الأسد في إيران: رسائل للإمارات وروسيا وإسرائيل

مدة القراءة 6 د

لم تكُن زيارة الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد للعاصمة الإيرانيّة صباحَ الأحد الماضي مُفاجئة من حيث الشّكل. إلّا أنّ التوقيت والمضمون ونتائج الزّيارة تحمل الكثير من الرّسائل الإيرانيّة في عدّة اتّجاهات.

ثلاث ساعات هو الوقت الذي قضاه الأسد في رحاب طهران، في زيارة عمل على إتمامها بعيداً عن الأضواء رئيس قوّة القدس في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ إسماعيل قاآني الذي حضرَ الاجتماع بين الأسد والمرشد علي خامنئي والرّئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بحسب معلومات خاصّة بـ”أساس”، لكن من دون أن يظهر في الصورة.

تُؤكّد المصادر أنّ الأسد نجَح في إعادة تفعيل الخطّ الائتماني الإيراني لبلاده، ونالَ وعداً من أعلى سلطة في بلاد فارس أنّها لن تتوانى عن دعم سوريا بالمُشتقّات النّفطيّة، ولن تُطالب دمشق بأيّ من أموال الدّيون المُترتّبة عليها منذ اندلاع الأزمة سنة 2011.

بحسب الإذاعة الإسرائيلية، فإنّ المخاوف الإسرائيليّة تعاظمت أكثر بعد زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد لطهران الأحد الماضي ولقائه القيادات الإيرانية. لكنّ مصادر دبلوماسية نفت تماماً لـ”أساس” هذه المعلومات

لم يكن “الكرم” الإيرانيّ سوى رسائل لِمَن يعنيهم الأمر أنّ اليد العُليا في سوريا ستكون لطهران، خصوصاً مع انشغال الدّبّ الرّوسيّ بالمُستنقع الأوكرانيّ الذي لا يختلف رأيان في أنّه صارَ أولويّة الكرملين دون مُنازع.

يُمكن اختصار الرّسائل الإيرانيّة بالآتي:

أوّلاً، للعرَب: لم تكُن كلمة المرشد علي خامنئي عمّن سمّاهم “دول التّطبيع العربيّة الذين يشربون القهوة مع الإسرائيليين” سوى جواب إيرانيّ من أعلى مُستوى على الزّيارة التي قامَ بها بشّار الأسد للعاصمة الإماراتيّة أبو ظبيّ قبل أسابيع.

لم يكن خامنئي الوحيد الذي غمَزَ من هذه القناة في حضور الأسد، إذ نقلَت وسائل إعلام إيرانيّة عن إبراهيم رئيسي قوله للأسد: “المقاومة هي التي تحدّد مستقبل المنطقة وليست طاولة المفاوضات، والتنسيق العسکري الناجح بين إيران وسوريا، إلي جانب مقاومة الشعب الفلسطيني، أظهر أنّ خطة بعض القادة العرب لإبرام الصفقات مع الصهاينة فاشلة”.

من هُنا ينطلق خامنئي بالقول للعرب بطريقة غير مُباشرة: لن نُفاوض على نفوذنا في سوريا حتّى لو أرادَ الأسد ذلك. وهذا تأكيد على الحلف الاستراتيجيّ بين طهران ودمشق الذي لن يتأثّر بالتّحوّلات الإقليميّة.

ثانياً، روسيا: يؤكّد توقيت الزّيارة، تزامناً مع انشغال روسيا في حربها الأوكرانية، أنّ إيران باغتت الكرملين في دمشق، وذهبت نحو تعزيز نفوذها أكثر وأكثر من باب الاقتصاد. وهنا لن تستطيع موسكو أن تقدّم شيئاً للأسد في ظلّ سقوط الملفّ السّوري من على سُلّم الأولويّات الرّوسيّة.

تستغلّ إيران أيضاً في هذه النّقطة توتّر العلاقات الرّوسيّة – الإسرائيليّة بسبب الموقف الإسرائيليّ من الحرب في أوكرانيا، وما قيل عن دعمٍ عسكريّ قدّمته تل أبيب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتصريحات وزير الخارجيّة الرّوسيّ سيرغي لافروف عن أصول هتلر اليهوديّة وما تبعها من تراشق كلاميّ بين موسكو وتل أبيب.

بطبيعة الحال سينعكس هذا التّوتّر على التنسيق العسكريّ – الأمنيّ بين روسيا وإسرائيل في سوريا، وهذا ما قطفت إيران ثمرته بشكلٍ سريع لتعزيز نفوذها الذي تُعتبر الغارات الإسرائيليّة العائق الأبرز أمامه.

