غزّة بعد أوكرانيا: لن يمرّ قصف المدنيين بعد اليوم

مدة القراءة 6 د

تواصل الطائرات والمدافع الروسية قذف حممها على المواطنين الأوكرانيين، وسحق مدنهم وقراهم. وعلى الرغم من تداول أنباء وشائعات عن إحراز تقدّم نحو وقف النار، لكنّ من الصعب توقّع أن يوقف بوتين الدبّابات الروسية إلى أن يحقّق صورة النصر. وما لم يحقّق هذه الصورة، يصبح بوتين الجريح أخطر وأكثر إيلاماً، وسيُطلق هستيريا الحرب من عقالها.

اليوم لا تردع بوتين العقوبات التي تُفرَض على روسيا، إذ لا مشكلة لديه في أن يعزل روسيا عن العالم، وأن ينتهج نظام التقشّف الذي تعوّد عليه الاتحاد السوفياتي إبّان الحرب الباردة. فقبل كلّ شيء بوتين هو قوميّ سوفياتي، وفي الأيديولوجيا يصبح عزل الشعوب هيّناً أمام الهدف الأيديولوجي الأسمى.

 من السابق لأوانه التقدير ما هو العالم الذي سيظهر لنا في نهاية الحرب، لكن من المؤكّد أنّ ما سيكون لن يكون ما كان. فانشغال المركز الأميركي بذاته في حرب ممتدّة مع روسيا في الأراضي الأوكرانية يبدو أنّه بدأ يخفّف شدّة القبضة الأميركيّة على الشرق الأوسط الذي عانى كثيراً تحت وطأة التدخّلات الغربية والأميركية.

من الواضح أنّ العقوبات التي فرضتها على روسيا ليست لدفع موسكو إلى إيقاف الحرب، ولا للدفاع عن أوكرانيا، إنّما لإضعاف خصمها اللدود “روسيا”

هدوء الشرق الأوسط

بحسب مبادئ الجيوبوليتيكا، “يؤدّي انشغال المركز بنفسه إلى سكون الأطراف”. وبناءً عليه، من المتوقّع أن يشهد إقليم الشرق الأوسط، بوصفه نظاماً إقليمياً متفرّعاً من النظام العالمي، حالة من الهدوء، والشعور بالتحرّر إلى حدٍّ ما من اليد الثقيلة للنظام العالمي المنشغل بذاته، والبدء ببناء علاقات لحلّ المشاكل بين دوله.

في ضوء ذلك، يمكن قراءة رفض بعض القيادات الخليجيّة طلب الرئيس الأميركي جو بايدن زيادة معدّلات إنتاج النفط والغاز تعويضاً عن النفط والغاز الروسيّين، وزيارة بشار الأسد لدولة الإمارات التي شكّلت صدمة لإدارة بايدن.

العامل الآخر الَّذي يزيد المشهد الاستراتيجي تعقيداً أمام  دول المنطقة، ويدفعها إلى التقارب، هو الاقتراب من التوقيع على الاتفاق النووي، الذي سيُنهي العقوبات الاقتصادية والماليّة المفروضة على طهران، واستطراداً سيُضاعف قدرتها على ضخّ الأموال لأذرعها في المنطقة. إلى جانب تلويح الولايات المتحدة برفع الحرس الثوري الإيراني من لائحة المنظّمات الإرهابية، مثبتةً من جديد أنّه لا يمكن الاعتماد عليها بعد فرارها من أفغانستان، وترك أوكرانيا لمصيرها أمام الغزو الروسي من دون أن تخلق ردعاً عسكرياً حقيقياً.

 

توريط بوتين

ثمّة إحساس بأنّ الأميركيين كانوا مستعدّين لأن يبدأ الغزو الروسي ويتواصل من دون وقف للنار كي يتورّط بوتين فيه أكثر فأكثر، على الرغم من أنّ هذا يجري على ظهر الأوكرانيين الذين يُقتلون، ويُقتلعون من بيوتهم، وأنّ الولايات المتحدة تستغلّ الحرب الروسية الأوكرانية بما يخدم أهدافها في التربّع على عرش النظام الدولي، والهيمنة عليه.

من الواضح أنّ العقوبات التي فرضتها على روسيا ليست لدفع موسكو إلى إيقاف الحرب، ولا للدفاع عن أوكرانيا، إنّما لإضعاف خصمها اللدود “روسيا”، وتقويض قوّتها الناعمة، التي بنتها خلال العقدين الماضيين برئاسة بوتين بعد الحرب الباردة، إلى جانب استنزاف قدراتها العسكرية. فالعقوبات لم تكن اقتصادية فقط، كما درجت العادة، إنّما شملت المكوّنات الحضارية: الفنون، والآداب، والرياضة، والسينما، والإعلام، وكلّ ما يمتّ بصِلة إلى النموذج الروسي الحضاري، حتى وصل الأمر إلى الشطرنج، بل وحظر مشاركة القطط الروسية في مسابقات للحيوانات الأليفة.

