الحبّ المفقود بين الصين وأميركا

مدة القراءة 4 د

لا توجد حرب تستمرّ إلى ما لا نهاية. الحرب في أوكرانيا أو على أوكرانيا لا بدّ أن تنتهي. الصيغة التي تنتهي عليها سوف تنعكس بصورة مباشرة على نقطة التماس السياسي والعسكري بين الولايات المتحدة والصين. وهذه النقطة هي تايوان.

من خلال المواقف الأميركية في الحرب الأوكرانية عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، وجّهت الولايات المتحدة رسائل مباشرة إلى الصين. وربّما أكثر من رسائل، وجّهت إليها إنذارات، ودعمت ذلك بإغراق تايوان بالأسلحة الحديثة، وعزّزت من قوّتها البحرية في المنطقة.

بعد الحرب في أوكرانيا، رُفعت القيود الأميركية عن تسليح تايوان. وشُدّدت القيود والمراقبة على جسور التواصل بين الصين وروسيا

غير أنّ الصين لم تعُد تلك الدولة التي كانت بريطانيا تفرض عليها بالقوّة العسكرية شراء المخدِّرات منها وإباحة استخدامها، بل والتشجيع على استخدامها في المدن والقرى الصينية. الصين اليوم حالة أخرى. فاستناداً إلى دراسات إحصائية لأجهزة الأمم المتحدة، فإنّ الصين أصبحت منذ عام 2013 أكبر اقتصاد في العالم من حيث توفير الخدمات وسلّة الغذاء. وقد ارتفع الدخل الفردي عشرة أضعاف منذ عام 1990، وتضاعفت القوّة الشرائية مرّتين لدى المواطن الصيني.

واستناداً إلى هذه الدراسات الدولية، فإنّ الصين حصلت وحدها على 45 في المئة من أرباح الدخل العالمي منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008. وفي عام 1990 كان عدد الفقراء المعدمين في الصين يبلغ 750 مليوناً. اليوم انخفض العدد إلى أقلّ من عشرة ملايين فقط، علماً بأنّ عدد سكان الصين الآن يزيد على مليار و200 مليون. إنّ ثلثَيْ نسبة انخفاض الفقر في العالم كانت في الصين وحدها. وتقدِّم الصين اليوم ما يعادل نصف الاختراعات العلمية الحديثة.

أكثر مَن يعرف حقيقة هذه التحوّلات الصينية ومعناها هي الولايات المتحدة. ففي كاليفورنيا مثلاً توجد جزيرة صغيرة في خليج سان فرنسيسكو تُعرف باسم جزيرة الملائكة. ولكنّها كانت أبعد ما تكون عن الملائكة. ذلك أنّه في عام 1939 كانت الجزيرة معتقلاً للمهاجرين الصينيين. في هذا المعتقل فُرضت الإقامة لسنوات عديدة على جدّ بول فونغ، ممثّل منطقة “سيليكون فالي” اليوم، حيث تتجمّع المؤسّسات والشركات الإلكترونية الحديثة في الولايات المتحدة. وهو مؤسّس “يوتيوب” و”ياهو” وأحد صاحبَيْهما.

منذ أن توتّرت العلاقات بين واشنطن وبيجين في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فُرضت قيود مشدّدة على دخول الصينيين إلى الجامعات الأميركية

هاجر الصينيون إلى الغرب الأميركي في عام 1852، يحفّزهم عاملان: الفقر في الصين واكتشاف الذهب في أميركا. في ذلك الوقت فرضت السلطات الأميركية المحلّية ضرائب على الصينيّين وحدهم المتميّزين بلونهم وتقاسيم وجوههم من دون بقيّة الباحثين عن الذهب من البيض.

عمل الصينيون في شقّ الطرق وحفر الأنفاق في سيرانافادا حيث مات منهم الكثيرون. وعملوا في بناء السدود وفي مدّ خطوط السكك الحديدية. إلا أنّهم عوملوا بدونيّة مفرطة كالسود المستعبَدين. فقد كانوا ممنوعين حتى عام 1882 من ممارسة حقّ المواطنة، ومن المشاركة في الانتخابات المحلّية والقومية. ولم تكن شهادتهم تُقبل أمام المحاكم. ولم يكن يُسمح للصيني الزواج من سيّدة بيضاء. استمرّ العمل بهذه النصوص الدستورية في ولاية كاليفورنيا بما فيها من عنصرية حتى عام 1952.

أدّى ذلك إلى توجّه الأميركيين المتحدّرين من أصول صينية إلى الدراسات العليا، حتى أصبحوا اليوم يتبوّأون المناصب الأكاديمية المميّزة في جامعة ستانفورد وفي جامعة بيركلي، وهما من أعرق الجامعات في الغرب الأميركي. ويحتلّ الصينيون اليوم المقاعد المتقدّمة في المختبرات وفي مؤسّسات البحث العلمي. مع ذلك فإنّهم لا يزالون بعيدين أو مبعَدين عن المواقع السياسية وعن مجالس الإدارة.

ومنذ أن توتّرت العلاقات بين واشنطن وبيجين في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فُرضت قيود مشدّدة على دخول الصينيين إلى الجامعات الأميركية، وخاصة إلى الكلّيّات العلمية، ولو كانوا من مواليد تايوان أو حتى من مواليد الولايات المتحدة، ومن حمَلة جنسيّتها. ولا تزال هذه القيود مفروضة حتى اليوم.

إقرأ أيضاً: بوتين يخسر “اليمين” الفرنسي… وماكرون ينعش أوروبا

بعد الحرب في أوكرانيا، رُفعت القيود الأميركية عن تسليح تايوان. وشُدّدت القيود والمراقبة على جسور التواصل بين الصين وروسيا.

لقد أصبحت “طريق الحرير” مزروعة بالألغام السياسية القابلة للانفجار الأمنيّ حتى تحت ضغط أجنحة فراشات تبحث عن رحيق الأزهار.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…