صارَ الرئيس الأميركي جو بايدن في “خانة اليك”. محاصَراً من 3 اتجاهات: إيران والدّاخل وإسرائيل. فهو يخشى إيقاف المُفاوضات مع نظام الملالي، لِما لذلك من تداعيات على المصالح الأميركيّة في المنطقة، خصوصاً بعد الحرب الروسيّة على أوكرانيا، والحاجة الدولية والأميركية إلى النفط الإيراني. ويخشى أن يُنجز اتفاقاً مع إيران قد يُشعل انتفاضةً في الحزب الدّيمقراطيّ. ويأخذ بطبيعة الحال في حسبانه أيّ تهوّر عسكريّ قد تقوم به إسرائيل ضدّ البرنامج النّوويّ الإيرانيّ، الذي تعتبره النخب الإسرائيلية “خطراً وجودياً”، وليس سياسياً أو عسكرياً فقط.
أوّل ضربةٍ جدّيّة تلقّتها إدارة الرّئيس الأميركيّ جو بايدن، جاءت من داخل بيته الدّيمقراطيّ.
ليسَ خبراً عاديّاً أن يُصوّت مجلس الشّيوخ الأميركيّ، بأكثريّة ساحقة، لمشروع قانون اقترحه السيناتور الجمهوريّ جيمس لانكفورد، يقضي بضرورة بقاء الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابيّة. وليسَ تفصيلاً عابراً على الإطلاق أن تنضمّ كُتلةٌ “ديمقراطيّة” وازنة، إلى صفوف المُعارضين الجمهوريين لمشروع سحب “الباسدران” الإيراني عن قوائم الإرهاب الأميركيّة.
قبل أن يوجّه الشّيوخ ضربتهم لإدارة بايدن وفريقها المُفاوض بقيادة روبرت مالي، كانت الولاية الـ51، إسرائيل، توجّه ضربة لمُفاوضات بايدن – إيران، لا تقلّ أهمّيّة وقسوةً عن ضربة الدّاخل
يدعو مشروع القانون، الذي أقرّه مجلس الشيوخ بـ66 صوتاً مُقابل 23 صوتاً معارضاً، إدارة بايدن إلى إبقاء الحرس الثوريّ الإيرانيّ على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية في حال عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.
لا يُعتبر قرار مجلس الشّيوخ مُلزماً للرّئيس، إلّا أنّه يُعطي صورة واضحة عن الضّغط الذي تتعرّض له الإدارة الأميركيّة في مُفاوضاتها الشّاقّة مع إيران التي تجري منذ أكثر من سنة في العاصمة النّمساويّة فيينا. ويعطي أيضاً صورة أكبر عن أجواء الانتخابات النصفية التي يخشى الديمقراطيون أن يخسروها لمصلحة الحزب الجمهوري، الذي بدأ يستعدّ جدّيّاً لترشيح دونالد ترامب للرئاسة بعد سنتين.
ثوابت الشّيوخ: المربّع الأوّل
تخطّى القرار موضوع الحرس الثّوريّ، وعادَ ليطرح ما كانت إيران ترفضه منذ بداية المُفاوضات السّنة الماضية:
1- ضرورة وقف أعمال إيران التخريبية والمزعزعة للاستقرار في الشّرق الأوسط.
2- إبقاء العقوبات المفروضة على الحرس الثوري.
3- إبقاء “الحرس” على قائمة المنظمات الإرهابية.
لم يكُن مشروع لانكفورد هو الضّربة الوحيدة التي تعرّضت لها إدارة بايدن تحت قبّة الكابيتول. إذ وافق الشيوخ الأميركيّون على اقتراح قدّمه السيناتور الجمهوريّ تيد كروز لفرض عقوبات تتعلّق بالإرهاب على البنك المركزي الإيراني بأغلبية 86 صوتاً مقابل 12 صوتاً معارضاً.
هكذا صارَ بايدن مُكبّلاً من داخل بيته “الديمقراطي”، قبل البيت “الجمهوريّ”. ومعه صارَ مصير أيّ اتفاقٍ قد تتوصّل إليه إدارته مع نظام الملالي في إيران في مهبّ الرّياح الجمهوريّة – الدّيمقراطيّة التي تنطلق من أهمّ مؤسّسةٍ تشريعيّة.
يشيرُ مصدرٌ أميركيّ مُقرّب من الرّئيس السابق دونالد ترامب لـ”أساس” إلى أنّ ما حصلَ في مجلس الشّيوخ هو سيناريو أوّليّ لِما سيكون عليه الوضع في أميركا في حال استطاع الجمهوريّون وترامب الفوز بالأغلبيّة في الانتخابات النّصفيّة. ويكشف أنّه في حال أبرمَ بايدن اتفاقاً سيّئاً كالذي أبرمه باراك أوباما سنة 2015، فإنّ ترامب لن يتوانى عن الانسحاب منه في حال عودته إلى البيت الأبيض. ويختم قائلاً: “على الرّئيس بايدن أن يكون حذراً”.
كلام الصورة: السيناتور جيمس لانكفورد والسيناتور تيد كروز
ضربة من تل أبيب
قبل أن يوجّه الشّيوخ ضربتهم لإدارة بايدن وفريقها المُفاوض بقيادة روبرت مالي، كانت الولاية الـ51، إسرائيل، توجّه ضربة لمُفاوضات بايدن – إيران، لا تقلّ أهمّيّة وقسوةً عن ضربة الدّاخل.
في تل أبيب، كان الخبر المُفاجئ يهزّ أركان طاولة فيينا. إذ قال الإعلام العبريّ إنّ ما سمّاه “مسؤولاً إسرائيليّاً أمنيّاً كبيراً” كشف في قناة التلفزيون الرسمي في إسرائيل، “كان 11″، أنّ فرقة تضمّ رجالاً من جهازَيْ “الموساد” و”الشّاباك” قاموا قبل عدّة شهور بدخول الأراضي الإيرانية ومداهمة منزل الضّابط في الوحدة 860 في فيلق القدس التّابع للحرس الثّوريّ منصور رسولي، واحتجازه والتحقيق معه وتوثيق اعترافاته بشريط فيديو.
نقلَت وسائل إعلام عن مصدر دبلوماسيّ إسرائيلي قوله إنّ التحقيق مع الضابط الإيراني حول خطط لاغتيال دبلوماسيّ إسرائيلي وجنرال أميركي وصحافي فرنسي “كان حاسماً في إقناع الرئيس الأميركي جو بايدن بالتراجع عن نيّته سحب الحرس من قائمة التنظيمات الإرهابيّة”.
إقرأ أيضاً: فيينا: 8 مؤشّرات للتّصعيد الإيرانيّ المُرتقب؟
جاءَ الكشف عن عمليّة الموساد في الدّاخل الإيرانيّ بعد أيّامٍ قليلة من لقاء مستشارَيْ الأمن القوميّ في أميركا وإسرائيل جايك سوليفان وإيال حولاتا. المؤكّد أنّ تل أبيب استطاعت أن تضع أمام إدارة بايدن دليلاً موثّقاً بالصّوت والصّورة عن تحرّكات الحرس الثّوريّ ونشاطاته، وهذا ما يضع إدارة بايدن في موقفٍ محرجٍ داخليّاً وخارجيّاً في حال قرّر رفع “الباسدران” عن قوائم الإرهاب.