أصبح لدى إسرائيل ورئيس وزرائها نفتالي بينيت، والمسؤولين الأمنيّين والسياسيين، خشية من أن “تغيّر الحرب في أوكرانيا المعايير

أيضاً يأتي انعقاد مؤتمر القمّة في شرم الشيخ بمشاركة مصر والإمارات وإسرائيل، بعد زيارة بشار الأسد للإمارات، في خطوة لافتة تستهدف إعادة توزيع الأوراق في اللعبة الإقليمية تمهيداً لإمكانية أن توقّع الولايات المتحدة على اتفاق نووي مع إيران، وعلى إيقاع إدارة واشنطن الظهر لحلفائها في المنطقة.

 

إسرائيل والأسد

لننظر كيف تحدّثت صحيفة “معاريف” عن زيارة الأسد للإمارات: “لقد رأى الكثيرون في الزيارة منحَ شرعيّة للطاغية في دمشق، لكن في الحقيقة أنّهم هكذا يحاولون في الإمارات إحباط مؤامرات إيران، ليس من خلال هجمات عسكرية بل بإخراج حجر أساس المبنى الذي تقيمه طهران في المنطقة، وهو بشار الأسد. صحيح أنّ الأسد سيكون صعباً، وربّما متعذّراً، قطعه عن الإيرانيين، لكن لعلّ من الممكن حملَه على تقييد نشاط إيران في أراضيه”.

على عكس ما يعتقد البعض من أنَّ انشغال العالم بالأزمة الأوكرانيّة يزيد من فرص “إسرائيل” لممارسة عدوانها على غزّة، فإنَّ القراءة الموضوعيّة للمشهد الاستراتيجيّ دولياً وإقليمياً تقول بضعف هذه الفرصة، وأنّه يبدو مستبعداً القيام بعملية عسكرية ضدّ غزة، على الرغم من العملية المزدوجة التي قام بها “أبو القيعان” في النقب، والتي أدّت إلى مقتل 4 مستوطنين، وسط تلويح أجهزة الأمن في إسرائيل بأنّ حركة حماس تمتلك بنية تحتية خصبة في النقب، وأنّ الفرضية الأكثر احتمالاً ألّا تتمتّع “إسرائيل” بالقدرة التقليدية نفسها لعدوانها المستمرّ، في ظلِّ انشغال قوى المركز الغربية التي تريد أن تتفرّغ بالكامل لصراعها مع روسيا. وهذا يؤكّد أنّ إسرائيل، التي نشأت كاستثمار غربيّ، ترتبط ارتباطاً عضويّاً بالنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وأنّها قوّة طرفيّة لهذا النظام العالمي.

الجديد في الموضوع أنّه أصبح لدى إسرائيل ورئيس وزرائها نفتالي بينيت، والمسؤولين الأمنيّين والسياسيين، خشية من أن “تغيّر الحرب في أوكرانيا المعايير. فمشاهد قصف المدنيين في غزّة لن تكون مقبولة بعد الآن، وقد تستدرج إسرائيل للخضوع لعقوبات فورية”. في هذا الإطار ناقش الكابينيت الإسرائيلي انعكاسات الحرب في أوكرانيا على أيّ عدوان إسرائيلي مقبل على قطاع غزة.

إقرا أيضاً: إسرائيل تحقّق أحلامها… وتحتفظ بالكابوس

وأشار المحلّل السياسي شالوم يروشالمي إلى أنّ “الوزراء جاؤوا إلى اجتماع الكابينيت تحت تأثير مشاهد الدمار التي ألحقها الجيش الروسي في أنحاء أوكرانيا، وخاصة مدينة ماريوبول، وردّ فعل العالم الحرّ على استهداف أهداف مدنية قد ينعكس على الحرب المقبلة عندنا”، وتابع المحلّل السياسي أنّه “بات واضحاً للجميع أنّ أبراجاً سكنيّة لن تنهار في غزة بعد اليوم، وأيّ مقطع فيديو لعائلة قرب بيتها المدمّر في غزة بعد قصف جوّي أو أولاد عاجزين، ستذكِّر بصور اللاجئين في أوكرانيا، وستكون كارثية جدّاً بالنسبة إلى إسرائيل”، وخلص إلى أنّ “الجميع يدرك أنّ حرباً جديدة باتت قصة مختلفة كلّيّاً”.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…