ثالثاً: يُقرأ حضور إسماعيل قاآني للاجتماع مع خامنئي بأنّه تأكيد على الدّور الإقليميّ لإيران عبر سوريا وغيرها في المنطقة. إذ يُمثّل قاآني صورة التّدخّل الإيرانيّ في الشّرق الأوسط بقيادته الذّراع الخارجيّة للحرس الثّوريّ “فيلق القدس”. وتشير معلومات خاصّة بـ”أساس” إلى أنّ قاآني يلعب دوراً في تخفيف التّوتّر بين دمشق وقيادة حركة حماس، وقد قطَع شوطاً مهمّاً في هذا الإطار.

قلقٌ إسرائيليّ…

لم يمرّ تعزيز النّفوذ الإيراني في سوريا مرور الكرام. إذ كشف موقع “تايمز أوف إسرائيل” في تقرير أنّ إسرائيل باتت تشعر بالقلق اليوم من التمدّد الإيراني في سوريا مع أنباءٍ عن قيام روسيا بسحب جزء من قوّاتها العاملة في سوريا، ونقلها إلى أوكرانيا. وكانت نقلت صحيفة “موسكو تايمز” الرّوسية أنّ روسيا بدأت بسحب جزء من وحداتها في سوريا بهدف تعزيز قواتها في أوكرانيا. وأضافت أنّه تمّ نقل العديد من الوحدات العاملة في قواعد عسكرية سورية إلى مطارات في وسط سوريا لم تسمِّها، تجهيزاً لنقلهم إلى أوكرانيا. وذكرت الصحيفة أنّ القواعد التي تمّ التخلّي عنها استقرّت فيها قوات من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.

بحسب تقرير “تايمز أوف إسرائيل”، “فإنّ التطوّر الجديد هو مشكلة بالنسبة لتل أبيب، التي سعت طوال سنوات إلى منع تعزيز القوّة الإيرانيّة على الأراضي السّوريّة”. ونقل التقرير عن الخبير الإسرائيلي في شؤون الشرق الأوسط إيهود يعري قوله: “من دون النفوذ الروسي في دمشق وعلى الأرض عبر القوّات المُسلّحة، يمكن لإيران بسهولة دفع وحداتها إلى سوريا، فضلاً عن التأثير على نظام الأسد”.

وأضاف يعري أنّ “إسرائيل لا تملك أيّ وسيلة للتأثير بشكل حقيقي وفعّال على اعتبارات الانتشار الروسي في سوريا”. وأشار إلى أنّه “حتى عندما كانت روسيا تتعاون مع إيران في سوريا فإنّ موسكو سعت دائماً إلى تقييد موطئ قدم الإيرانيين هناك، إضافة إلى تقليصها عمق اختراق طهران لجيش الأسد وأجهزته الأمنيّة”.

من جهتها، ذكرت هيئة الإذاعة الإسرائيلية أنّ الأجهزة الأمنيّة في تل أبيب تراقب بقلق انسحاب بعض القوّات الرّوسيّة من سوريا.

إقرأ أيضاً: بايدن العاجز مُحاصَراً من الديمقراطيين وإيران و”الموساد”

وجاء في تقرير الإذاعة العبرية أنّ الأجهزة الإسرائيليّة تفحص دقّة المعلومات التي تحدّثت عن نقل عدد كبير من القوات الروسية من سوريا، خصوصاً بعد نشر تقارير بهذا الشأن في وسائل إعلام روسيّة.

وبحسب الإذاعة الإسرائيلية، فإنّ المخاوف الإسرائيليّة تعاظمت أكثر بعد زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد لطهران الأحد الماضي ولقائه القيادات الإيرانية.

لكنّ مصادر دبلوماسية نفت تماماً لـ”أساس” هذه المعلومات، وقالت إنّ روسيا تعمل على تعزيز نفوذها في أكثر من ملفّ، وتعمل على تجميع أوراقها، وليس على التخلّي عنها. ولذلك ليست هذه التسريبات الإسرائيلية دقيقة، بل تعبّر عن “مخاوف” أكثر منها عن “حقائق”.

مواضيع ذات صلة

استهداف محمد عفيف: رسالة متعدّدة الأبعاد

توجّه مسؤول وحدة الإعلام في الحزب الحاج محمد عفيف ظهر يوم الأحد الماضي برفقة عدد من مساعديه إلى مقرّ حزب البعث في منطقة رأس النبع…

ساعات حاسمة… ومصير السّلاح مجهول

في الأيام الماضية ضغط جيش العدوّ الإسرائيلي بجولات من قصف صاروخي عنيف ومكثّف لا مثيل له منذ بدء العدوان الجوّي في 23 أيلول الماضي، وتوّج…

كيف يستعدّ الحزب لليوم التّالي؟

بدأ الحزب إعادة ترتيب أولويّاته تحضيراً لليوم التالي في الحرب بعيداً عن التفاصيل الميدانية الحربية والمفاوضات السياسية الحاصلة لإصدار قرار وقف إطلاق النار.   أشارت…

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…