرطان الدم. ويقول إنّ بوتين خضع لجراحة في الظهر في تشرين الأول من عام 2021، قبل بضعة أشهر فقط من بدء “عمليّته العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، على الرغم من أنّ مجلة New Lines لم تجد أيّ دليل يدعم هذا الادّعاء. مهما كان الأمر، فإنّ بوتين في 18 آذار الماضي، وفي تجمّع كبير مؤيّد للحرب في موسكو، ألقى خطاباً، وصُوّر وهو يسير على خشبة المسرح نزولاً على درج قصير يضع معظم ثقله على قدمه اليسرى. وفي الأسبوع الماضي فقط، في احتفال روسيا بيوم النصر في الساحة الحمراء لإحياء ذكرى انتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، جلس بوتين ومعطف من طراز FDR ملفوف على حجره، وكانت درجة الحرارة في موسكو في يوم النصر، في 9 أيار، 48 درجة فهرنهايت (9 درجات مئوية). كانت مسيرته خلال موكب يوم النصر محرجة بشكل واضح، ربّما لإخفاء عرج قد لوحظ في مكان آخر. وكان وجهه منتفخاً أكثر من المعتاد.
تقول آشلي غروسمان Ashley Grossman، أستاذة الغدد الصمّاء في جامعة أكسفورد، لـ New Lines: “لطالما كان بوتين رجلاً لائق المظهر مع مظهر هزيل بعض الشيء. ولكن على مدار العامين الماضيين، بدا أنّ وجهه ورقبته قد امتلآ. هو مظهر كوشينغويد Cushingoid ، كما يُطلق عليه، وهو متوافق مع استخدام الستيرويد .”steroid قالت غروسمان إنّ الستيرويدات توصف عادةً لأنواع مختلفة من سرطان الغدد الليمفاوية أو الورم النقوي، سرطان خلايا البلازما، والتي “يمكن أن تسبّب مرضاً عظمياً واسع الانتشار، وتؤثّر بالتأكيد في العمود الفقري والظهر”.
إقرأ أيضاً: الحرب الإلكترونية: سرّ “انتصار” أوكرانيا على روسيا؟
عادة ما يكون سرطان الغدد الليمفاوية أكثر عدوانيّة من سرطان الدم، ويتطلّب علاجاً كيميائيّاً شديداً يؤدّي إلى تساقط الشعر، وهو أمر لم يُعرف عن بوتين من قبل. الأورام الليمفاوية الأخرى منخفضة الدرجة، وقد لا تتطلّب علاجاً كيميائياً، وتكون أقلّ عرضة للإصابة بالعظام. المايلوما Myeloma، حتى الأشكال الأكثر عدوانيّة منها، لم تعُد تتطلّب بالضرورة علاجاً كيميائياً على الإطلاق، إذ يمكن علاجها غالباً بعوامل معدّلة للمناعة وبالستيرويدات، وكلاهما لا يؤدّي إلى تساقط الشعر. ومع ذلك، يمكن أن يؤدّي المايلوما إلى كسور انضغاطية في العمود الفقري تجعل المريض منحنياً. تقول غروسمان: “أيّ شخص يتناول جرعات كبيرة من المنشّطات، سيجد أنّ من الأسهل بكثير أن يُصاب بـكوفيد-19، وهو ما قد يفسّر رهاب بوتين الشديد من الجراثيم واللجوء إلى العزلة مثل هوارد هيوز Howard Hughes. يمكن للالتهاب الرئوي أيضاً أن يقتل بسهولة مستخدم الستيرويد الذي يعاني من نقص المناعة”.
وما الأثر الجانبيّ الثاني؟ إنّه “سلوك غير منطقي أو جنون العظمة.”
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا