منذ أكثر من خمسة أشهر، ترك وليد جنبلاط مساحة لا بأس بها من التحرّك السياسي لنجله تيمور. الأخير كاره للسياسة اللبنانية وزواريبها وألاعيبها، لكنّه لم يستسلم. يقول إنّ وفاءه لأفكار جدّه “المعلّم” كمال جنبلاط ولإرثه السياسي يدفع به إلى المحاولة والمحاولة من جديد، علّه يتمكّن من نقل بعضٍ من ثقافته الغربية، التي تغلِّب منطق المؤسسات العامّة على الأفراد، إلى مجتمعه وبيئته.
خلال الأسابيع الأخيرة، نزل تيمور إلى الأرض. وسّع مروحة لقاءاته مع الناس، ولو أنّها من العادات التي لا يحبّذ تكريسها، لكنّه مجبر لا بطل في اللجوء إليها لمخاطبة الناس في زمن انتخابات، قد تكون الأكثر “قرفاً” في ضوء الحالة الاجتماعية الصعبة التي تصمّ آذان الناس وتجعلهم يرذلون أيّ كلام عن مشاريع فارغة تبيعهم أوهاماً، فيما هم على عتبة الفقر.
أشرف على العديد من المهرجانات وخاطب الناس على نحو مباشر. قرّر المواجهة، بعدما اقتنع أنّ وراثته للزعامة الجنبلاطية قدرٌ لن يكون بمقدوره معاندته. ولهذا، تعامل الوالد مع سلوك نجله بشيء من الإيجابية من خلال الابتعاد قليلاً عن الواجهة، ولو أنّ خيارات وليد جنبلاط الانتخابية كانت الغالبة على تمنّيات نجله الراغب في ضخّ دم جديد في “اللقاء الديمقراطي” ليكون على صورته.
يقول الاشتراكيون إنّ ما حذّر منه رئيس الحزب ليس من باب شدّ العصب عشيّة فتح صناديق الاقتراع، وإنّما لاقتناعه أنّ ثمّة مشروعاً مريباً يسعى الحزب إلى تكريسه من باب الإطباق دستورياً على البلد
لكن قبل أسبوع واحد من فتح صناديق الاقتراع، قرّر وليد جنبلاط أن “يدقّ النفير” ليحذّر من اغتيال جديد قد تتعرّض له المختارة، فتوجّه إلى مشايخ مؤسسة العرفان التوحيدية قائلاً: “أتوجّه إليكم، إلى العمائم البيضاء، عمائم الحكمة والتوحيد والعقل والإيمان، عمائم النخوة والعزّة والكرامة، بأن نردّ الهجمة معاً كما فعلتم في جبل العرب، وكما فعلتم في كلّ موقعة من حرب الجبل، وذلك عبر صناديق الاقتراع، لمنع الاختراق، ومنع التطويع والتبعيّة”.
بعدما سلّم جنبلاط نجله كوفيّة الزعامة في آذار 2017، عاد من جديد ليلقي عليه عباءة القيادة متوجّهاً إليه بالقول: “وإذا كان العمر قد شارف على شتائه، إلا أنّ المسيرة مستمرّة، مسيرة الأجداد، مسيرة كبيرنا كمال جنبلاط. فسِرْ يا تيمور، ومن حولك أهل العرفان، والحزب، والوطنيون والعرب في الداخل والخارج. سِرْ في عملية التحدّي في إعلاء شأن المختارة، وتراثها العربي والفلسطيني. وسِرْ في عملية حماية مصالحة الجبل. سِرْ ونحن معك وداليا وأصلان، ولا خوف على المستقبل، فالرجال رجال، والمبادئ مبادئ”.
زمن تيمور
من الواضح، وفق الاشتراكيّين، أنّ جنبلاط الأب قرّر التراجع خطوة للوراء مقابل تقدّم نجله خطوة للأمام، خصوصاً بعدما أثبت أنّه تعلّم طقوس الزعامة، ولا سيّما في ما خصّ التواصل مع القواعد الشعبية، ولو أنّ البوصلة لا تزال بين يدي الوالد. لكنّه بالنتيجة قرّر منح تيمور مزيداً من الحرّية في التعاطي مع الجنبلاطيين.
أراد وليد جنبلاط من خلال دخوله على خطّ التحذير من اغتيال جديد استعادة شريط أحداث اغتيال كمال جنبلاط، إذ إنّ الظروف المحيطة بالاستحقاق الانتخابي هي التي دفعت به إلى استحضار تجربة العام 1977 بقساوتها.
يقول الاشتراكيون إنّ ما حذّر منه رئيس الحزب ليس من باب شدّ العصب عشيّة فتح صناديق الاقتراع، وإنّما لاقتناعه أنّ ثمّة مشروعاً مريباً يسعى الحزب إلى تكريسه من باب الإطباق دستورياً على البلد، أسوة بما فعله السوريون في بداية الحرب الأهلية للإطباق على البلد. وها هو السيناريو ذاته يتكرّر ولو بأدوات مختلفة.
إقرأ أيضاً: وليد جنبلاط يسلّم تيمور(2): زعامة بلا دماء؟
يسرد هؤلاء جملة معطيات ومواقف ترد على ألسنة مسؤولين في قوى الثامن من آذار (السيد حسن نصر الله، طلال أرسلان، فادي الأعور)، للتأكيد أنّ الاستحقاق النيابي هو محطة وحسب يريدها “الحزب” للسيطرة على مجلس النواب عبر صناديق الاقتراع، ومن بعده على كلّ المؤسسات الدستورية. لهذا لا بدّ من إزاحة وليد جنبلاط بالطرق القانونية من خلال نزع الميثاقية التي تمثّلها المختارة ومقاسمتها النواب الدروز.